معجم المصطلحات الكبير
مُكافحة الفساد
الفساد

مكافحة الفساد في مفهومها العام هي استعمال كلّ الوسائل الشرعية المتاحة مع السياسات والإجراءات والقوانين، لمحاربة الفساد ومواجهته من أجل القضاء عليه والتصدّي لخطره أو التقليل من أثره على الفرد والمجتمع وقمعه قدر الإمكان، وتحقيق العدالة والنزاهة والشَّفافة وحكم القانون، وتعزيز المساءلة والإدارة السليمة للشؤون العامّة والخاصّة والممتلكات. ويعرّفه الرفاعي (2015م) بأنّه: «تعدّد الإجراءات والضوابط المختلفة، التي يمكن اتّخاذها لمواجهة الفساد ومشتقاته، أو التخفيف من حدّة آثاره بشكل سهل ميسّر، وبحيث تتوافر تلك الضوابط بأقلّ قدر من الجهد، وبأقلّ تكلفة ممكنة».

الفساد مشكلة عالمية، تُعاني منها الدول المتخلّفة في إفريقيا وآسيا، والدول المتطوّرة في أوروبا وشرق آسيا وشمال أمريكا، ولا شكّ أنّ القطاع العام الصالح هو ما كان نتيجة الاستقرار السياسي والمصلحة المشتركة وحرّية الإعلام والمعلومات، ووجود مؤسّسات المجتمع المدني حرّة تُمارس دور الرقابة والنصح. كما أنّ للفساد في الدول المتخلّفة أبعادا دولية، والتي تؤثّر على نتائج دول الترتيب العالي، طالما أنّ الرِّشا تقدّم من لدن الشركات الدولية، والتي مقرّها الدول الغنية، كما تتغاضى المؤسّسات المالية العالمية عن بعض المسؤولين الفاسدين الذين يخفون الأموال غير الشرعية ويهرّبونها ثمّ يستثمرونها خارج البلاد، فتساهم هذه المؤسّسات في نهب الأجْلاف من الدول النامية مثل الجزائر ونيجيريا والفلبّين، وبذلك تُسهّل العمل الإجرامي للمسؤولين الفاسدين وتزيد من فقر المواطن. وأشار «أكيري مونا» نائب رئيس منظّمة الشَّفافة الدولية على أنّ استرجاع الثروات المسروقة موضوع آخر يحتاج إلى مبادرة الدول المتطوّرة، ويقول: «انتقادات الدول الفقيرة من لدن الدول الغنية لا تتمتّع بالمصداقية، فالمؤسّسات المالية في الدول الغنية، تنهب ثروات مواطني الدول الفقيرة». من أجل ذلك تكاتفت الجهود المحلّية والدولية لمكافحة الفساد عبر القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية والوقوف على أسبابه ودوافعه والوسائل الكفيلة بمعالجته، والاستفادة من المعايير الدولية التي تضعها المنظمات العالمية في هذا السبيل، ولعلّ التزام الدول بالاتفاقيات التي صادقت عليها وتحويلها إلى صيغة تشريعية لها نفاذ في نظامها القانوني الداخلي يحقّق مبدأ التعاون الدولي والتعايش والتناسق بين الأنظمة القانونية في العالم لمواجهة المشاكل المتعلّقة بالفساد.

طرق مكافحة الفساد ووسائلها

لقد غدا الفساد من المشاكل التي تحظى بالأولوية في معظم الدول لا سيّما النامية منها، والتي وصل قسم منها إلى أعماق سحيقة من المتاعب الاقتصادية، ونظرا لأنّه يؤلّف قضية عالمية، فقد سعت الهيئات الدولية والوكالات العالمية إلى تنظيم الندوات الدورية والنهاجِل التي تهتمّ بموضوع الفساد ومكافحته، كما سعت العديد من الحكومات في البلدان النامية إلى سنّ القوانين والتشريعات للحدّ من ضرره وانتشاره تحت تهديد الضغوط الشعبية، وشنّ الحملات الواسعة ضد قضاياه المتنوّعة التي تهدّد استقرارها الأمني والسياسي والاقتصادي، إلاّ أنّ مكافحة الفساد لا تتّسم بالسهولة، كما لا توجد في الوقت نفسه نماذج جاهزة للقضاء عليه، لهذا تعدّدت وجهات النظر من جانب الباحثين حول وضع آليات لمحاربته والتقليص من خطره، وإذا استعرضنا السبل المختلفة التي اُستعملت وتُستعمل في هذا المجال، نجد أنّها تنبع من ثلاثة توجّهات أساسية تتمثّل في المعالجة الإدارية والقانونية، والمعالجة الإعلامية، والمعالجة عن طريق الإصلاح المؤسّسي وترشيد السياسات الاقتصادية، فضلا عن التوجيهات الدينية وغيرها. ويتصل بمفهوم مكافحة الفساد مفاهيم أخرى تشكّل ركنا أساسيا وهامّا في معالجة هذه الآفة، ويمكن ربطها بالمساءلة، والمحاسبة.

