معجم المصطلحات الكبير
فساد
الفساد

سلوك ضارّ يقوم به موظّف أو مجموعة من الموظفين معا في القطاعين العام أو الخاصّ مستغلاّ سلطته الإدارية من أجل تحقيق مصلحة شخصية على حساب المصلحة العامّة، من خلال الرِّشْوة أو التزوير أو الاعتصار (الابتزاز)، أو التحايل أو الاختلاس أو تبادل المنافع مع أطراف أخرى، أو المحاباة في تعيين الأقارب والأصدقاء في الوظائف العامّة، أو صرف المكافآت والعلاوات على غير مستحقّيها، أو إعفاء بعضهم من الضرائب والرسوم المستحقّة وإرساء الصفقات عليهم مقابل عوض مالي شخصي أو خدمّة تُقدّم له، أو تبذير المال العام.

الفساد آفة اجتماعية عامّة، لا تنحصر في ثقافة دون أخرى أو بلد دون آخر، بل هو ظاهرة موجودة في الدول المتخلّفة والدول المتقدّمة على حدّ سواء، وفي جميع القطاعات العامّة والخاصّة، ويصيب مختلف مؤسّسات المجتمع الاقتصادية والسياسية والإدارية، من أجل ذلك تكون آثاره مدمّرة لمختلف جوانب الحياة، ويؤدّي إلى إضعاف قيم المجتمع الأساسية ويعيق التنمية الاقتصادية، كما أنّ له أهمّية كبيرة في تغيير التاريخ، حيث يقوّض الشرعية السياسية والسلم المدني، ذلك أنّ الصراعات الاجتماعية والسياسية، إنّما يكون المُسوِّغ لقيامها الفساد، حيث يكون هو سبب الدعوة للتغيير، ومحاربته هو العُلْوان الأوّل في مسيرة الإصلاح. وإذا كانت العوامل الاقتصادية والاجتماعية هي التي تؤدّي إلى ظهور الفساد، فلعلّ ضعف الجانب الأخلاقي هو الأوّل في انتشاره واستفحال أمره، لأنّ الأخلاق تمثل رادعا ووازعا قويا لمحاربته ونشر قيم النزاهة والصدق، وهي القيم التي يدعّمها التوجيه الديني والتوعية بمنظومة تعليم جيّدة.

ترى الجمعية العامّة للأمم المتحدّة أنّ الفساد أصبح ظاهرة دُوَلية ولم يعد شأنا داخليا أو إقليميا ممّا يستوجب إيجاد قرار دولي شامل متعدّد الجوانب لمنع هذه الظاهرة ومكافحتها، وتُعتبر اتفاقية الأمم المتحدّة لمكافحة الفساد [31 أكتوبر 2003م] أهمّ وثيقة دولية في الوقت الحاضر في هذا المجال، وتتمثّل في رسالة واضحة على تصميم المجتمع الدولي على محاربة هذه الظاهرة، ويؤمّل من هذه الاتفاقية أن تحقّق مقاصدها المتمثّلة في ترويج التدابير الأمنية وتدعيمها، ومنع الفساد ومكافحته، وتيسير التعاون الدولي والمساعدة الصِنْعِيَة، وتعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشؤون العامّة والممتلكات، هذا على ما جاء في نصوص هذه الاتّفاقية. إنّ ما يجعل هذه الاتفاقية تحظى بهذا الاهتمام، أنّها أصبحت عالمية النطاق، حيث اشترك في أعمالها التمهيدية وفي المفاوضات التي سبقت إقرارها أكثر من مئة وعشرين دولة، بالإضافة إلى العديد من ممثّلي المنظمات الدولية والحكومية والمحلّية، فضلا على احتوائها على مجموعة من المعايير والتدابير والقواعد القانونية، المتاح تطبيقها من لدن الدول والأطراف كافّة، وهي مدعوّة وَفْقا لأحكامها إلى اتّخاذ تدابير وقائية وتجريم أفعال الفساد في القطاعين العام والخاصّ، والعمل على التعاون فيما بينها لإعادة الأموال المتحصّل عليها جرّاء أعمال الفساد إلى البلد الذي سُرقت منه. كما أنّ هناك اتّفاقيات دولية قد أُبرمت لمكافحة الفساد، منها اتفاقية الأمريكيتين لعام 1996م، واتفاقية المجلس الأوروبي للقانون الجنائي بشأن الفساد لعام 1997م، والتي لا تقتصر على مجرّد حثّ الحكومات على تجريم مختلف أشكال الفساد فحسب، بل تبرز أيضا الحاجة إلى وجود قُوى محايِدة في مجال التحقيقات والمتابعات القانونية والقضائية لكشف الفساد بوجه عام.

