معجم المصطلحات الكبير
تَفْكِيكِية
اللغة والأدب

يرتبط اسم الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا Jacques Derrida بالتفكيك، وهو يرفض أي إشارة إلى عمله كنظام. كذلك لكي ما يناضل ضدّ ميل الدارسين لوصف عمله كنظام، تبنّى دريدا سَنافة (استراتيجية) لتوظيف مصطلحات بطريقة غامضة ومتناقضة، بحيث لا يمكن تصنيف فكره النقدي بسهولة حسب المصطلحات. ومع ذلك لكي نتحدّث على الأقلّ بشكل متماسك عن التفكيك، نركّز على مصطلحات منتقاة (استعملها دريدا، ونقّاد آخرون يتبنّون نظرية التفكيكية) ستساعد في توصيف هذه النظرية. يعتبر مفهوم «الكتابة» écriture أمرا محوريا في فكر دريدا عن المعنى. «الكتابة» عند دريدا ليست تدوينا للفكر، وإنّما عمل بشري أساسي يسبق التدوين. في مجمل الفكر الغربي «الهرمنيوطيقي» (الشرح والتفسير)، الأفراد قادرون على كتابة نصّ لأنّهم «قرؤوا العالم» قبلا. أو بصيغة أخرى عالم الواقع الذي جَفّرناه داخل نصوص يوجد بالفعل كواقع غيبيائي (ميتافيزيقي). يرفض دريدا هذا الافتراض بإدّعاء أن العالم الذي نقدر على معرفته يأتي إلى الوجود من خلال عمل «الكتابة». لا يوجد عالم ينتظر من يقرؤه. اللغة ليست متجذّرة في واقع يسبقها يمكن تصوّره. على التقيض، اللغة نفسها تضع معايير الفكر، وبالتالي معايير عالمنا. إذا كان الأمر على هذا النحو، فليس بمقدورنا أن نعي «وجود» ما يتجاوز أفكارنا، لكنّنا نعي فقط «غيابه».

في تقدير دريدا، لأنّ كلّ العمل البشري يحدث في الزمن، فإنّ هذا العمل في حدود التاريخ، وهذا لا يعني أن العمل البشري محدّد تاريخيا فقط وثقافيا فقط. العمل البشري أيضا يُحدّد ويعيد بشكل دائم تشكيل الثقافة وتحديدها. الثقافة لا توجد قبل قيام الفرد بالكتابة. الافتراضات المسبقة عن الواقع ربّما تكون موجودة، لكنّ هذه الافتراضات ذاتها هي نتاج لكتابات ثقافية. هذا هو السبب الذي يجعل دريدا يؤكّد أنّ الكتابة تسبق الكلام, من المستحيل أن تعرف شيئا له وجود قبل ما هو معروف بالفعل. هناك مصطلحان آخران يساعدان على شرح مفهوم الكتابة، هما: الأثر trace، والعلامة mark. كلّ عمل بشري يترك علامة على الثقافة، وكلّ علامة تشهد بالفعل البشري المنشئ لها، وهذا العمل لا يخضع للتوصيف الكامل. لذلك علامة الكتابة تترك أثرا من المنشأ غير المحدِّد للكتابة.

إذا كان كلّ عمل بشري علامةً محدّدة ثقافيا وأثرا للحظة النشأة، فإنّ كلّ عمل بشري له معنى محدّد، وليس هذا فقط، لكن له معنى غير محدّد. بصيغة أكثر بساطة، إذا تشكّل كلّ فعل بشري بالثقافة، بينما في الوقت نفسه هو يشكِّل الثقافة، فإنّ الثقافة تمرّ بحالة دائمة لا محدودة من التعديل والتغيير بينما في أسلوب تبادلي تؤثّر على الأحداث وتغيّر فيها. هذا التعقيد من التأثير المتبادل يؤدّي إلى ظهور كلّ من الاستمرارية والانفصال بين الحدث والثقافة. لذلك فإنّ تفسيرات الأفعال البشرية (ومن ضمنها الأعمال الأدبية) لا بدّ أن تركّز على كلّ من الأسلوب الذي تشكّل به الفعل والثقافة (أي اتصال الفعل بالثقافة)، والأسلوب الذي ينفصل فيه الفعل عن الثقافة.