الرؤية الإسلامية في مكافحة الفساد

يرى العديد من أنصار الشريعة الإسلامية أنّ البشرية لم يبق أمامها من ملاذ سوى الشريعة الإسلامية، فهي الملجأ والمنجى الوحيد للإنسانية لأنّ المفاسد فيها مدفوعة والمصالح مجلوبة (الكبيسي، 2006). إنّ الرؤية الإسلامية للفساد والمفسدين جاءت مغايرة لكلّ ما تحدّث عنه الكتّاب والباحثون والمهتمّون بشؤون الفساد، حتى المنظّمات والهيئات الدولية، فالإسلام لم يقبل المهادنة والمساومة في التعامل مع هذه الظاهرة، فمنذ المرحلة الأولى لنشوء الدولة الإسلامية نجد الإسلام قد كافح الفساد بشتّى صوره وأشكاله.

وقد ورد لفظ الفعل الثلاثي «فسد» ومشتقاته في القرآن الكريم في خمسين موضعا بدلالات متعدّدة وسياقات مختلفة، منها: المعصية والظلم، والقتل والهلاك، والتخريب والتدمير، والقحط وقلّة النبات والبركة، والسحر، والمنكر. وهي آيات تنهى عن الفساد وتندّد بالمفسدين وتوضّح العقوبات المقترنة بجرائمه المختلفة بأساليب الترهيب والتخويف من عذاب يوم عظيم، فالفساد في الشريعة الإسلامية ممنوع بكل صوره وأشكاله، والعبد منهي عن الفساد في نفسه وعمله وعن إفساد غيره، قال تعالى: «ولا تُفسدوا في الأرض بعد إصلاحها» (الأعراف، 56)، وقال سبحانه: «والله لا يُحبّ الفساد» (البقرة، 205)، وقال: «والله لا يُحبّ المفسدين» (المائدة، 64)، وقال: «إنّ الله لا يُحبّ المفسدين» (القصص، 77). إن الله تعالى خلق للإنسان ما في الأرض جميعا صالحا ليستعين به على بلوغ غايته من العبادة وتعمير الأرض وإصلاحها، قال تعالى: «هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا» (البقرة: 29)، فعدم قيام العبد بمطلوب الله خروج منه عن استقامته، وذلك هو عين الفساد، وسلوكه غير السبيل المرسوم له هو الفساد العظيم، واستعماله ما أتاح الله له من الوسائل في غير المقصد المطلوب سفه وفساد. قال تعالى: «وإذا تولّى سعى في الأرض ليُفسد فيها ويُهلِك الحرثَ والنسل والله لا يُحبّ الفساد» (البقرة، 205). والآية بعُمومِها تَعُمُّ كلّ فسادٍ كان في أرض أو مال أو دين. وقد قال شعيب عليه السلام لقومه: «ويا قومِ أُوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءَهم ولا تَعْثَوا في الأرض مفسدين» (هود، 85)، فجعل الغشّ من أعظم الفساد، وكذلك أنواع الظلم والاعتداء على الغير، وفي مجال الرشوة قال تعالى: «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتُدْلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون» (البقرة، 188).

تتقاطع جميع أشكال الفساد، سواء منها الإداري أو المالي، بأنّها ضرر وإضرار يلحق الفرد والمجتمع، وقد حرّم الرسول صلّى الله عليه وسلّم الضرر والإضرار عموما، فقال عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر ولا ضِرار». كما حرّم أكل أموال الناس، بأي شكل من الأشكال، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كُلُّ المسلمِ على المُسلم حرامٌ: دمُه وماله وعِرْضه». وحرّم عليه الصلاة والسلام استغلال المنصب والمكانة لتحقيق مكاسب خاصّة، فعن أبي حُميدٍ الساعِديِّ رضي الله عنه قال: اِسْتعملَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم رجُلاً يُقال له: ابن اللُّتْبِيّةِ على الصدقة، فلمّا قدِم قال: هذا لكم وهذا لي، أُهْدِيَ لي، قال: فقام رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم على المِنْبَرِ، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «ما بالُ عاملٍ أبْعَثُه، فيقول: هذا لكم وهذا أُهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه، أو في بيت أمّه حتّى يَنْظُرَ أَيُهْدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمّد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلاّ جاء به يوم القيامة، يحمله على عُنُقِهِ، بعير له رُغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة تَيْعَرُ». ثمّ رفع يديه حتّى رأيْنا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، ثمّ قال: «اللهُمّ هلْ بلَّغْتُ مرّتين». ومن ذلك تحريم الرِّشوة بكلّ صورها، فعن عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما قال: «لعن رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم الراشي والمُرْتَشِي».

