معجم المصطلحات الكبير
خَطّ النَّسْخ
الخِطاطة

أحد الخطوط الإسلامية الذي اُستعمل في النقل والاستنساخ في القسم الشرقي من العالم الإسلامي، وفي كتابة المصاحف لا سيّما منذ القرن الرابع إلى اليوم، وخطّ النسخ خطّ كامل معتدل وواضح، لا يقع قارئه بأي التباس في تشابه حروفه، وإذا ضُبط بالشكل فلا يفوقه بكماله خطّ آخر، يُشبّه بالثلث والمحقّق والريحان، ويغلب على أشكاله الاستدارة والتساوي. يكثر استعمال هذا الخطّ في الكتابة الدقيقة ويقلّ في الكتابة الغليظة، وقد جعلت منه هذه الصفات الخطّ الأكثر شيوعا في الأقطار الإسلامية لا سيّما في كتابة القرآن الكريم، ويُستعمل أكثر من غيره حتّى من الثلث والنستعليق، وهو رائج جدّا في الكتب والمجلاّت والمخائر والصحف والجرائد فحروفه دخلت المطبعة وآلات التحرير منذ زمن بعيد. استمرار تداوله لقرون طويلة يدلّ على أدائه الوظيفي الممتاز بطريقة تتعذّر على بقية الخطوط.

تتميّز حروف هذا الخطّ باللطافة والوضوح وباعتدال نسبها وانتظامها ورقّتها، وله شبه كبير بخطّ الثلث من حيث دقّة المقاييس والأشكال وهو ألزق به من كلّ الخطوط الأخرى ويُكتبان في العموم بصورة متلازمة، والنسخ من الخطوط اللّينة إلاّ أن رسومه تنحو في العديد من أجزائها إلى الاستقامة الدقيقة ذات النهايات المقوّسة التي تحتاج إلى فركة القلم. أمّا القواعد التي وضعها له أهل الخطاطة الأقدمون فهي بالنقط على غرار حروف الثلث، وجُعل طول حرف الألف أربع نقط، وعلى هذا المنوال نُقطت سائر الحروف المفردة والمتعكّثة، وهناك إجماع على أنّ خطّ النسخ يُساعد الكاتب على السير بقلمه بسرعة أكبر من خطّ الثلث، وذلك لصغر حروفه وتلاحق مدّاتها مع المحافظة على تناسق الحروف وجمال الروق، ولهذا السبب شاع استعماله في نسخ الكتب والمؤلّفات، ومن مميّزات حروفه من حيث الترويس والطمس أنّ الألف المفردة لا تروّس مخالفا بذلك خطّ الثلث، وتُروّس فيه الكاف المفردة والكاف المبتدأة إذا كانت صاعدة الألف، وتُطمس فيه العين والغين المربعتان، وحرف الفاء والقاف يختلف رسم استدارة الرأس فيهما قليلا في موضع العنق وتُرسم القاف مثل النون، وتضاف شظية نازلة دقيقة في اللام المفردة، والميم النازلة تكون مطموسة الرأس تُشبه الدال المطبوقة، ولا تُطمس الواو وعراقتها كعراقة الراء، ويُرسم حرف اللام ألف على صورتين وِراقية ومُحقّقة، ولا تنحصر كتابته بالحروف الدقيقة فحسب إنّما يجوز كتابته بقطع كبير مع مراعاة قواعده، والقاعدة العامّة فيه أنّه يُكتب صغيرا، فإذا كبُر قليلا سمّي الفضّاح وإذا استدق قليلا سمّي دقيق النسخ.

