معجم المصطلحات الكبير
اِقْتِراض لُغوي
الاصطلاح

نقل كلمة أجنبية من لغتها الأصلية إلى لغة أخرى وفق الضوابط الإملائية أو الصرفية أو الصوتية حتى تستقيم مع النطق السليم في اللغة المنقول إليها، أو أخذ المعنى اللغوي فحسب ثمّ ترجمته، أو دمج كلمة محلّية بأخرى أجنبية. يؤدّي الكشف والاختراع وتبنّي الأشياء والأفكار الجديدة إلى وضع أسماء لها، وتعتمد كلّ لغة من اللغات على أساليب وطرق مختلفة للاستجابة لهذا الطلب المعجمي الملحّ، كالاشتقاق المبني على ألفاظ اللغة الأساسية ووفق نظمها الصرفية أو عن طريق الاقتراض الذي يكون بأخذ الكلمة من اللغة المانحة مباشرة مع بعض التحوير أو التعديل الصرفي والإملائي والصوتي حتى تستقيم مع طبيعة اللغة المقترِضة، والاقتراض كلمة لا يظهر أنّها دقيقة في المعنى دقّة مُرْضِية، فالمفترض في الاقتراض أن يُقابله الردّ، وأفضل منه مصطلح الاحتياز، يُقال احتاز الشيء ضمّه إليه، واستعملت العربية قديما لهذا المفهوم كلمة التعريب، إلاّ أنّ معناه أضيق من معنى الاقتراض وهو يدلّ اليوم على جعل الكلمة المُقترضة على صيغة من صيغ العربية وعلى أصواتها، والتعريب يُقابله الإدخال أي ترك الكلمة الأعجمية المقترضة على حالها كما ينطقها أهلها من دون تعريبها مع تغيير حروفها التي تخلو منها العربية إلى أخرى عربية قريبة منها في النطق مثل تيليفون ولوجستيك، كما يُمكن أن يكون الاقتراض عن طريق الخَلْس وهو دمج كلمة محلّية مع أخرى دخيلة، مثل حديدوز وكبريتيد في اللغة الكيميائية العربية، وقد يكون أيضا بالترجمة ويُسمّى القَبْس، وهو في حقيقته اقتراض مرتبط بعلّة التسمية في اللغة المانحة، حيث تعطي هذه اللغة صلة تربط بين المعنى اللغوي للكلمة ومعناها الاصطلاحي، وتُعتبر كلمة computer في اللغة الكلزية اليوم الكلمة التي دخلت كلّ اللغات عن طريق القبس بما في ذلك العربية، حيث سُمّي «حاسوبا» لأنّه في المقام الأوّل آلة حساب لأغراض علمية، ولعلّ الفرنسية هي اللغة الوحيدة التي يفتخر أصحابها بعدم أخذهم بهذه العلّة في تسمية هذا الجهاز فهم يسمّونه ordinateur بمعنى نظّامة. أنماط الاقتراض اللغوي الأكثر أهمّية هي:

التدخيل : ويكون بأخذ الكلمة من اللغة المانحة مع بعض التعديلات الضرورية لتتوافق مع الأنظمة الصوتية والإملائية، مثل الكلمة الكلزية «leitmotif» أي اللحن الرئيس من الألمانية «leitmotiv» أو «moxa» من اليابانية «moe kusa» ومعناها حرق أعشاب زكيّة الرائحة.

القَبْس : ويُسمّى أيضا الاقتراض بالترجمة أو الاقتراض الدلالي مثل الكلمة العربية ناطحة السحاب فهي في الألمانية wolkenkratzer والفرنسية gratteciel والإسبانية rascacielos واليابانية mantenrô التي نُمّطت على الكلمة الكلزية skyscraper. وكذلك كلمة canard التي تعني «شائعة كاذبة» معناها اللغوي في الفرنسية البطّة نُمّطت عليها كلمة ente في الألمانية وأخذتها الكلزية كما هي.

الخَلْس : ويُعرف أيضا بالتهجين وهو ضمّ عنصر محلّي إلى آخر أجنبي، مثل الكلمة الكلزية mis-fortune بمعنى سوء الحظ من كلزي ولاتيني، على حدّ تأثيل الغربيين، وحديدوز في اللغة الكيميائية العربية، وكلمة مورفودلالي morphosémantique في المجال اللغوي العربي.

