معجم المصطلحات الكبير
واقِعِية
اللغة والأدب

الواقعية في الأدب والفنّ، هي ملاحظة الواقع وتسجيل تفاصيله تسجيلا صادقا بعيدا عن الخيال وتهاويله، وإعمال الحيودة الصارمة على نحو يمنع تسرّب أفكار الفنّان أو الكاتب وعواطفه ومزاجه الذاتي إلى أعماله الأدبية أو الفنّية. لا يوجد اتفاق عام وجامع لمفهوم مصطلح الواقعية لا سيّما في الأدب، فهو عند «إيميل زولا» أو «فلوبير» يختلف تماما عن مفهومها عند «غوركي» أو «فيشر» أو «جورج لوكاتش»، حيث يوجد من يرى أن الواقعية في الأدب هي تلك التي لا تهتمّ إلاّ بمشكلات المجتمع وحياة الشعب، ويوجد أيضا من يراها تتّسع لكلّ الآثار الأدبية تقريبا، كما يذهب «روجي غارودي» Roger Garaudy في كتابه «واقعية بلا ضفاف»، أو «أرنولد كيتل» Arnold Kettle في كتابه «مدخل إلى الرواية الكَلَزية». يذكر الناقد الفرنسي «فان تيجم» Van Tieghem أن الواقعية بوصفها مصطلحا أدبيا لم يتحدّد معناها إلاّ من خلال الخصومة الحادّة التي نشبت بين «شامفلوري» Champfleury وبعض نقّاد الفنون التشكيلية، وذلك حين نشر «شامفلوري» مجموعة من المقالات الأدبية أطلق عليها اسم الواقعية، ثمّ أصدر بمساعدة صديق من أصدقائه مجلّة أطلق عليها الاسم نفسه، سنة 1843م.

الأدب الواقعي هو أولا وقبل كل شيء أدب: له جمالياته، ولا يمكن أن يكون إلاّ مرآة للحياة. يهدف إلى إنتاج «تأثير للواقع» بواسطة الأسلوب، وترتيب الحقائق، واختيار الأبطال. قد يدّعي الكاتب أنه حاول تنفيذ مشروعه بصدق ومن دون تحيّز للذاتية، لكنه لا يستطيع أن ينكر أن عمله يقع وسطا بين ما اختار أن يبيّنه وبين قارئه، والاختيار يحمل الذاتية والتفرّد. الأساليب التي يمكن أن تخلق هذا التأثير للواقع متعدّدة: غنائية عند «زولا»، أو كتابة محسّنة عند «موباسان» Maupassant، أو صِنْعة وصفية كما توجد عند «فلوبير» Flaubert. يزعم الكتّاب الواقعيون أنّهم يقومون بقدر كبير من التحضير قبل الكتابة، من خلال تدوين الملاحظات، مثلما يفعل «زولا»، أو حتى عن طريق الاحتفاظ بالجرائد مثلما يفعل «غونكور» Goncourt أو ما يستوحيه «موباسان» من الأخبار ليستعمله في وصف النورمان المتعطشين للمال. يحاول هؤلاء الكتّاب فهم كلّا من الواقع النفسي، الذي تجسده الشخصيات في رواياتهم، والواقع الاجتماعي والتاريخي، الذي يتضمن ترسيخ عمل الرواية في وقت تاريخي محدّد بوضوح. وبالتالي، فإن الواقعية تتمثل في اختيار الحقائق وترتيبها، وليس في تدوينها كما تجيش بها الحياة. إذا كانت «مدام بوفاري» في الرواية التي كتبها «غوستاف فلوبير» تخلط بين الأدب والواقع، فليس هذا هو الحال مع الكتّاب الآخرين، الذين وضعوا كل موارد فنّهم في خدمة هدفهم.

تعليق

الواقعية في الفلسفة: تطوّر مفهوم الواقعية عبر تاريخ الفلسفة الطويل، حيث استعمل مصطلح «الواقعية الغِيبيائية» (الميتافيزيقية) لأي عقيدة تؤكد الوجود المنفصل للمتعالي الخارجي transcendance externe الذي هو الحقيقة المطلقة مثل: عقيدة العالم المعقول عند «أفلاطون»، أي العقيدة التي بموجبها تكون «الأفكار» وحدها هي الحقيقية؛ أمّا الكائنات الملموسة أو المادّية فليست في الواقع سوى انعكاس لها، أو وجود الله عند «ديكارت». في العصور الوسطى ظهر خلاف في الغرب المسيحي حول المسلمات. بالنسبة للتأكيد على وجود الأفكار العامّة خارج العقل الذي يتخيلها، يجيب الإسميون nominalistes أو أنصار الاسمية مثل: «غيوم دوكام» Guillaume d'Occam أن الأسماء ليست سوى تعبيرات اتفاقية مجردة للأشياء، ولا يمكن الادعاء بأنّها يمكن أن تحقّق واقعها بنفسها في جوهر كوني essence universelle. وصل هذا الخلاف نفسه أيضا إلى نظرية المعرفة بين العقلانية rationalisme والتجريبية empirisme، فيما يتعلق بوضع القوانين العلمية، وقد كانت مَهمّة فلسفة «كانط» النقدية التوفيق بين الموقفين من خلال تخليص العقلانية من «دوغماتيتها» الغيبيائية وتغيير مسار التجريبية عن مسار الشكّ scepticisme.

الواقعية في التياسة: تظهر الواقعية مرة أخرى في التياسة في مفهوم «راسل» الأول: سيكون للتياسة مجالها الخاصّ بها، وسيكتشف التياسيون البِنية الحقيقية للكون، وقد كان هذا أيضا هو الموقف الذي وصل إليه «أينشتاين» تدريجيا في نظريته عن النسبية العامّة. على العكس من ذلك، فإن موقف الاسميين يعتبر التياسة اختراعا للغة واضحة، من دون موضوع خاص بها، ويُقصد بها أن تكون أداة للعلوم الأخرى. نشأت النزعة الواقعية الحديثة كردّ فعل على الفلسفة المثالية، التي مثّلها «ديدرو»، و«كانت»، و«فخته»، و«هيغل»، وتطوّرت مع تطور النزعة النقدية في مجالات العلوم الطبيعية والاجتماعية والتاريخية، وازدهار الفلسفة الوضعية المادّية، ثمّ الوجودية.

مصطلح قريب

لغة كلزية

realism
لغة فرنسية

réalisme
مراجع

  • الواقعية وتيّاراتها في الآداب السردية الأوربية. الربيز: الرشيد بو شعير. الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1996م. دمشق، سوريا.
  • Microsoft, Encarta, 2006 : Microsoft Corporation
  • Encyclopédie Hachette multimédia, 2014

تمثّل هذه اللاحة الفنّية النزعة الواقعية في الرسم، وهي لاحة رسمها غوستاف كوربيه عام 1854م، تحمل عُلوان: صباح الخير السيّد كوربيه، أمّا عُلوانها الأصلي، فهو: اللقاء، حيث تصوّر لقاء الفنان مع المُنعم: ألفريد بروياس في طريقه إلى مونبلييه مع خادمه وكلبه. مصدر الصورة: ويكيبيديا.

لاحة بعلوان: الحرث في نيفيرز Ploughing in Nevers، للفنّانة الفرنسية ماري روزالي بونور Marie Rosalie Bonheur، تعود إلى سنة 1849. مصدر الصورة: ويكيبيديا.