هناك تعريفات مختلفة للفساد بين العلماء والباحثين، ويرجع ذلك إلى تعدّد جوانب الفساد واتجاهاته المختلفة، وكذلك اختلاف القيم والثقافات بين المجتمعات الإنسانية، والزوايا التي ينظر المُهتمّ به من خلالها ما بين رؤية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو إدارية، وهذا الذي يبرّر الاختلافات في تحديد مفهوم دقيق للفساد، يقول «سام فَكْنِنْ 2003م» في هذا الشأن: «إنّه من الصعب بلوغ تعريف عام للفساد، فالسلوك الذي يُعدّ رِشْوة في ثقافة مثل ثقافة السويد، يُعدّ مجرّد تعبير عن الامتنان أو الكرم في ثقافات أخرى مثل: الثقافة الفرنسية أو الإيطالية، ومن جهة أخرى، فإنّ الإعلان أو الإفصاح عن جرائم الفساد وامتثالها أمام العدالة تختلف نسبتها من مكان إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر». من بين التعريفات التي نجدها للفساد هو ذلك التعريف الذي جاء في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003م، وهو: «الرِّشْوة بجميع وجوهها والاختلاس في القطاعين العام والخاص، والمتاجرة بالنقود وإساءة استغلال الوظيفة، والإثراء غير المشروع، وغسل العائدات الإجرامية، وإخفاء الممتلكات المتأتّية من جرائم الفساد، وإعاقة سير العدالة، إضافة إلى أفعال المشاركة، والشروع في كلّ ما سبق من أنماط الفساد». منها تعريف السيّد شتار بأنّه: «استخدام السلطة العامّة من أجل كسب أو ربح شخصي، أو من أجل تحقيق هيبة أو مكانة اجتماعية أو من أجل تحقيق منفعة لجماعة، أو طبقة ما بالطريقة التي يترتّب عليها خرق القانون، أو مخالفة التشريع ومعايير السلوك الأخلاقي. وبذلك يتضمّن الفساد انتهاكا للواجب العام وانحرافا عن المعايير الأخلاقية في التعامل». أمّا الاتجاه الغالب في تعريف الفساد والأكثر رواجا من الناحية العملية ولا سيما للعاملين في حقول التنمية، هو الذي يُنظر إليه على أنّه: «إساءة استعمال السلطة من لدن شخص في وظيفة عامّة، بهدف تحقيق نفع شخصي، أو فئوي وما إليهما». وهذا التعريف صالح في الحالة العامّة لمفهوم الفساد حيث لا يتطلّب الأمر التحديد بين أنماطه المختلفة أي بين الفساد الإداري والسياسي والاقتصادي، لأنّ هذه الأنماط في حقيقة الأمر مترابطة عمليا مع بعضها بعضا. ومثل هذا التعريف ما قدّمه رحيم حسن العُكيلي بإيجاز بأنّه: «انحراف بالسلطة الممنوحة عمّا قُصِد من إعطائها لتحقيق مكاسب غير مشروعة».