الاقتراض ظاهرة عامّة في اللغات كلّها، ولا تكاد تخلو لغة من بعض الألفاظ المُدخّلة، وكلّ جماعة لغوية تقترض ألفاظا معيّنة تستعملها في لغتها الأصلية، والميل العام في الاقتراض أن يكون في الأسماء دون الأفعال، ويتمّ بعد ذلك اشتقاق الأفعال والصفات من الأسماء المُدخّلة، مثل هندس ويهندس من الهندسة، والأسباب التي تدعو إلى الاقتراض عموما هي أسباب اجتماعية نفسية، وأخرى اجتماعية اقتصادية، فالأسباب الأولى تكون متعلّقة بالمكانة والأسلوب، حيث تأتي الكلمات المقترضة في سياق حديث الأفراد عوض الكلمات الأصلية. أمّا الدافع الاجتماعي الاقتصادي فيأتي نتيجة الحاجة إلى الكفاية الدلالية للغة وجعلها أكثر نفعا، ويمكن تحقيق الكفاية الدلالية من دون اللجوء إلى الاقتراض وذلك عن طريق الاشتقاق المبني على أصول اللغة ذاتها. يحدث الاقتراض عموما نتيجة الاحتكاك بين اللغة المانحة واللغة المقترِضة، ووجود أفراد ثنائي اللغة، وينشأ الاحتكاك نتيجة علاقات الجوار كالاستعمار والهجرة وهذا النوع يُسمّى بالاقتراض المباشر، أمّا الاقتراض الوثقي فيرتبط بالوسائل المكتوبة وحدها من دون وجود اتّصال حقيق مبني على الحضور الفعلي للأشخاص، مثل أغلب المصطلحات العلمية التي أخذها الغرب زمن نهضتهم من المصادر العلمية العربية التي كانت بحوزتهم. وفي أوضاع معيّنة تكون اللغة مانحة ومقترِضة في الوقت نفسه ولكن على شكل أن يغلب على لغة المنح وعلى الأخرى الاقتراض، وربّما ينشأ توازن بينهما من حيث عدد المفردات الممنوحة والمقترضة، ومع هذا فإنّ تأثيرهما المتبادل لا يكون متوازنا في فترة معيّنة.

القاعدة العامّة تنصّ على أنّ تكون اللغة المانحة عادة مشتمِلة على مفاهيم لغوية ذات مستوى عال من التطوّر، إلاّ أنّ هذه القاعدة قد تشذّ في بعض الأحيان كاللغة الفرنسية في الجزائر وكندا، يقول الفيلسوف الكلزي روبيرت شنيبر في كتابه تاريخ الحضارات: «وهكذا فاللغة الفرنسية التي حظيت بمركزها في جزيرتي هايتي وموريس قد أحرزت تطوّرا في كندا وإفريقيا الشمالية». وتأثير اللغة الفرنسية على المجتمع الجزائري كان معدوما في وقت الاستعمار، لأنّ المجتمع الجزائري كان بدويا في تلك المرحلة، وإنّما تأثّر الجزائريون بالفرنسية بعد الاستقلال، إذ تحوّلوا نتيجة النهوض والمطالب الملحّة المصاقبة له إلى الاقتراض من اللغة الفرنسية، ودفع التعليم الجامعي الذي كان ومازال باللغة الفرنسية هذا التأثير إلى مداه الأبعد، وازداد الأمر سوءا حين جعلت النخبة الحاكمة في الجزائر معرفة اللغة الفرنسية شرْطا ضروريا وعُرْفا غير مكتوب لبلوغ المناصب العليا في الدولة كالوزارات ونحوها.

