معجم المصطلحات الكبير
تَعَدُّدية ثَقافية
الثقافة والإناسة

يشير هذا المصطلح باعتباره وصفيا إلى وجود أصول عرقية ذات هوّيات ثقافية متعدّدة داخل دولة قومية أو جماعة أهلية مشتركة أو في مكان معيّن متوحّد اقتصاديا واجتماعيا أو سياسيا. تقوم التعدّدية الثقافية على فكرة أن المجتمع يُثرى من خلال الحفاظ على التنوع الثقافي واحترامه وحتّى تشجيعه، وأنّه أمر مستحسن في حدّ ذاته ويعود بالنفع على الأمّة من نواحٍ عديدة. وقد تضمّنت التعددية الثقافية من حيث المبدأ تشكيل كيانات يشارك فيها المهاجرون من خلفيات متباينة والأقلّيات العرقية مشاركة منصفة مع الإقرار بمعقولية رغبتهم في الاحتفاظ بجوانب من ثقافتهم، فالتعدّدية الثقافية في كندا على سبيل المثال تضمن لجميع المواطنين أن يحتفظوا بهوّياتهم، وأن يفخروا بأصولهم ويشعروا بحسّ الانتماء. في مجال الفلسفة السياسية، تشير التعددية الثقافية إلى الطرق التي تختار بها المجتمعات صياغة وتنفيذ سياسات رسمية لتتعامل مع الثقافات المختلفة بالعدل والاحترام والمساواة أمام القانون، وتكافؤ الفرص ومحاربة التمييز، فالأفراد المهاجرون مختلفون ثقافيا عن السكّان الأصليين للدول التي يهاجرون إليها، وهذا يطرح فكرة الحق للمهاجرين في المشاركة على قدم المساواة مع بقية المواطنين في المجالات المجتمعية كلّها، على أن لا ينتظر منهم التخلّي عن ثقافاتهم ولغاتهم ودياناتهم، واستعداد السكّان لقبول الاختلاف أو التنوّع الثقافي.

تمثّل التعددية الثقافية نموذجيا مذهبا اجتماعيا يميّز نفسه كبديل إيجابي عن سياسة الاندماج، يلتزم بسياسة الإقرار بحقوق المواطنين والهوّيات الثقافية لجماعات الأقلّيات العرقية. إلاّ أنّها في الممارسة الفعلية تشير بصفة غالبة إلى السياسات والممارسات التي تعرّف الأقليات كيفية التعامل مع ثقافة الأغلبية، فهي تشير في هذا الصدد إلى السياسات التكاملية التي تسعى إلى تكييف مختلف الثقافات والأصول العرقية مع ثقافة الأغلبية التي ترتبط بالسياسات التي تفرض تعلّم اللغات الرسمية والاستعمال المقصور عليها وهجر الثقافات الأخرى التي تتمثّل في الدين واللغة والملابس والعلاقات الاجتماعية، لصالح الثقافة الأصلية، فالسياسيون في بلدان كثيرة لا سيّما في الاتحاد الأوروبي يخشون من تفكّك التماسك الذي يجمع بين أجزاء المجتمع ومن تقوّضه بسبب التدفّق المستمرّ للمهاجرين.

ارتبطت التعدّدية الثقافية عموما بالدول الغربية، أوروبا وكندا وأمريكا والنعام ونيوزيلندا، ويعود السبب في ذلك إلى الآثار المترتّبة على الهجرة من مستعمراتها السابقة التي أعقبت الحرب الأممية الثانية مباشرة، وما تلاها من توسّع اقتصادي، وكذلك بسبب المجموعات السكّانية النازحة من الدول المتفككة والواقعة في الحروب الأهلية الغارقة في العنف، وأيضا طلبات العمل التي تتدفّق من سوق المعرفة المستجدّة، وتوسّع القطاعات المالية في حقبة جديدة تتّسم بالتدفّقات العالمية، وانخفاض معدّلات المواليد، وتزايد حرّية انتقال العمالة الناشئة من توسيع الاتحاد الأوروبي وانهيار الاتحاد السوفياتي. إلاّ أنّ الأزمة المالية التي بدأت عام 2008م، وتداعياتها، ومخاوف الشعوب الغربية من الاختلالات المتزايدة الناشئة من معدّل التغيير السريع في ظلّ ما يُسمّى بفترة ما بعد الحداثة، وكذلك المخاوف من انعدام الأمن الاقتصادي والتشرذم الاجتماعي الأكثر شمولا، ألقي بهذا كلّه على الهجرة، وتحوّلت التعدّدية الثقافية إلى وعاء تصبّ فيه الدول الغربية كلّ مخاوفها وأزماتها، والواقع أنّ التغيّرات الاجتماعية والاقتصادية هي أوسع نطاقا إلى حدّ بعيد من التغيّرات الناشئة عن الهجرة وسياسات التعدّدية الثقافية.

