معجم المصطلحات الكبير
مَعاة
اللغة والأدب

المَعاة أو اللغة المعاتية، هي لغة طبيعية هجينة تنشأ بشكل عفوي في مَحَاطٍ متعدّد اللغات، بسبب الاتصال التجاري، أو التعدّدية العرقية، أو النزوح الجماعي، أو الاستعمار، أو الاستعباد، فتنصهر فيها لغتان أو أكثر وتتلاقح وتتمازج من أجل الوصول إلى لغة مشتركة عاملة. تكون في أوّل أمرها بسيطة ومختزلة في قواعدها ومعجمها وتعرف في هذه الحال بالرَّسيسة، ثمّ تتطوّر هذه اللغة البسيطة بمرور الوقت مع نمو الحاجة إلى الاتصال والمطالب الملحّة المصاقبة له إلى مَعاة، وتصبح لغة فعلية مكتملة لمجموعة عرقية معيّنة، وتُستعمل في جميع البيئات الوظيفية. ليس بالضرورة أن تتحوّل الرسائس إلى مَعَوات، بل إنّ اللغات الرسيسية التي تتحوّل إلى مَعَوات قليلة جدّا، ويعود السبب في ذلك أنّ الجيل الذي تنشأ عنده رسيسة يقترب بها في كثير من الأحيان من اللغة المحكية للبلد الذي تسود فيه، فقد أورد واردوغ Wardhaugh أنّ لغة المهاجرين في ألمانيا لم تتحوّل إلى معاة، فقد ذهب الجيل اللاحق نحو الألمانية. غالبا ما يكون المجتمع الذي يتبنّى لغة معاتية قد تكسّرت لديه الروابط التي كانت تجمع بينه وبين لغته الأصلية، وجذوره القديمة، وهوّيته الاجتماعية والثقافية، مثلما يحدث في حالة العبودية. هناك من يرى أنّ تحوّل اللغات الرسيسية إلى مَعَوات يحدث خلال جيل واحد أو جيلين، ويذكر بيكرتون Bickerton, 1982 أنّ التحوّل لا يحصل في جيل واحد، بل يحصل خلال أكثر من جيل، ويذكر واردوغ أنّ تحوّل رسيسة إلى معاة يستغرق جيلين، أمّا الرسيسة ذاتها فيمكن أن تنشأ بين عشية وضحاها. نشأت اللغة الهاواوية خلال جيلين، ونشأت اللغة المعاتية في هايتي بالتدرّج، وذلك من خلال التوسّع في اللغة الرسيسية.

المعوات هي لغات تطوّرت عن رسائس من لدن بالغين، أو ربّما بالغين ممّن اكتسبوا رسيسة من أبائهم، ويجدون أنفسهم في حاجة إلى التواصل مع أقرانهم بلغة طبيعية، فيطوّرون رسيستهم بالقدرة الفطرية إلى لغة أخرى أكثر اكتمالا وتعقيدا في قواعدها، وتستمدّ كثيرا من كلماتها من لغة متفوّقة حضاريا في الغالب تكون أوروبية الأصل، لكنّها تعتمد في كثير من صيغها الصرفية، وتراكيبها النحوية على ما تضمّنته اللغات الأصلية للمتحدّثين بها. «التمعّي» creolization هو العملية التي تؤدّي إلى تحوّل رسيسة pidgin إلى مَعاة، أمّا التيعُّم decreolization أو إزالة التمعّي فهو العملية العكسية، فيؤدّي زوال التمعّي إلى اقتراب المعاة تدريجيا إلى اللغة القياسية التي كانت هي المصدر، ويعود ذلك إلى بعض الأسباب أو الظروف الاجتماعية لمتحدّثي المعوات، حيث يقتربون أكثر من اللغة المصدر القياسية للمعاة. ظهرت الرسائس في أماكن مختلفة من العالم، ويغلب استعمالها مع المعوات في مناطق حزام الساي، بسبب صلتها بالتنقّل عبر البحار لأغراض التجارة، لا سيما تجارة الرقيق، والتقاء مجموعات بشرية لا تجمعهم لغة مشتركة. يُشار إلى الرسائس التي تنشأ على أساس التبادل التجاري باللغات التجارية، وقد ذكر هولم holm تسعين لغة رسيسية ومعاتية ظهرت في العالم، ويقدّر واردوغ عدد مستعملي هذه اللغات الرسيسية التي ظهرت في العالم بصفة عامّة ما بين بلفين إلى اثني عشر بلف متحدّث. وقد صنّف هولم Holm, 2004 الرسائس والمعوات إلى ستّ مجموعات، تعود إلى عصور التوسّع الاستعماري، وسيطرة دوله على كثير من البلدان في القرون: السادس عشر، والسابع عشر، والثامن عشر:

  • 1- لغات ذات أصل كلزي : تنتشر أكثر في غرب إفريقيا، وفي جزر الباهاما، وفي أمريكا الجنوبية، وتبلغ 35 لغة، منها الرسائس والمعوات في: الباهاما، وجمايكا، وكوستاريكا وباناما، وترينيداد وتوباغو، والنُّعام، وجزر سليمان، وجزر نورفولك، وهاواي.
  • 2- لغات ذات مصدر برتغالي : انتشرت الرسائس ذات الأصول البرتغالية بسبب الاستعمار البرتغالي في القرنين السادس عشر والسابع عشر. تنتشر أكثر في: أمريكا الجنوبية وغرب إفريقيا، وتبلغ 11 لغة، منها: اللغات الرسيسية المعاتية المستعملة في البرازيل وخليج غينيا وسريلانكا.
  • 3- لغات ذات مصدر إسباني : تنتشر أكثر في أمريكا الجنوبية، وفي جزر المحيط الهادئ، وتبلغ ثلاث لغات، هي: بلانكويريو، والبابيامنتو، والفلبين.
  • 4- لغات ذات مصدر هولندي : تنتشر أكثر في شمال أوربا، وتبلغ ثلاث لغات، هي: نيغرهولاند، وسكيبتي بيربيس، وأفريكان؛
  • 5- لغات ذات مصدر فرنسي : تنتشر أكثر في غرب إفريقيا، وفي جزر المحيط الهندي، وتبلغ 15 لغة، منها: المستعملة في لويزيانا، وهايتي، وغرناطة، وترنيداد، وغيانا، وموريتانيا.
  • 6- لغات ذات أصول إفريقية آسيوية، ونُعامية آسيوية، وأمريكية هندية : تنتشر أكثر في شرق إفريقيا ووسطها، وتبلغ 18 لغة، منها: المعاة الجُوباوية، أو عربية جوبا في جنوب السودان، والمعاة النوبية ذات الأصول العربية التي تنتشر في جنوب السودان، وأوغندا، وكينيا، ومثلها أيضا المعاة البابالية في التشاد، ويتحدثها أقلّ من ألفي شخص من قبيلة البابالية.

أمثلة عن بعض اللغات المعاتية :

- المَعاة الجُوباوية أو العربية الجوباوية arabic sudanese creole : التي يتكلّم بها بشكل رئيس في المقاطعة السايَوية (الاستوائية) السابقة في جنوب السودان، والتي أصبحت مدينة جوبا عاصمتها، يتحدّث بها زهاء 20 ألفا كلغة أولى، وزهاء 44 ألفا كلغة ثانية، وذلك وَفْقا لإحصاء 1987م. تنتشر أيضا في المجتمعات الحضرية في جنوب السودان. تطورت في القرن التاسع عشر بين أحفاد الجنود السودانيين، الذين جُنِّد العديد منهم قسرا من أراضي ما يعرف الآن بجنوب السودان. بشكل عام لا يتحدّث بها سكّان المدن الكبرى الأخرى بما في ذلك ملكال وواو، إنّما يميلون إلى استعمال لغة عربية قريبة من اللهجة العربية السودانية، بالإضافة إلى اللغات المحلية.

- المعاة الهولندية : هي لغة معاتية تطوّرت في جزر الأنتيل الهولندية، وذلك خلال فترة الاستعمار الهولندي، وقد نتجت من التهجين والانصهار بين اللغات الهولندية والإفريقية، وكان يتحدّث بها بشكل أساسي السكّان الأفروكاريبيون، وقد انقرضت هذه المعاة اليوم ولم يعد يتحدّث بها أحد في هذه الجزر، ولكن لا يزال يلاحظ تأثيرها في لغة بابيامنتو papiamentu المحلّية والتي تحتوي على الكثير من الكلمات المستعارة من الهولندية.