قد تُصبح اللغةُ المانحة لغة مقترِضة من لغة أخرى كانت تأخذ منها، مثل اللغة الصينية التي كانت لفترة طويلة اللغة المانحة لليابانية، ومنذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادي اقترضت اللغة الصينية على نحو متزايد كلمات من اليابانية، بينما كفّت اللغة اليابانية عن الاقتراض من الصينية لإغناء معجمها، كما قد تنتقل كلمات من لغة إلى أخرى عن طريق لغة ثالثة أو لغات وسيطة بين اللغتين وهذا ما يُعرف بالاقتراض غير المباشر، مثل كلمة batia في اللغة الإسبانية، فقد أُخذت في أصلها من العربية وهي «بطيحة» ثمّ انتقلت هذه الكلمة إلى الفرنسية لتصبح batée والكلزية batea والمراد بها المِصْول وهو الصحن الخشبي أو الفلزّي الذي تُصوّل به الرُسابات الرَّغامية لاستخلاص شذور الذهب، وكذلك كلمة «أنفلونزا» التي أُخذت من التعبير العربي «أنف الوزّة» ثمّ حُوّرت لتوائم النظم اللغوية والصوتية في اللغات الغربية لتدخل بعد ذلك الكثير من اللغات بما فيها اليابانية عن طريق الهولندية، ومن الكلمات الفرنسية التي دخلت اللغة العربية عن طريق التركية كلمة قنبلة، فقد كانت أوّل مرّة قُنبُرة، حُوِّرت من كانوبور التركية، والتي هي bourre de canon بمعنى حشوة المدفع، ومثلها قُرْصان المأخوذة من الفرنسية عن طريق التركية، وأصلها corsaire بمعنى السَّلْهب، وهو السَّفِين المرتزِق الذي يتعاون مع دولة في حالة حرب، للاستيلاء على سفن أعدائها ونهبها أو إغراقها، ومن دون أن يتعرّض للملاحقة القانونية. وقد يحدث في بعض الأحيان أن تنتقل كلمات من جماعة لغوية إلى أخرى ثمّ تُردّ هذه الكلمات عن طريق الاقتراض أيضا إلى الجماعة اللغوية التي أنتجتها، وهذا يُشبه إلى حدّ بعيد تصدير مواد الخام من بلد لتُعاد إليه مرّة أخرى على شكل موادّ مصنّعة، مثل كلمة «باكالوريا» التي تستعملها العربية اليوم فقد دخلت من اللغة الفرنسية والتي هي في واقع الأمر تحريف للجملة العربية «حقّ الأهلية» بمعنى حقّ الجدارة. كلمة «إيديولوجيا» ideology دخلت كلّ اللغات، وهي في الأصل فرنسية لكنّها لم تحتفظ بمعناها الأصلي، فقد احتازها الألمان وغيّروا معناها، ثمّ رجعت إلى اللغة الفرنسية، فأصبحت دخيلة حتّى في لغتها الأصلية.

هناك نوع من الاقتراض يُعرف بالاقتراض الحتمي المتعلّق ببعض الأشياء المدنية الخاصّة بكلّ مجتمع، كالوظائف الاجتماعية والعملات ومختلف المكاييل والمقاييس والموازين، مثل: الين واليورو والياردة واللورد والمطران.. الخ، أو تلك التي تحدّدت معانيها من خلال التجارب التاريخية للمجتمعات بخلفياتها التطوّرية الخاصّة بها «فلكلّ بنية اجتماعية مصطلحاتها وتعريفاتها المحدّدة لأشكال بنائها وتطوّرها، وأنّ جدلية تطورها الخاصّة بها تاريخيا هي التي تُحدِّد بالضبط خصيصة كلّ تعريف» (محمد أبو القاسم، 1425) فكلمة الزكاة في اللغة العربية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالشريعة الإسلامية، ولا يُمكن بأي حال ترجمتها أو إيجاد مرادف لها في اللغات الأجنبية، كما أنّ الزكاة نفسها لا تتحقّق إلاّ في مجتمع مسلم يقوم على ركائز الدين الإسلامي، ومن هنا نفهم سرّ تخبّط المستعربين في إيجاد مقابل للزكاة في لغاتهم الأصلية، حيث ترجموها تارة بالضريبة وتارة أخرى بالصدقة والإحسان، والشيء نفسه ينطبق على كلمة «الديمقراطية» التي ننظر إليها اليوم بعيون حالمة، فقد وُلدت هذه الكلمة في المجتمع الأوروبي وهي متلبّسة بواقعه المبني أساسا على فلسفة الصراع وممنهِجة له تاريخيا واقتصاديا، فالديمقراطية صيغة أوروبية جاءت لتضبط الصراع في المجال السياسي الذي بُني على سلطة ومعارضة مع الإبقاء على مقوّمات هذا الصراع والحفاظ عليه في حدود ما قبل الانفجار، فهي قناة لتسريب الضغط الناتج عنه، وليس لها أدنى علاقة بما نلصقه بها من معان كالشورى وحرّية التعبير أو العدل والمساواة.

