معجم المصطلحات الكبير
قَرْصَنَة بَحْرِية
أشْتات مجتمعات

نشاط بحري عدواني كان يقوم به الأوروبيون في القرون الثلاثة من بداية القرن السادس عشر حتّى الجزء الثاني من القرن الثامن عشر، يتمثّل في الهجوم على السفائن التجارية والاستيلاء عليها أو نهبها. والقرصنة في مفهومها العام هي كلّ عمل عدواني يتم في البحر ضدّ أي سفينة، أو إبحار سفينة مجهّزة بأسلحة من دون خضوعها لأي هيئة نظامية تابعة لدولة من الدول، وبهذا المفهوم العام فإنّ القرصنة قديمة قدم السفن التي كانت تمخر أعبّة البحار. وقد انتشرت القرصنة وازدهرت بصفة خاصّة في الجزء الغربي من البحر المتوسّط منذ اليوم الذي سقطت فيه غرناطة سنة 1492م في يد الكاثوليك القشتاليين، الذين كانوا يلاحقون المسلمين الفارّين من بطشهم حتى مدن المغرب الساحلية التي لجؤوا إليها، واستمرّت حتّى القرن الثامن عشر الميلادي، ثمّ ظهرت خلال القرنين الأخيرين على شكل مستحدث، في السواحل الصينية وذلك في الجزء الأوّل من القرن العشرين ثمّ في بداية القرن الواحد والعشرين على السواحل الصومالية حين انفرط عقد الدولة الصومالية ودخلت البلاد في حرب أهلية طاحنة، وقد جاءت القرصنة الصومالية ردّا على السفن الأجنبية التي استباحت مياه الصومال الإقليمية، حيث أصبحت سواحلها مكانا للصيد ورمي النفايات السامّة.

 

814.jpg 

خريطة تبين مناطق التهديد القرصني في العالم، وقد تمّ الإبلاغ عمّا مجموعه 180 حادث قرصنة وسطو مسلح ضد السفن إلى المكتب البحري الدولي (IMB) التابع لغرفة التجارة الدولية (ICC) في عام 2017م.

 

القرصنة ابتداع أوروبي محض، حتّى إنّ الدول الأوروبية كانت تمارس القرصنة على سُفُن الدول التجارية التي تكون في حالة حرب معها، وتستعين بالقراصنة في مهاجمة سفن أعدائها. ومن أجل ذلك ظهرت قوّة بحرية جزائرية خلال هذه الفترة كان الدافع إليها حماية المسلمين وتجارتهم، والتصدّي لغارات المسيحيين البحرية على المدن الجزائرية، فقد كانت العمليات الحربية موجّهة ضدّ أساطيل الدول التي تعتدي على الجزائر وتستولي على سفنها، فكان الأسطول الجزائري يقوم بالرقابة في البحر المتوسّط وغالبا ما يعترض تلك السفن التي لا تحمل أي معاهدة مع الدولة الجزائرية ويقوم بتفتيشها. ففي هذه المدّة كان البحر المتوسّط من أكثر المناطق في العالم حيوية ونشاطا من حيث التجارة والهجوم البحري العسكري على المدن الساحلية واحتلالها وفرض الضرائب عليها مقابل أن يعيش أهلها في سلام، فازدهرت تجارة الرقيق، ونشط الاستيلاء على السفن التجارية المحمّلة بالبضائع.

استعمل القراصنة في تاريخهم الطويل السفن الصغيرة وذلك لسرعتها في اللحاق بفرائسهم في البحر، ثمّ ركّبوا المدافع على سفنهم لمّا تطوّرت الأسلحة الحربية، وقد كان القراصنة يُشنقون في حال القبض عليهم، وفي بعض الأحيان يوثقون على الجدالة عند شاطئ البحر لتغمرهم مياه المدّ الصاعدة، وآخر قرصان نفّذ فيه حكم الموت كان في بريطانيا سنة 1840 ميلادية، وفي أمريكا سنة 1862م.

تعليق

القرصنة مأخوذة من قرصان الفرنسية عن طريق التركية، من كلمة «كُورْس» ومعناتها السلهبة، وهي مأخوذة من course التي تعني السباق، أي السباق في البحر من أجل السلب والنهب.