كما أنّ محاربة الفساد الإداري نجده ماثلا للعيان في أسلوب الخلفاء الراشدين وسلوكهم، فقد روى عبد الأعلى بن حمّاد قال: حدّثنا حمّاد عن أبان عن ابن أبي عيّاش عن مسلم أنّ مسروقًا قال: قلت لعمر: يا أمير المؤمنين أرأيت الرشوة في الحكم من السحت، قال: لا، ولكن كُفْر. إنّما السحت أن يكون لرجل عنده سلطان وجاه ومنزلة ويكون للآخر حاجة، فلا يقضي حاجته حتّى يهدي إليه. إضافة إلى ما تقدّم فقد أسهم الفقهاء في وضع العديد من القواعد والأحكام التي ينبغي الاستفادة منها في منع الفساد والوقاية منه، نذكر منها (الكبيسي، 2006):

1- قاعدة درء المفاسد أولى من جلب المصالح.

2- قاعدة دفع أعظم المَفْسَدَتين بأخفّهما.

3- قاعدة دفع أعمّ المفسدتين وتحمّل أخصّهما.

4- قاعدة سدّ الذريعة المُفضية إلى المفسدة.

كما دعا الإسلام الأفراد والجماعات إلى تحمّل مسؤولياتهم إزاء تغيير المنكر ودفع المفاسِد باليد واللسان والقلب، قال الرسول صلى الله عليه وسلّم: من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. وبهذا تتجسّد الرؤية الإسلامية في مكافحة الفساد وجعلها مسؤولية فردية وجماعية يتحمّلها الإمام والأمّة.

المعالجة الإدارية والقانونية للفساد

إنّ ظاهرة الفساد معقّدة ومتغلغلة في جوانب الحياة كلّها، وهذا يقتضي تبنّي مجموعة من الإصلاحات المتعارف عليها إداريا بين الدول في سبيل تجفيف منابع الفساد والحدّ من انتشاره، مثل الجهود الرامية إلى إصلاح الهياكل التنظيمية، وأن تكون قواعد العمل وتعليماته واضحة ومحدّدة، حتّى لا يكون هناك لبس في فهمها، ومجال واسع للاجتهادات الشخصية في تفسير مضمونها، والحدّ من الرتابة الإدارية واعتماد سياسة التدوير الوظيفي، وتسهيل إجراءات العمل والبعد عن التعقيدات الإدارية، إلى جانب تفعيل مبدأ الجدارة  في شغل الوظيفة الإدارية من خلال معايير دقيقة تعتمد على الكفاءة والاستحقاق أساسا لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب. وكذلك إنشاء مؤسّسات وأجهزة تنفيذية ورقابية متطوّرة وعالية الكفاءة ومستقلّة عن أي تأثيرات سياسية، وأن تكون مجهّزة بقدرات بشرية ومادية ووسائل قانونية فاعلة لمواجهة الفساد عبر إعلاء شأن الشَّفافة والرقابة الوقائية، وتساندها إرادة سياسية حازمة، لكشف الفساد ومعاقبة الفاسدين عند كشفهم ومقاضاتهم، وسنّ قوانين صريحة وواضحة وصارمة على المستوى المحلّي لمكافحة الفساد وترميم التصدّعات والثغرات في القوانين التي يجعلها المفسدون منعرجا لإفسادهم، ثمّ اعتماد نظم وقوانين من خلال عقد الاتفاقيات الملزمة للدول والأطراف المشاركة فيها، ومن خلال التعاون الدولي في ملاحقة الفاسدين.