اُختلف في أصل هذا الخطّ وتفرّعه، فذهب فريق إلى أنّ خطّ النسخ أُخذ من الكوفي، وأنّ الذي نقله هو الوزير ابن مقلة، وقال آخرون إنّ الذي نقله هو الشيخ حسن البصري من أهل القرن الأوّل، ورأى غيرهم أنّ هذا وهم لم يقم دليل على فرعيته من الخطّ الكوفي، بل وُجد قبل عصر النبوّة وبقي متداولا في صدر الإسلام لتدوين دواوين الدولة والمراسلات والكتب، وقد وُجدت نماذج منه تشهد بذلك في أوراق البردي والمخطوطات. لكن الظاهر أن خطّ النسخ الذي أخرجه ابن مُقلة خطّا متميّزا وجوّده من بعده ابن البواب وضبطه هو ما كان يُعرف قبلهما بالمحقّق الوِرَاقي أو خطّ التحرير، وقد كان نتيجة طبيعية للكتابة اليدوية السريعة التي يستعملها الناس في أمور الحياة العامّة وفي المراسلات وما شابهها، وقد خُصّص لنسخ الكتب في القرنين الثالث والرابع، وكان من بين الذين ربطوا ابن مقلة بابن البوّاب مجموعة من النسّاخ العلماء تفوّقوا في كتابة الخطّ الوِراقي ونشأوا جميعا في العراق، مثل أبي الطيّب أحمد بن أحمد بن أُخي الشافعي، ومهلهل بن أحمد أحد تلاميذ أبي سعيد السيرافي، وأبي عبد الله محمّد بن أسد البزّاز شيخ ابن البوّاب. ومن يُوازن بين نماذج أوراق البردي ومخطوطات القرن الثاني التي كُتبت بالنسخ القديم وبين الصورة التي خطّها ابن البوّاب من بعد ابن مقلة وأخيه عبد الله بمئة عام يُدرك الفرق العظيم بينهما من جهة تباين الأشكال وتجويدها في القرن الثالث والرابع، وقد حدث تجويد بالغ الأهمية لهذا الخطّ في عصر الأتابكة (545) حتّى عُرف بالنسخي الأتابكي الذي جرى على نسب محدّدة وثابتة، وهو الذي كُتبت به المصاحف في العصور الإسلامية الوسطى في هذه الأقاليم وحلّت محل الخطوط الكوفية، ومنذ العصر الأيّوبي في مصر والشام حلّت الخطوط الثلثية والنسخية التي امتازت بجمال الرونق ووفرة الرواء محل الخطوط الكوفية، وانتشر هذا النوع من الكتابات في شرق العالم الإسلامي على الخصوص وغدا الأسلوب المفضّل لها، ولم ينقض القرن السادس حتّى قلّ شأن الخطوط الكوفية، سواء في كتابة المصاحف أو في النقوش على الجدران.

خير من كتب خطّ النسخ في المتأخّرين الحاج أحمد كامل التركي، ويُروى أنّه كتبه مدّة ثلاثين سنة حتى استطاع أن يدرك دقائق هذا الخطّ وأسراره. ويُعتبر خط النسخ أوضح الخطوط العربية وأسرعها آداء، وخير الخطوط استجابة للمقولة التالية: «خير الخطّ ما قُرئ والباقي نقش» فكما يستجيب للحاجة اللغوية المتمثّلة في وضوح الشكل وسهولة الأداء امتاز أيضا باللطافة والثبات الرائع وحسن الترصيف، ولذلك اُتّخذ خطّا للطباعة في العصر الحديث، وإذا كان للدولة دين رسمي ولغة رسمية فالأجدر أن يكون خطّ النسخ هو الخطّ الرسمي للدولة العربية الحديثة.

مترادف

نسْخ

خطّ نسْخي

مصطلح قريب

مراجع

  • الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات، الربيز: أيمن فؤاد سيّد. الطبعة الأولى، 1418. الدار المصرية اللبنانية.
  • التكوين الفنّي للخط العربي وفق أسس التصميم. الربيز: إياد حسين عبد الله الحسيني. الطبعة الأولى، 1424. جروس برس طرابلس، دار الشؤون الثقافية العامة وزارة الثقافة بغداد، دار صادر بيروت.
  • معجم الكتابة، خضير شعبان. الطبعة الأولى، 1419. دار اللسان العربي، الجزائر.
  • مصوّر الخط العربي. ناجي زين الدين المصرّف. الطبعة الثالثة، 1400. مطبوعات المجمع العلمي العراقي ببغداد. دار القلم، بيروت. لبنان.

خطّ نسخي مع أبتثيته كتبه الخطّاط امزيل سنة 1417. مصدر الصورة: شبكة المبدعين.

خطّ النسخ كما كتبه الحاج أحمد كامل رئيس الخطّاطين سنة 1341. مصدر الصورة: turkislamsanatlari

خط النسخ كما كتبه محمّد شوقي.

بردية تعود إلى القرن الثاني الهجري، من مصر على الاحتمال الغالب، تشتمل على مثال من الخطّ الأوّل الليّن الشائع في تدوين الأمور العاجلة، والذي يُفترض أنّه أصل خطّ التحرير، وهو خطّ وِراقي خرج منه النسخ. مصدر الصورة: davidmus.dk