يُسمّي المؤرّخون الأوروبيون الجزائر وتونس وليبيا في العهد العثماني Etats barbaresques وتُترجم من لدن المؤرّخين العرب باسم الدول البربرية ظنّا منهم إنّما هي نسبة إلى البربر الذين يسكنون الشمال الإفريقي، إلاّ أنّ الأمر خلاف ذلك، إنّما هي نسبة إلى عرّوج وخير الدين بربروس، لذلك ترجمتها الصحيحة الدول البربروسية، وتبقى هذه التسمية مقتصرة على عهد هذه الدولة التي أنشأها الأخوان عرّوج وخير الدين بربروس، أي ابتداء من استقرارهما في الجزائر العاصمة سنة 1516م إلى الغزو الفرنسي للجزائر سنة 1830م، وتونس سنة 1881م، والإيطالي لليبيا سنة 1911م. كما أنّهم يُسمّون هذه الدول باسم دول القراصنة les états pirates وبالألمانية die raubstaaten أو دول القرصنة، وكلمة raub الألمانية التي تعني السطو أو السرقة تحت التهديد، أصلها في العربية رُعْب، لأنّ الحرف «u» يُبدل من عين مثل: usure في الفرنسية التي تعني رِباوة أصلها في العربية عُشور بمعنى ضريبة العُشر التي تؤخذ على الزروع. إلاّ أنّ الواقع يُبيّن ومعه التاريخ أنّ القرصنة ابتداع أوروبي محض، فقد انطلقت من أوروبا: من إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وبريطانيا، والدانمارك، والسويد، وبلجيكا وغيرها، فقد كانت بقصد الكسب والسلب والنهب، ونشر المسيحية أيضا، بدأت بغزو سواحل بلدان المغرب، فاحتلّت صقلّية جربة والمهدية في تونس، واحتلّت البرتغال أغادير، وسافي وأزمور وكامل منطقة دوكاله، في الرباط القطر، واحتلّت اسبانيا مليلية في الرباط، واحتلّت في الجزائر وهران، والمرسى الكبير، ومستغانم، وشرشال، وتنّس، والعاصمة، ودلّس، وبجاية، وجيجل، والقلّ، واحتلت تونس العاصمة، وربطت الحمير في جامع الزيتونة، واحتلّت طرابلس، وبقيت في وهران ما يقرب من ثلاثة قرون.

أمّا من الجزائر فقد بدأ الدفاع ابتداء من سنة 1510م بتدخّل عرّوج وأخيه خير الدين في مقاومة المدّ الأوروبي الصليبي، وامتدّت الحركة التحريرية فيما بعد لطرد الإسبان من الجزائر العاصمة، وجيجل وبجاية، وغربا إلى مستغانم، ووهران وتلمسان، وشرقا إلى تونس وطرابلس، وأنقذت هذه الحركة الجزائرية كثيرا من الأندلسيين من إسبانيا، نقلهم إلى البرّ الجزائري خير الدين وحسن آغا وغيرهما، وإذ ذاك فقط قويت البحرية الجزائرية، ابتداء من 1530م، أي في آخر الربع الأوّل من القرن السادس عشر، ووصلت سفنها إلى سواحل ايرلندا، وأنكلترا، والدانمارك، وآيسلاندا، وفي القرن السابع عشر والثامن عشر سادت البحرية الجزائرية البحار وقلبت الموازين. كان نشاطها موجّها ضدّ حركة صليبية جديدة، خُطّط لها على مستوى أوروبي، بدأ تنفيذها فرديناند الكاثوليكي، على سواحل الرباط والجزائر، ونائب ملك صقلية على سواحل تونس وطرابلس، وقد ذهبت القرصنة الصليبية إلى بعيد، فوصلت إسبانيا إلى الفليبين، وامتدّت هولندا إلى اندونيسيا.

مصطلح قريب

لغة كلزية

maritime piracy
لغة فرنسية

piraterie maritime
مراجع

  • التاريخ السياسي للجزائر، من البداية إلى 1962م. عمّار بوحوش. الطبعة الأولى 1997م. دار الغرب الإسلامي. بيروت، لبنان.
  • إنّية وأصالة، مولود قاسم نايت بلقاسم. منشورات وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية، 1395، 1975م. الجزائر.
  • Le grand dictionnaire terminologique 2001, version 3.78 pour Windows Octobre 1999, CDROM-SNi. Office de la langue française. Québec. Canada
  • maritimecyprus.com/2017/02/24/icc-imb-2016-annual-report-world-wide-incidents-of-piracy-and-armed-robbery-against-ships

على مدى سنوات، كانت هجمات القراصنة على طرق الشحن الرئيسة في انخفاض. على الرغم من أن المكتب البحري الدولي (IMB) في عام 2019م وصف خليج غينيا بأنه أحد أخطر طرق الشحن في العالم.