في ظلّ هذه الاختلافات اقترح فريق من العلماء على رأسهم «سَنْتوري» 1990م تعريف الفساد على أساس الرأي العام، لأنّ الرأي العام في المجتمع هو الذي يحدّد ما يُعتبر سلوكا فاسدا من إجمالي أنماط السلوك الشائع في المجتمع. وفي هذا الشأن يقول الربيز: عبد الله أحمد المصراتي: «على الرغم من أنّ الاعتماد في تعريف الفساد على الرأي العام يُسهم كثيرا في تجنّب الانحياز الغربي أو إلزام المجتمعات بثقافة وأفكار غربية، فإنّ هذا الاتجاه سيزيد من النسبية الاجتماعية لمفهوم الفساد، كما أنّه قد يزيد من مخاطر تدخّل الجماعات السياسية الضاغطة والدعائية لتشويش الرأي العام، وجعل ما هو فساد سلوكا اجتماعيا مقبولا، أو العكس، ناهيك عن أنّ الفساد قد يكون ثقافة تنتشر في ظلّ الغبن الذي قد يشعر به أفراد مجتمع معيّن، أو في حالات التشتّت والاضطرابات التي تصحب النكبات والحروب. بمعنى آخر قد يكون الفساد الحلّ الأمثل أمام أفراد مجتمع ما، لا سيّما إنْ غاب القانون، وضعف الضبْط الاجتماعي». تجدر الإشارة في هذا المقام إلى وجود فريق من المتساهلين يرون: «أنّ الفساد سلوك إداري غير رسمي بديل عن السلوك الإداري الرسمي، تحتّمه ظروف واقعية ويقتضيه التحوّل الاقتصادي والاجتماعي الذي يتعرّض له المجتمع». بمعنى أنّ هناك وظيفة صالحة يؤدّيها الفساد تتمثّل في الاستقرار الاجتماعي في ظلّ الجمود السياسي «والبيروقراطي» والتخلّف الاقتصادي، وغير ذلك من المشاكل التي تواجهها البلدان النامية، والواقع أنّ هؤلاء المتساهلين لا يدركون حقيقة مخاطر الفساد وضرره على المجتمع، فعلاج تلك المفاسد بالفساد سيزيد من حدّتها في ظلّ العوز والأمّية وانعدام الأمن والصحّة، بل هو أكثر سلبية منها، وقد يكون هو السبب فيها لأنّه يعطّل مشاريع التنمية وتتردّى به الخدمات، وينتكس الاقتصاد ويزيد التخلّف الاجتماعي.

هناك خصائص عديدة للفساد أهمّها: (1) تعدّد الأطراف. قد يكون الفساد عملا فرديا، كالاحتيال والنصب والاختلاس، إلاّ أنّه يمارس أيضا من أطراف عدّة، إذ يشترك فيه عادة أكثر من شخص حيث يعتمد من الناحية الفعلية على أطراف رئيسة تتمثّل في الموظّف العام الذي يستغلّ سلطته الوظيفية، والطرف الثاني ممّن يتعاملون معه من المفسدين، والطرف الثالث الوكيل أو الوسيط بين الطرفين، كما قد يقوم بالفساد جماعات إجرامية منظّمة بعضها يعمل على مستوى محلّي وبعضها الآخر على مستوى دولي، وهذا ممّا يجعل من محاربته عملا صعبا ومعقّدا. (2) السرّية. فهو عمل خفي يتمّ في جوّ من السرّية والخوف، والكشف عنه عادة ما يؤدّي إلى معرفة جزئية فقط من تشعّباته وحقيقته. (3) المصلحة المشتركة بين المفسدين والالتزام بينهم. حيث يكون كلّ طرف ملزما تجاه الأطراف الأخرى بالقيام بعمل من الأعمال المخالفة للقانون، بحيث يتحقّق لكل واحد منهم مكاسب ومنافع من عملية الفساد. (4) التناقض. وهي سمة عامّة يشترك فيها كلّ المفسدين، حيث يعيشون حياة مزدوجة بين أدوارهم في الحياة العامّة وأدوارهم في الحياة الخاصّة، كما أنّهم يحرصون من أجل تماسك تحالفهم في عمليات الفساد أن يحتكموا إلى نوع من العدل والديمقراطية في توزيع الأدوار والمغانم. (5) ينطوي الفساد على التحايل والخديعة والخيانة. وهي أفعال بعيدة عن الحقيقة والواقع، كاصطناع المستندات والالتفاف على القواعد والضوابط، والغشّ والاعتصار والرشوة. (6) تباين أنماط الفساد وتعدّد مظاهره، بتباين الجهات والمجالات التي يُمارس فيها. (7) الفساد سلوك منحرف. فإجمالي الأعمال التي ينطوي عليه الفساد يشكّل انتهاكا لأنماط المسؤولية والواجب الذي تفرضه القوانين والأنظمة والتعليمات والأخلاق القويمة.