يقودنا هذا إلى مصطلح آخر من المصطلحات المركزية الأخرى عند دريدا، وهو differance (الاختلاف). هذه الكلمة فيها هجاء خطأ بشكل متعمَّد لكلمة differing وكلمة deferring. وباستعمال تعريف سوسير للعلامة sign، يقول دريدا: إنّ النصّ يستمدّ المعنى في اختلافاته عن النصوص الأخرى. لكنّ كلّ نصّ يُظهر أثر نشأة غير محدّدة، ولأنّ سمة «لا تحديد» تخلق تغييرا داخل الثقافة، فالمعنى دائما مؤجّل deferred، ويصبح التفسير نفسه عملا محمّلا بالغموض. التفسير هو عمل بشري له معنى محدّد ومعنى غير محدد. كلّ مفسِّر يقترب إلى النصّ داخل ثقافة، يتأثّر بالثقافة ويترك تأثيرا على الثقافة. ولأنّ هذا يمثّل عملية غير محدودة من التشكيل وإعادة التشكيل. فالتفسير هو عملية مُتلانِية (لا نهائية) من الإبداعية. كلّ معنى يتحدّد بسياق ثقافي، لكنّ هذا السياق يصبح بلا حدود.

يفترض نقّاد التفكيكية أنّ اللغة، وهي ليست مُشِفّة، بطبعها غامضة ومجازية وبلاغية. وبالتالي، النصّ كموضوع لغوي ليس كلاّ موحّدا ومتماسكا، بل بلاغيا ومجازيا إلى أبعد الحدود. بالفعل، التفكيك هو أسلوب لتحليل الأساليب التفسيرية والمنظومات الفلسفية، أكثر منه أسلوب للتفسير ذاته. هو تحليل راجع للتطوّر التاريخي لتقليد ما بحيث يصل إلى افتراضاته المسبقة وأسسه المستترة. دريدا مهتمّ بتفكيك الفلسفة الغربية وأسسها الغيبيائية. إذا كان نقّاد التفكيك على صواب في مزاعمهم بأنّ كلّ لغة مجازية في جوهرها، وأنّه لا يوجد واقع غيبيائي خارج «كتابتنا»، فإنّ كلّ أنواع «الهرمنيوطيقا» التي تبحث عن أساس إمّا في الموضوعية اللغوية وإمّا في عالم الحقيقة المتجاوز للغة، والتي تمثّل اللغة مجرّد تمثيل لغوي لها، تشبه البيت الذي يُبنى على الرمل في المثل المشهور. لكن هل لدينا خيار؟ هل يمكننا التواصل (نفكّر ونتحدّث) بأي وسيلة أخرى إلاّ من خلال اللغة؟ هل يمكننا أن نفسّر خارج حدود بعض المنظومات؟ الإجابة على هذه الأسئلة يجب أن تكون بالنفي. ولكن على الرغم من أنّنا قد نفسّر داخل منظومة ما، يجب أن ننظر إلى أدوات التذكير لنقّاد التفكيك من منظور إيجابي. في أفضل الأحوال، تعتمد المنظومات التفسيرية على قواعد نظرية. يجب أن نكون مستعدّين لإخضاع قواعدنا المنهجية للفحص الدقيق، لأنّ القاعدة إذا كانت معيبة، ستكون تفسيراتنا التالية كذلك. (التفسير الكتابي، دبليو. راندولف تاتي).

مترادف

تَفْكِيك

مصطلح قريب

لغة كلزية

deconstruction
لغة فرنسية

déconstruction
déconstructionnisme
مراجع

  • التفسير الكتابي، اتّباع نهج تكاملي. دبليو، راندولف تاتي. ترجمة الربيز: عادل زكري. مكتبة دار الكلمة، 2017م. القاهرة، مصر.