- المعاة الموريشيوسية : هي لغة التواصل في جزيرة موريشيوس، يتحدّث بها الموريشيوسيون الهنود والموريشيوسيون المنحدرون من أصول فرنسية على حدّ سواء، إلاّ أنّ سكّان الجزيرة كانوا أيضا يفهمون أو يتحدّثون اللغتين الفرنسية والكلزية، وهما لغتا التجارة والحكومة على الترتيب، وكان نحو 32% من السكّان يتحدّثون اللغة الهندية، و17% منهم يتحدّثون الأوردو، و8% يتكلّمون بالفرنسية، وقد نشأت هذه المعاة من خليط لغات تشكّل الفرنسية المحكية فيها معظم مفرداتها، لكنّها تحتوي أيضا على كلمات من الكلزية، ومن العديد من اللغات الإفريقية والجنوب آسيوية التي كانت منتشرة في تلك الجزيرة. موريشيوس متنوّعة على صعيد السكّان واللغة، عشر لغات، وخمسة عشر دينا.

المعاة الهايتية : لغة جزيرة هايتي، تستند في معجمها إلى حدّ كبير على اللغة الفرنسية، مع حمولة لغوية ثانوية مأخوذة من لغات غرب إفريقيا، مثل: الوولوفو، والفون، وإيوي، ولغات أخرى، كالبرتغالية، والإسبانية، والكلزية، والتاينو taíno. وهي لغة أولى لزهاء 8,5 بلف شخص، والمتحدّثون بها يتجاوزون 12 بلف شخص. يعتبر الهايتيون أكبر مجتمع في العالم يتحدّث بلغة معاتية حديثة.

تعليق

المَعاة أو اللغة المعاتية مأخوذة من قولهم تمعّى السقاء تمدّد واتّسع إشارة إلى توغلها وتمدّدها في المجموعة اللغوية التي تتبنّاها، وتوسّعها في معجمها وقواعدها بعد أن كانت بسيطة ومقتصرة على فئة قليلة.

يدلّ مصطلح creole في اللغات الغربية على مُهجّن ثقافي في سياق تماسّ بين التانئة والمستعمرين. يمكن أن يشير لفظ كريولي إلى اللغات والسكّان: في الحالة الأولى تتميّز اللغة الكريولية عن اللغة المبسّطة بتعقّدها واستعمالها كلغة رئيسة، وفي هذه الحال يعتبر مصطلح «مَعاة» في العربية هو المقابل المناسب له، أمّا في الحالة الثانية التي يشير فيها إلى المنحدرين المحلّيين من عائلات المستعمرين، فيستعمل مصطلح «كَرْيولي» كما هو شائع ومنتشر على نحو خاصّ في أمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي. لأنّ المفهوم الأوّل مصطلح دَيْوني، ينتمي إلى مجال علم اللغة الاجتماعي، أمّا المفهوم الثاني، فمرتبط بسياق محلّي، تميّز واقعه على نحو خاص بمحدّدات تاريخية إراضية وسياسية واجتماعية ثقافية معيّنة.

مترادف

لُغَة مَعاتِية

لُغَة مُولَّدة

مصطلح قريب

لغة كلزية

creole
creole language
لغة فرنسية

créole
langue créole
مراجع

  • اللغات الهجينة والمولّدة، دراسة لغوية اجتماعية. إبراهيم بن عبد العزيز أبو حميد. مجلة الدراسات اللغوية، المجلد 15، العدد 1. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. المملكة العربية السعودية.
  • اللغة والاقتصاد، تأليف فلوريان كولماس، ترجمة الربيز: أحمد عوض، مراجعة : عبد السلام رضوان. عالم المعرفة 263. سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. الكويت. شعبان 1421/ تشرين الثاني 2000م. دولة الكويت.
  • معجم العلوم الاجتماعية. كريغ كالهون، ترجمة: معين رومية. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات: ترجمان، 2018م. الدوحة، قطر.
  • An introduction to sociolinguistics. Ronald Wardhaugh. Oxford & Malden, MA: Blackwell, 5th ed, 2006

ظهرت الرسائس والمعوات في أماكن مختلفة من العالم، ويغلب استعمالها في مناطق حزام الساي، بسبب صلتها بالتنقّل عبر البحار لأغراض التجارة، لا سيما تجارة الرقيق.