جريمة الفساد جريمة خطيرة على المجتمع والفرد والأخلاق والاقتصاد وعلى العقيدة والدين، وتُعتبر المكاسب المادّية والمعنوية هي التي يسعى المفسدون إلى تحصيلها، من أجل ذلك يأخذ الفساد مظاهر متعدّدة منها: الرشوة، والوساطة، والمحاباة، والاعتصار (الابتزاز)، والتزوير، والغش، ونهب المال العام، والإهمال الوظيفي، والاختلاس. بأسلوب قانوني موجز يقسّم دليل الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد؛ الفساد إلى نوعين: الأوّل، الفساد الكبير grand corruption مثل الفساد المتّصل بالخوصصة ومشتريات الحكومة وسياسات العمل. الثاني، الفساد الصغير أو البسيط أو الثانوي collateral corruption مثل الرشوة والتهريب عبر الحدود الدولية. ما يميّز الفساد الكبير عن الفساد الصغير أو البسيط هو أنّ الأوّل ينصبّ غالبا على الوظائف المحورية في الحكومة، بينما يركّز الأخير على العمليات الإدارية العادية والمعاملات الاجتماعية، وبجانب تقسيم الفساد إلى فساد كبير وفساد صغير، يمكن تقسيم كلّ من هذين النوعين إلى: فساد فعّال active corruption وفساد خامل passive corruption فالفساد الخامل يكون فيه فعل الفساد من جهة الفاسد corrupt مثل المرتشي، أمّا الفساد الفعّال فيكون فيه فعل الفساد أوّل مرّة من جهة المُفسِد corrupter كالراشي، ويرى المستشار الربيز عبد المجيد محمود عبد المجيد (2014م) أنّ الفساد الفعّال هو تقديم الرشوة أو المنفعة أو القيام بتحويل الأموال من قنوات مشروعة إلى قنوات غير مشروعة، بينما الفساد الخامل، هو تلقي الرشوة من لدن المُحال إليه بطريقة غير مشروعة.

أسباب الفساد

هناك أسباب كثيرة ومتعدّدة تؤدّي إلى انتشار ظاهرة الفساد، لأنّ انتشار أي ظاهرة اجتماعية هو انعكاس لما يسود المجتمع من ظروف مختلفة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو إدارية، وقد قسّم المنظّرون وباحثو علم الإدارة والسلوك التنظيمي، أسباب الفساد الإداري والمالي إلى ثلاثة أنماط رئيسة، النمط الأوّل يضمّ: الأسباب الثقافية أو الحضارية والسياسية، والنمط الثاني يضمّ: الأسباب الهيكلية والأسباب القيمية والأسباب الاقتصادية، أمّا النمط الثالث فيضمّ: الأسباب الحِياوِية (البيولوجية) والأسباب الاجتماعية وأخرى مركّبة:

1- الأسباب الثقافية أو الحضارية: وتكون متعلّقة بتعارض القيم الثقافية أو الحضارية للفرد أو المجموعة وقيم العمل وقواعده الرسمية المعتمدة على الانضباط والأمانة والشرف وطاعة الرؤساء وحرمة المال العام، وقيم الولاء والانتماء لجهة العمل سواء كانت حكومية أو خاصّة، ويؤدّي ذلك إلى نوع من الفساد يكون استجابة طبيعية لضغوط الثقافة التي نشأ عليها الفرد، مع محاولته للتوفيق بين ما يطلبه الواجب وبين مع عليه المجتمع من عادات وتقاليد وثقافة جمعية. وتوضّح بعض الدراسات الاجتماعية (حمدي عبد العظيم، 2008م) أنّه في حالة وجود صراع بين ثقافتين في مجتمع واحد، تكون إحدى الثقافتين أقوى من الأخرى فإنّ ذلك يؤدّي إلى توتّر اجتماعي يقود إلى ازدياد الفساد، وفي حالة وجود قيم إيجابية قوية فإنّها تكون كفيلة بتقليل الفجوة بين أجهزة الدولة الرسمية أو الإدارية وبقية أفراد المجتمع ومؤسّساته.

2- الأسباب السياسية: وتتعلّق بالبيئة السياسية، من حيث غياب أجهزة الرقابة الحاسمة، وعدم وجود مؤسّسات مستقلّة لمكافحة الفساد الإداري والمالي، ويعتبر الاستبداد السياسي هو العامل الأوّل والأخطر في انتشار الفساد واستفحاله في الدول العربية، ويعني تركّز القوّة في يد شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص غير خاضعة للمحاسبة بأي معنى من المعاني، وتتجاوز سلطتها جميع السلطات في الدولة بما فيها القضائية والدستورية، وتلجأ إلى السجن والقتل في بعض الأحيان لإسكات المعارضين، وغالبا ما تكون هذه السلطة الحاكمة هي العسكر أو مدعومة من العسكر، ونتج عن ذلك عودة الاستعمار مرّة أخرى إلى الدول العربية كما في سوريا والعراق، أو فقدان الإرادة السياسية الحرّة والارتماء في أحضان الدول الاستعمارية القديمة كما في معظم الدول العربية الأخرى.

3- الأسباب الهيكلية: وتضمّ الأسباب المتعلّقة بالبيئة الإدارية، وتتمثّل في ضعف أجهزة الرقابة الداخلية وتضارب التعليمات أو عدم وضوحها، وعدم توزيع المهام والمسؤوليات، ناهيك عن عدم ولاء القيادات الإدارية للمصلحة العامّة، وغياب معايير الإنجاز الدقيقة تشجّع الموظّفين على الخروج عن أخلاق الوظيفة العامّة، وكذلك وجود هياكل قديمة للأجهزة الإدارية لم تتغير على طول العهد ولم تواكب التطور الكبير الحاصل اليوم في الإدارة الحديثة. ويُمكن أيضا أن نظيف لهذه الأسباب تلك المتعلّقة بالاجتهادات الذاتية للموظّفين بتفسير الأنظمة والتعليمات في ظلّ غياب النصّ النظامي أو عدم وجود أدلّة للمعاملات في الدوائر الحكومية.

4- الأسباب القيمية: وتتمثّل في ضعف الجانب الأخلاقي والوازع الديني عند الفرد أو المجموعة.

5- الأسباب الاقتصادية: وتضمّ مجموعة الأسباب المتعلّقة بالبيئة الاقتصادية، مثل تدنّي مستوى الرواتب أو الأجور، وفقدان الحوافز، ثمّ غياب العدالة في الترقيات، وقد أكّدت الدراسات الميدانية على وجود علاقة قوية بين الفقر وجرائم الفساد، حيث يُعتبر الفقر سببا مباشرا من أسباب الفساد المالي.

6- الأسباب الحِياوية: هي تلك الأسباب المتعلّقة بالفرد من حيث بنائه الفكري والجسمي، وما اكتسبه عن طريق الوراثة، وتعلّق بالخلفية السابقة لحياته، وما تركته من آثار على سلوكه وتصرّفاته.