وقد اُنتقدت التعدّدية الثقافية في المملكة المتّحدة انتقادا شديدا من لدن المحافظين باعتبارها وصفة لبلقنة المجتمع، وفي الولايات المتّحدة هوجمت كدعوة للتفرقة القومية. كما جاءت معارضة سياسات التعدّدية الثقافية داخل كندا من القوى السياسية المحافظة التي تمثّلت في حزب الإصلاح وحزب المحافظين، إذا أصبح ينظر إليها باعتبارها تمثّل تهديدا لوحدة الأمّة في ظلّ تنامي ظاهرة الهجرة واللجوء إلى كندا، ويرى معارضوها أنّها تُسهم في التقسيم والعزل الثقافي في المجتمع، وتشكّل عائقا أمام ازدهار الثقافة والهوّية الكنديتين، وقد تسهم في نشوب الصراعات بين الجماعات الثقافية، كما تتعارض مع مبادئ العدل والمساواة في المجتمع، لأنّها تضخّم حجم الأقلّيات الثقافية وتعاملها معاملة خاصّة. شهدت النُّعام (أستراليا) حركات مراجعة لسياسات التعدّدية الثقافية، إذ ظهر حزب الأمّة الواحدة اليميني في التسعينيات من القرن العشرين، واُنتخب منابيون (برلمانيون) يتبنّون نهاجل سياسية تُظهر العداء للهجرة وسياسات التعدّدية الثقافية. في ألمانيا، أقرّت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زعيمة الحزب المحافظ «الاتحاد المسيحي الديمقراطي» في سبتمبر 2010م، بأنّ بلادها في تحوّل تدريجي وبأنّ المساجد ستصبح عنصرا مألوفا في ألمانيا قائلة: «ثمّة أمر أكيد هو أن بلادنا ستواصل التحوّل، والاندماج واجب على مجتمع يستضيف المهاجرين»، وطالبت الألمان بالرضى عمّا يمكن تسميته «تعدّدا ثقافيا» في البلاد المضيفة «خدعنا أنفسنا بالأوهام حول هذا الموضوع طوال سنوات.. لكنّ المساجد ستصبح بين أمور أخرى عنصرا أشدّ حضورا من الماضي في المشهد الألماني». كما أوضحت أيضا أن على المهاجرين أن يبذلوا جهودا كافية للاندماج وأن يتوقّعوا التعامل معهم بحزم، غير أنّها خرجت في أوكتوبر 2010م مصرّحة بأنّ التعدّد الثقافي في ألمانيا قد فشل تماما، بينما صرّح رئيس فرع حزبها في بافاريا أنّ اتّحادهم ملزم فقط بالثقافة ذات المرجعية الألمانية، ويرفض تعدّد الثقافات.

ظهر مفهوم «الجَمْعانِية» communitarianism حسب بعض المصادر الغربية في ثمانينيات القرن العشرين، وبالضبط في الولايات المتّحدة، ويعني «أن الفرد لا يمكنه أن يتواجد مستقلاّ عن انتماءاته، سواء الثقافية أو العرقية أو الدينية أو الاجتماعية»، وقد اُنتقدت الجمعانية في فرنسا من معارضيها دائما على اعتبارها تعمل على تقسيم المجتمع الفرنسي بجعله مللا وطوائف، وحمّل اليمين الفرنسي الأقلّيات فشلها في الاندماج في المجتمع الفرنسي، بل ورغبتها في تقسيمه، يقول السياسي آلات توران: «نمو الجمعانية يمثّل خطورة كبرى على النموذج الجمهوري الفرنسي.. فرنسا لا يمكن أن تسير على خطى الجمعانية والتعدّد الثقافي». وقد شمل تهجّم المعادون للجمعانية الأقلّيات المسلمة والإفريقية، وأيضا الأقلّيات الفرنسية الأصيلة، فهناك ما يُسمّى بالخوف من البريتونية brittophobie حيث تطوّر هذا الخوف إلى درجة العنصرية ضدّ البريتون أنفسهم، ووصل إلى السخرية الماجنة في الصحافة الفرنسية من استحداث شهادة في اللغة البريتونية، والتشهير ببعض المدارس التي تدرّس باللغتين الفرنسية والبريتونية، ومعارضة كتابة الرفائف باللغتين الفرنسية والبريتونية في بريتونيا، وهذا الأمر متواجد في كلّ الدول الأوروبية التي تتواجد فيها هوّيات ثقافية، وإن لم يكن بالدرجة نفسها، مثل: سكّان مقاطعة كيبك في كندا، والأسكتلنديين والويلزيين في المملكة المتّحدة، والكاتالونيين والباسكيين في إسبانيا، والفلمنكيين في بلجيكا.