المعالجة الإعلامية

تهدف هذه المعالجة إلى تعزيز الشَّفافة في أعمال الأجهزة والهيئات الحكومية، وتعميق الوعي لدى المواطنين كافّة ومنظّمات المجتمع المدني بشأن عمليات اتّخاذ القرار وانتهاج السياسات ذات الأثر في الأوضاع الاقتصادية، ولا شكّ أنّ الغرض من ذلك هو خلق قُوى ضاغطة محلّية أو دُوَلية لتحسين أداء الحكم وترشيد السياسات والكشف عن كلّ صور الفساد ثمّ محاربتها. ولكي يكون للإعلام دور بارز في مكافحة أنماط الفساد الإداري والمالي، فإنّه من الواجب أن تُعطى الحرّية للصحافة وتمكينها من الوصول إلى المعلومات ومنحها الحصانة التي تمكّنها من القيام بدورها في نشر المعلومات وعمل التحقيقات التي تكشف الفساد وقضاياه ومرتكبيه، ولا شكّ أنّه عندما يتمّ إطلاع المواطنين على الأداء الحكومي يصبحون في وضع أفضل للضغط على الموظفين العموميين لأداء مهامّهم من أجل المصلحة العامّة، كما أنّ لوسائل الإعلام أهمّية كبيرة في تنمية الوعي الجماهيري بهذه الظاهرة وخطرها وتكاليفها الباهظة على الوطن والمواطن، وذلك من خلال الحملات الإعلامية التي توجّه إلى شرائح المجتمع كافّة.

المعالجة عن طريق الإصلاح المؤسسي وترشيد السياسات الاقتصادية

لعلّ من أنجع الطرق في مكافحة الفساد هي معالجة كلّ الأسباب المُنشئة له، من خلال إصلاح مؤسّسات الحكم وإرساء قواعد المساءلة العامّة، فضلا عن ترشيد السياسات الاقتصادية بما يتلاءم مع المصلحة العامّة ورغبات الجماهير التي يعبّر عنها المواطنون من خلال الممارسات الحرّة، فإصلاح الإطار المؤسّسي يكون من خلال إصلاح السياسات المالية والنقدية مع وضع أسس سليمة لإدارة المال العام وفقا لمبادئ الشَّفافة والمساءلة والرقابة الفعّالة من جانب المجالس التشريعية، كذلك إشراك القطاع الخاص في تحمّل مخاطر الاستثمار وإدارة الأعمال وفقا لقواعد السوق، وسنّ القوانين لحماية المستهلكين وحقوق المستثمرين، ورفع كفاءة النظام القضائي وتعزيز استقلاله، ويدخل ضمن هذه المعالجة أيضا تحسين رواتب الموظفين وأجورهم في القطاعين العام والخاص، وتقليل الفروق في الرواتب بين القطاعين، وتحقيق العدالة في توزيع مكتسبات التنمية الاقتصادية على جميع أجزاء الدولة، وتوفير سبل العيش الكريم لكلّ مواطن مع ضرورة تحديد الحد الأدنى للأجور، وكذلك التطبيق الكامل للمعايير الدولية في المحاسبة والتدقيق والإفصاح بالنسبة للأحواز والمصارف والمؤسّسات المالية.

بعض التوجهات الأخرى في معالجة ظاهرة الفساد

إنّ كلّ التقارير المختلفة الصادرة عن الهيئات الدولية المتخصّصة، تؤكّد جميعها على آليتين أساسيتين لمكافحة الفساد والعمل على عدم انتشاره، هما: استقلال القضاء وفاعليته، والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. فبالنسبة لاستقلال القضاء وفعّاليته فإنّ ذلك يتحقّق من خلال بناء جهاز قضائي مستقل وقوي ونزيه، وتحريره من كلّ المؤثّرات التي يمكن أن تُضعف عمله، وامتلاكه لسلطة تنفيذ الأحكام، كما أنّ الاقتصاد المتقدّم والمزدهر يحتاج إلى ترتيبات مؤسّسية لفض المنازعات بين الشركات والحكومات والمواطنين، كما يحتاج إلى إزالة أوجه الغموض في الأنظمة والقوانين المُتّبعة، والقضاء هو الجهة الرسمية التي في مقدورها استعمال قوّة الدولة على الإرغام في تنفيذ الأحكام، وهو وحده الذي يملك السلطة الرسمية للحكم على مشروعية إجراءات السلطتين التشريعية والتنفيذية، والقادر على إخضاعهما للمساءلة عن قراراتهما، وبهذا يدعّم التنمية الاقتصادية. أمّا بالنسبة للآلية الثانية وهي الفصل بين السلطات وعدم تركّزها، فإن ذلك يحقّق المزيد من الثقة لدى المواطنين باستقرار القواعد المعمول بها، إلاّ أنّ السلطة التنفيذية في الدول النامية غالبا ما تُسيطر على السلطة التشريعية. ولماّ كان الاستبداد السياسي وحكم العسكر هما رأس الفساد في الدول العربية وبعاعه، فإنّ الديمقراطية ونزاهة الانتخابات تقلّل منه، وتساعد في وصول نخب سياسية صالحة إلى الحكم، وتخلق مناخا حرّا ونزيها ومُشفّا يساهم في الحدّ من استعمال الأموال العامّة لبقاء النخب الحاكمة في السلطة.