لا تكاد تخلو لغة من اللغات من الألفاظ المقترضة، وقد ضمّت العربية ألفاظا قليلة في العصر الجاهلي، وذلك لانعزال العرب في جزيرتهم بعيدين عن تأثير الأمم الأخرى، إلاّ ما كان من بعض المبادلات التجارية عن طريق القوافل العربية نفسها، وتتّصل هذه الألفاظ ببعض ما كانوا يستجلبونه من الأشياء التي لم تكن عندهم وممّا لا عهد لهم به مثل : درهم ودينار وإقليد وصابون وموسيقى، وقد ازداد عدد الألفاظ الدخيلة بعد الإسلام، حيث التقى العرب بغيرهم مدّة أطول وبشكل أكثر تداخلا، ويُمكن تصنيف الألفاظ المُدخّلة التي اقترضتها العربية إلى ألفاظ دخيلة وأخرى معرّبة، فالمعرّبة هي الكلمات الأجنبية التي تمّ إخضاعها لضوابط اللغة العربية وصيغها حيث أصبحت جزءا من البناء اللغوي للعربية، وأصبحت معرفة أعجميتها عسيرة، وقد كان ذلك بتغيير اللفظ المُقترض بإنقاص بعض الحروف أو زيادة بعضها أو بإبدال الحرف الأعجمي بحرف عربي أو قريب منه في النطق مع تغيير الصيغة حتّى تتوافق مع أوزان العربية ليُناسب أبنيتها ويستقيم مع النطق العربي السليم، أمّا الألفاظ الدخيلة فهي تلك التي بقيت غير خاضعة للمقاييس العربية ولم تُصغ على أوزانها المعروفة عند العرب مع استبدال الحرف العربي بالأعجمي، مثل: تلفزيون، بورصة، تكنولوجيا، استراتيجية.

تُقّر المجامع اللغوية اللجوء إلى الاقتراض أو التدخيل في حال ما إذا لم يكن مقابل عربي لتأدية معنى المصطلح، فقد كان المصطلح المعرّب أو الدخيل بمثابة الوسيلة المكمّلة لإثراء اللغة، لكنّها تأتي بعد الوسائل الأخرى من اشتقاق ومجاز وإحياء القديم إلى غير ذلك، ويبدو أنّ الاقتراض ليس مرهونا بعجز اللغة في التوليد، لأنّ له صفة مغايرة للاشتقاق، يقول ساطع الحصري: «لا يُذهب إلى الاشتقاق في وضع كلمة حديثة إلاّ إذا لم يُعثر في اللغة على ما يؤدّي معناها، بخلاف التعريب فإنّه يجوز تعريب كلمة أعجمية مع وجود اسم لها في العربية، كما الشأن في كثير من المعرّبات الموجودة في اللغة» وممّا اقترضه العرب ولهم في لغتهم ما يُقابله، الخوذة وعربيتها البيضة، والباذنجان وعربيتها المغْد والحدق والحيصل والأنب، واللوبياء وعربيتها الدجْر، والأترج والكبّاد وعربيتهما المُتْك، والكزبرة وعربيتها التِّقْدة، والنرجس وعربيتها العبْهر، والناي وعربيتها الزمخر والقصبة والمزمار، ويرى بعضهم أن تعريب هذه الألفاظ جاء لثقلها في العربية لذلك نبذها العرب وأهملوها وعربّوا بدلها كلمات ذات جرس موسيقي تستسيغه الأسماع، وقد يصدق ذلك على بعض الكلمات.

ترى المجامع اللغوية في العالم العربي أنّ الاقتراض ضروري وظاهرة من ظواهر التقاء اللغات، لذلك أصبح لازمة من لوازم العصر، منها المجمع السوري الذي ينصّ على مراعاة الملاحظات التالية في شأن الاقتراض.

- ترجمة الألفاظ بمعانيها هو المجال الأوسع؛

- من الطبيعي أن توضع الألفاظ العلمية الأعجمية بين قوسين إلى جانب الألفاظ العربية؛

- بعض الأماكن يكفي أن تُدخّل فقط، لأنّها سُمّيت باسم مكتشفيها؛

- التدخيل في الأسماء أصلح من الترجمة.

مترادف

اِحْتِياز لُغوي

مصطلح قريب

لغة كلزية

lexical Borrowing
لغة فرنسية

emprunt
emprunt lexical
مراجع

  • معجم مصطلحات علم اللغة الحديث. عربي أنكليزي وأنكليزي عربي. وضع نخبة من اللغويين العرب. الطبعة الأولى 1983م. مكتبة لبنان، لبنان.
  • اللغة والاقتصاد، تأليف فلوريان كولماس، ترجمة الربيز: أحمد عوض، مراجعة : عبد السلام رضوان. عالم المعرفة 263. سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. الكويت. شعبان 1421/ تشرين الثاني 2000م. دولة الكويت.
  • المصطلحات العلمية والفنّية، وكيف واجهها العرب المحدثون. الربيز: ضاحي عبد الباقي، الطبعة الأولى 1413. مكتبة الزهراء، القاهرة، مصر.
  • جدلية الغيب والإنسان والطبيعة. العالمية الإسلامية الثانية، محمّد أبو القاسم حاج حمد. الطبعة الأولى، 1425. دار الهادي، بيروت، لبنان.