تعليق

يتضمن فهم التعددية الثقافية فهم ماهية الثقافة أوّلا. هناك العديد من التعريفات للثقافة. وفقا لعالم الإناسة كلايد كلوكوهن: «الثقافة هي طريقة التفكير والشعور والتفاعل لمجموعة بشرية، يتم اكتسابها ونقلها قبل كل شيء عن طريق الرموز، والتي تمثّل هوّيتها الخاصّة». بدأ التعدّد الثقافي كفلسفة في إطار حركية المذهب النفعي في نهاية القرن التاسع عشر في أوروبا والولايات المتّحدة، ثمّ كتعدّدية سياسية وثقافية في النصف الثاني من القرن العشرين. وقد طوّر الفلاسفة والنفسيائيون والمؤرّخون وعلماء الاجتماع الأوائل أمثال: شارل ساندرس بيرس، وليام جيمس، جورج سانتايانا، هوراس كيلن، جون ديوي، و. إ. ب. دو بوا، ألان لوك، مفاهيم التعدّدية الثقافية ومنها ظهر ما يعرف اليوم بالتعدّد الثقافي. وقد شاع مصطلح التعدّدية الثقافية multiculturalism كمصطلح يتميّز عن متعدّد الثقافات multicultural، أولا في كندا والنُّعام (أستراليا) كاسم لبند رئيس في السياسة الحكومية للمساعدة في إدارة التعدّدية العرقية داخل السياسة القومية.

بيّنت منظّمة اليونسكو أنّ نسبة اللاجئين الذين يتوجهون إلى أوروبا من كل مكان حول العالم، لا تتجاوز 6% مقارنة بمن يتوجّهون إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث بلغت نسبتهم 39%، والذين يتوجهون إلى مناطق أخرى في أفريقيا فقد وصلت نسبتهم إلى 29%. أما فيما يتعلق باللاجئين السوريّين فإن معظمهم متواجد في الدول المجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن والعراق. وقد وصل بالفعل إلى أوروبا زُهاء بَلْف لاجئ عبر البحر عام 2015م لكنّ هذا العدد لا يمثل سوى 0,3% من مجموع سكان القارة، وقد أفادت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن 75% من اللاجئين السوريّين هم من النساء والأطفال. ومعظم اللاجئين الذين يصلون إلى أوروبا على وجه الخصوص هم من النساء والأطفال.

مصطلح قريب

لغة كلزية

multiculturalism
cultural pluralism
لغة فرنسية

multiculturalisme
مراجع

  • لماذا يهاجر الشباب العربي؟ بحوث في إشكاليات الهجرة والمستقبل. تأليف:  مجموعة مؤلفين. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019م. قطر.
  • العولمة، المفاهيم الأساسية. تحرير: أنابيل موني، وبيتسي إيفانز، ترجمة: آسيا دسوقي. الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، 2009م. بيروت، لبنان.
  • مفاتيح اصطلاحية جديدة، معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع. طوني بينيت، لورانس غروسبيرغ، ميغان موريس، ترجمة: سعيد الغانمي. المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، 2010م. بيروت، لبنان.
  • أوروبا والهجرة، الإسلام في أوروبا. إدريس بوسكين. دار الحامد للنشر والتوزيع، 2013م. عمّان الأردن.
  • unesco.org/new/ar/media-services/single-view/news/correcting_media_myths_about_refugees_and_migrants/