كما يجب أيضا للقضاء على الفساد من إعمال كافّة القوانين المتعلّقة بمكافحة الفساد على جميع المستويات، مثال ذلك: قانون الإفصاح عن الذمم المالية لذوي المناصب العليا، وقانون الكسب غير المشروع، وقانون حرّية الوصول إلى المعلومات، وتشديد الأحكام المتعلّقة بمكافحة الرشوة والمحسوبية واستغلال الوظيفة العامّة في قانون العقوبات، وكذلك التركيز على الجانب الأخلاقي الذي تدعّمه الأديان كافّة، ومن خلال قوانين الخدمة المدنية أو الأنظمة والمواثيق المتعلّقة بشرف ممارسة الوظيفة والتي تسمّى بمدوّنات السلوك، وأيضا ضرورة تعزيز دور مؤسّسات المجتمع المدني، والجامعات والمعاهد التعليمية في مواجهة الفساد ومكافحته، والقيام بدور التوعية الجماهيرية، ومن هذه التوجيهات أيضا نبذ الشخصانية في إدارة زمام السلطة، والاتجاه نحو استنبات ثقافة المؤسّسات وحكم القانون والشرعية في إدارة كافّة مؤسّسات الدولة، وتوسيع الحوار مع المواطنين من خلال الشورى والمشاركة في اتخاذ القرارات لا سيما عندما تكون مرتبطة بمصالح الجميع.

ثمّ إنّ مكافحة الفساد تستلزم بالضرورة مجتمع يدرك أهمية القضاء على الفساد بخلق منظومة نزاهة وعدالة شاملة، وبقدرة مواطني هذا المجتمع على رفع شكواهم عند ملاحظة أي تصرفات أو أفعال مريبة دالة على الفساد، والمجتمع الذي يسود فيه القمع وتغيب عنه العدالة وتذوب استقلالية الفرد وقيمته كإنسان، يغيب عنه أيضا الوعي بالمسؤولية، لذلك لا يشعر المواطن العربي بمسؤوليته عن الممتلكات العامّة مثل المال العام والحدائق والمتنزهات والشوارع، ووسائل النقل الحكومية والغابات وكلّ المرافق ولذلك يدمّرها الناس اعتقادا منهم أنّهم يدمّرون ممتلكات الحكومة لا ممتلكاتهم. مقاومة الفساد تترسخ بقدرة حكومة هذا المجتمع ومؤسساته الأهلية على توفير أولا الكرامة للإنسان ثم صنع آليات شكوى آمنة ومحل ثقة سواء في القطاع العام أو الخاص، وآليات فعّالة وآمنة محاطة بضمانات عادلة لمكافحة الفساد في شتى صوره وهو ما سوف ينعكس مردوده بالضرورة على أمن المجتمع والاقتصاد اللذَين يُعدّان جناحا التقدّم ورفع مستوى المعيشة للمواطنين في الدولة.

مصطلح قريب

لغة كلزية

fight against corruption
لغة فرنسية

lutte contre la corruption
مراجع

  • آليات حماية المال العام والحدّ من الفساد الإداري. محمّد خالد المهايني. مُناقلة مقدّمة في الملتقى العربي الثالث المنعقد في الرباط العاصمة، في ماي 2008. الرباط.
  • الفساد الإداري: رؤية منهجية للتشخيص والتحليل والمعالجة. عامر الكبيسي. المجلّة العربية للإدارة، المجلّد 20، الجزء الأوّل، 2000م.
  • الفساد الإداري وعلاجه في الشريعة الإسلامية، دراسة مقارنة بالقانون الإداري. الربيز: محمود محمد معابرة. دار الثقافة، الطبعة الأولى 1432، 2011م. عمان الأردن.
  • الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ودورها في محاربة الفساد المالي: دراسة مقارنة. الربيز: سلامة بن سليم الرفاعي‎. مكتبة القانون والاقتصاد، 2015م. الرياض. المملكة العربية السعودية.