مصطلح أطلق حديثا على أي أسلوب حياة وسلوك غير منسجم مع المعايير الثقافية السائدة في المجتمع، فهي تشير إلى جملة من الممارسات الثقافية المختلفة التي تتبنّاها مجموعة اجتماعية بشكل متعارض مع الثقافة العامّة، وتسعى تلك المجموعة إلى نشر قيمها الجديدة ومعاييرها. يُعزى ظهور هذه الثقافة الضَّدِيدة إلى فشل الثقافة الكلّية في توجيه سلوك أفراد المجتمع، وفي تنظيم التفاعل الذي يستهدف إشباع الحاجات الثقافية الأساسية للفرد، فهي رِجاع (ردّ فعل) طبيعي لشريحة اجتماعية معينة كالمهمّشين ضد الثقافة السائدة خلال حقبة زمنية محدّدة جيّدا. ويمكن القول إنّ الثقافة المضادّة تشمل القيم، والمعتقدات، والاتجاهات، لدى أي جماعة سكّانية تعارض الثقافة السائدة عن وعي وبأسلوب واضح نسبيا، مثل الديانة المسيحية في أوّل أمرها، فهي تمثّل ثقافة مضادّة بمعارضتها للثقافتين السائدتين حينذاك، اليهودية والرومانية، ومثل جماعة «الكويكرز» في الفترة المبكّرة من الرأسمالية البريطانية، وجماعة «الميثوديين»، تمثّلان ثقافة مضادّة في معارضتهما للقيم الكنسية الكلزية السائدة.
ينصرف معناها عند علماء الاجتماع الأمريكيين لوصف جيل من الشباب، ظهر في الستينيات من القرن العشرين، قام برفض السلطة، ومادية الثقافة الغربية الأم لصالح تشكيلة من المواقع البديلة التي أُسّست على التعبير عن الذات والتحرّر الجنسي والتفاعل المباشر والروحنة والمنهج السلمي والوعي البيئي. وقد مثّلت هذه الثقافة تهديدا حقيقيا لأمريكا التقليدية وبديلا عن الثقافة الغربية، بتجاوز القواعد والمعايير، وكراهيتها لكلّ ما هو سائد. على الرغم من أنّ «الهيبيين»، وهم أفراد ينتمون إلى الطبقة الوسطى البيضاء، قد أسدلوا شعورهم، ودخّنوا المارِخوانا، وتعاطوا المخدّرات، واستمعوا إلى موسيقى الروك المخدّرة، واستمتعوا بممارسة الجنس خارج القيود الرسمية، لكن تحدّيها كان كبيرا للحالة الراهنة، وأثرها لمس كلّ النواحي الثقافية تقريبا، وقد اعتقد العديد من الذين شاركوا في أحداث تلك الحقبة، مثل: الاحتجاجات، والإضراب العام في باريس (1968م)، ومهرجان وودستوك الأوّل (1969م) والمسيرات التي تؤيّد الحقوق المدنية وتشجب الحرب على الفيتنام، أنّها مثّلت ميلادا جديدا لبدائل ثقافية أخرى غير تلك التي كانت معروفة من قبل.
إضافة إلى رفضها للإيمان التقليدي، ثارت الثقافة المضادّة ضدّ التفسيرات العقلانية للتجربة الغربية، حيث قام أستاذ النفسياء بجامعة كولومبيا ومنظّر الثقافة المضادّة «آبراهام ماسلو»، بتأسيس فكرته حول الإدراك الذاتي على التسلسل الهرمي للاحتجاجات، والتي تقلّل من شأن العقل مقابل العاطفة. سعى ماسو في كتابه «الأديان» إلى تفجير الحدود بين العقل والنفس، الطبيعي والمتعالي، قال، إنّ الناس مُنَهجلون حِياويا لامتلاك تجارب الذروة أو انعتاق الهلوسة العاطفية، وهي أحداث تحصل في معظم الأحيان خلال العبادة الدينية. امتدّ تأثير الثقافة المضادّة إلى ظهور أديان العصر الجديد، ففي الستينيات من القرن العشرين، قام العديد من الأمريكيين بخلط انتقائي لتقاليد دينية شرقية مستمدّة من البوذية والكونفوشيوسية مع معتقدات التانئة الأمريكيين، والوثنيين، والممارسات الصوفية، وقد أزعجت هذه التطوّرات أبلاف الأمريكيين المؤمنين بالمسيحية، ثمّ إنّ إصرار أبناء أمريكا وبناتها المهذّبين على هذا التغيّر الثقافي وخروجهم عن النظام أحدث صدمة كبيرة على أمريكا المعيارية. على الرغم من أنّ الثقافة المضادّة لم تستطع أن تقتلع الأشكال الأمريكية التقليدية تماما أو تستبدلها، إلاّ أنّها أعطت حافزا قوّيا لحركات سبقتها في الظهور مثل: حركة البَزاوة (زواج المثليين) والحركة النسائية المطالبة بالمساواة بين المرأة والرجل، والحركة البيئية، التي استمرّت في التأثير على المجتمعات المعاصرة، والتي شكّلت تهديدا قويا للحرس الأمريكي القديم أكثر ممّا كانت عليه الثقافة المضادّة، كما أنّها توقّعت بعضا من اتّجاهات الرأسمالية المعاصرة الهدّامة ذات التأثير الأكثر ضررا.