7- الأسباب الاجتماعية: تُسهم بعض النظم الاجتماعية المتوارثة في الدول النامية في وجود أبواب لحدوث الفساد لا سيّما في الجهاز الإداري للدولة حيث تنتشر عادات وتقاليد مثل تقديم الهدايا لكبار المسؤولين للحصول على موافقتهم على أشياء غير قانونية، كما أنّ الولاءات العائلية والقبلية والعشائرية والجهوية والدينية، يُمكن أن تؤدّي إلى انتشار المحاباة والمحسوبية، وحدوث الفساد ومخالفة القوانين، فضلا عن التغاضي أو غض البصر عن كشف الفساد أو ملاحقته أو تنفيذ الأحكام والعقوبات على الفاسدين.

8- الأسباب المركّبة: هي الأسباب التي تنشأ من تزاوج الأسباب السابقة وتفاعلها، حيث تجعل دوافع الفساد معقّدة وصعبة التشخيص.

ومن الأسباب العامّة الأخرى التي تدفع إلى ظهور الفساد وانتشاره، ما ذكر في دراسة آل الشيخ (2007م) وموجزة فيما يلي:

1- ضعف فكرة المصلحة العامّة وما يرتبط بها من أهداف رسمية.

2- تصميم هياكل «بيروقراطية» لا تقوم على أسس ومقوّمات التنظيم السليم.

3- الشعور بالقلق وعدم الاطمئنان الوظيفي.

4- شعور العاملين في الأجهزة الحكومية بأنّ هذه الأجهزة أداة للتسلّط والسيطرة وليست أداة لخدمة المجتمع.

5- كبر حجم القطاع العام، ممّا أدّى إلى ظهور «البيروقراطية» ذات توجّهات تُعنى بالتوزيع وليس بالإنتاج.

6- الأقلّيات العرقية والثقافية التي ترى نفسها مظلومة واعتقادها بأنّ ممارسة الفساد هو الوسيلة للحصول على الحقوق.

7- ضعف الوازع الخلقي والديني في النفوس.

8- غياب القدوة ودعاة الخير.

9- عدم سنّ القوانين والتشريعات الصارمة المصحوبة بالإجراءات الوقائية للحدّ من ظاهرة الفساد وتجريم كلّ صوره وأشكاله.

10- عدم الجدّية في تطبيق الأنظمة العقابية بحزم أو تطبيقها بشكل انتقائي.

11- جهل المواطنين والعاملين في الأجهزة الإدارية.

12- ضعف دور وسائل الإعلام في التوعية.

13- عدم تأهيل القيادات وتطوير قدراتهم.

14- ضعف السلطة القضائية سيادة القانون.

15- عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

تأثير الفساد على الجانب الاجتماعي

يؤدّي الفساد إلى خلخلة القيم الأخلاقية والاجتماعية في المجتمع وإلى انهيارها، فينتج عن ذلك الإحباط والسلبية بين الأفراد ويبرز التعصّب والتطرّف في الآراء وانتشار الجريمة، كما يحدث عنه ذهاب المهنية وفقدان قيمة العمل، والتقبّل النفسي لفكرة التفريط في معايير أداء الواجب الوظيفي، وتتقلّص القيم الإيجابية مثل: قيم المصلحة العامّة والمشاركة والشعور الجمعي والاهتمام بالحقّ العام، وتنشأ بدلا عنها قيم أخرى لها ارتباط بعقلية السوق والمنافع الخاصّة التي تخضع لمعيار الكسب والجشع والطمع، كما أنّ الشعور بالظلم هو الذي يصبغ الحياة العامّة فيؤدّي ذلك إلى الاحتقان الاجتماعي وانتشار الحقد بين شرائح المجتمع وانتشار الفقر، وازدياد المجموعات المهمّشة والمتضرّرة، لا سيّما النساء والأطفال والشباب، ويتحوّل الفساد إلى سلوك مستقّر ومتعارف عليه في الدوائر الحكومية، فيُستغنى عن نصوص القوانين والتشريعات ويتمّ اللجوء إلى الاجتهادات الشخصية في تفسيرها لإيجاد المبرّر للنفع الشخصي وخدمة مصالح المفسدين.

تأثير الفساد على التنمية الاقتصادية

إنّ النمو الاقتصادي يقوم على ركيزتين هامّتين، الأولى: الموارد الطبيعية، والثانية: الكفاءات البشرية، والفساد يقوّض هذه الموارد ويستنزفها بشكل خطير، حيث تذهب الموارد الطبيعية في غير منفعة بالتبذير والاختلاس والإهمال والنهب، يُضاف إلى ذلك أنّ الخدمات التي تنشأ في وسط الفساد تنمو نموّا هشّا، لأنّ السلع والخدمات التي يقدّمها الاستثمار ترتفع تكاليفها، فمن العادة ما تُضاف الرِّشا والعمولات إلى أسعار السلع أو الخدمات المقدّمة. ومن نتائج الفساد السلبية على التنمية الاقتصادية (المهايني، 2008م): (1) الفشل في جذب الاستثمارات الخارجية، وهروب رؤوس الأموال المحلّية، لأنّ الفساد يمنع وجود بيئة حرّة تنافسية والتي تُشكّل شرطا أساسيا لبقاء الاستثمارات المحلّية وقدوم الاستثمارات الأجنبية، وهذا يؤدّي إلى انتشار البطالة والفقر وتقليص فرص العمل. (2) هدر الموارد لسبب تداخل المصالح الشخصية بالمشاريع التنموية العامّة، وارتفاع الكلفة المادّية الكبيرة على الخزينة العامّة. (3) الفشل في الحصول على المساعدات الأجنبية لسوء سمعة النظام السياسي. (4) هجرة الكفاءات العلمية والمهنية والاقتصادية نظرا لغياب التقدير وبروز المحاباة في شغل المناصب.

تأثير الفساد على الاستقرار والنظام السياسي

يترك الفساد آثارا سلبية خطيرة على النظام السياسي سواء من حيث شرعيته أو استقراره أو سمعته، وأوّل ما يمسّ الفساد من الدولة هو هيبتها حيث يضعف الإيمان بمبدأ سيادة القانون، ويؤدّي ذلك إلى انتشار الإحباط بين شرائح المجتمع والعنف، والعنف المضاد، وظهور الجماعات المتطرّفة في أفكارها لتحوّل هذه الأفكار إلى سلوك مُدمّر بعد رفضها للواقع المُعاش. ويُمكن تلخيص هذه الآثار فيما يلي (المهايني، 2008م): (1) يؤثّر على مدى تمتّع النظام بالديموقراطية، وقدرته على احترام حقوق المواطنين الأساسية، وفي مقدّمتها الحقّ في المساواة وتكافؤ الفرص وحرّية الوصول إلى المعلومات وحرّية الإعلام، كما يحدّ من شَفافة النظام وانفتاحه. (2) يؤدّي إلى اتّخاذ القرارات حتّى المصيرية منها طبقا لمصالح شخصية، ومن دون مراعاة المصلحة العامّة. (3) يقود إلى الصراعات الكبيرة إذا ما تعارضت المصالح بين المجموعات المختلفة وبين أصحاب النفوذ. (4) يؤدّي إلى خلق جو من النفاق السياسي نتيجة شراء الولاءات السياسية. (5) يؤدّي إلى ضعف المؤسّسات العامّة، ومؤسّسات المجتمع المدني، ويعزّز دور المؤسّسات التقليدية، ممّا يحول دون وجود حياة ديموقراطية. (6) يُسيء إلى سُمعة النظام السياسي وعلاقاته الخارجية لا سيّما مع الدول التي يمكن أن تقدّم الدعم المادّي له، وبشكل يجعل هذه الدول تضع شروطا قد تمسّ بسيادة الدولة لمنح مساعداتها. (7) يُضعف المشاركة السياسية نتيجة غياب الثقة بالمؤسّسات العامّة وأجهزة الرقابة والمُساءلة. (8) كما يجعل وسائل الإعلام المختلفة مُتكيِّفةً مع المتطلّبات الخاصّة للمفسدين، فيخرجها ذلك عن دورها في التوعية ومحاربة الفساد.

تعليق

مادّة فسد التي هي الفاء والسين والدال أصل يدلّ على خروج الشيء عن الاعتدال، قليلا كان هذا الخروج أو كثيرا، والفَساد اسم من فسَد الشيءُ يفْسُد فِسادا وفُسودا، فهم فاسد، وفَسُد يفْسُد فَسَادا فهو فسيد بمعنى بَطُل واضْمحلّ، وفسد الشيءُ كان غير صالح. والفساد ضدّ الصلاح، وكذلك أخْذ المال بغير حقّ والجدْب، وأفْسد المال إفْسادا وفسادا أخذه بغير حقّ، والمفسدة خلاف المصلحة وكلّ ما فيه فساد.

مصطلح قريب

لغة كلزية

corruption
لغة فرنسية

corruption
مراجع

  • الفساد الإداري: نحو نظرية في علم اجتماع الجريمة، والانحراف الاجتماعي. عبد الله أحمد المصراتي. دراسة ميدانية، المكتب العربي الحديث، الإسكندرية، 2011م.
  • الفساد الإداري: رؤية منهجية للتشخيص والتحليل والمعالجة. عامر الكبيسي. المجلّة العربية للإدارة، المجلّد 20، الجزء الأوّل، 2000م.
  • الفساد الإداري ومجتمع المستقبل. السيّد علي شتار. المكتبة المصرية، 2003م. الإسكندرية، مصر.
  • الفساد الإداري، ماهيته، أسبابه، مظاهره. عصام عبد الفتاح مطر. دار الجامعة الجديدة، 2011م. الإسكندرية، مصر.
  • آليات حماية المال العام والحدّ من الفساد الإداري. محمّد خالد المهايني. مُناقلة مقدّمة في الملتقى العربي الثالث المنعقد في الرباط العاصمة، في ماي 2008م. الرباط.
  • قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي «عرضا ودراسة وتحليلا». عبد الرحمن إبراهيم الكيلاني. دار الفكر، 1421، (2000م). دمشق.
  • عولمة الفساد، إداري، تجاري، سياسي، اجتماعي، ثقافي، منهج نظري وعملي. حمدي عبد العظيم، الدار الجامعية، 2008م. الإسكندرية، مصر.
  • الفساد الإداري وعلاجه في الشريعة الإسلامية، دراسة مقارنة بالقانون الإداري. الربيز: محمود محمد معابرة. دار الثقافة، الطبعة الأولى 1432، 2011م. عمان الأردن.
  • الفساد الإداري: أنماطه وأسبابه وسبل مكافحته (نحو بناء نموذج تنظيمي). دراسة تطبيقية على المدانين بممارسته والمعنيين بمكافحته في المملكة العربية السعودية. رسالةُ رَبازةٍ غميسةٌ، من إعداد الطالب: خالد بن عبد الرحمن بن حسن بن عمر آل الشيخ، إشراف الأستاذ الربيز: حزام بن ماطر المطيري. جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. الرياض. 1428، 2007م.
  • الرقابة المالية والإدارية ودورها في الحد من الفساد الإداري. أحمد مصطفى صبيح. مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، 2016م. الجيزة، مصر.
  • نماذج ناجحة من تجارب مكافحة الفساد في العالم (نحو محاولة للاستفادة بها في الواقع السعودي). إعداد: وحدة الدراسات والأبحاث في منتدى الشفافة.
  • رحيم حسن العُكيلي، الفساد تعريفه وأسبابه وآثاره ووسائل مكافحته، بحث منشور في الموقع الإشباكي لهيئة النزاهة العراقية. nazaha.iq
  • الفساد: تعريفه، صوره، علاقته بالأنشطة الإجرامية الأخرى، الجزء الأوّل. المستشار الربيز: عبد المجيد محمود عبد المجيد. دار نهضة مصر للنشر، الطبعة الأولى 2014م. الجيزة، مصر.
  • معجم مقاييس اللغة. أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون. الطبعة الأولى، 1411. دار الجيل، بيروت، لبنان.