معجم المصطلحات الكبير
بَدِيعِية
اللغة والأدب

البَديعية، هي قصيدة في المديح النبوي على بحر البسيط، وعلى روي الميم المكسورة، أضاف إليها أصحابها ألوان بديعية صراحة أو ضمنا والتي تبلغ واحدا وخمسين ومئة لون أو تزيد، كبديعيات الحلّي، والموصلي، والحموي، وغيرهم، وجاءت بديعيات على بحر آخر وروي مختلف، فنُظّم بعضها على البسيط وروي الكاف المكسورة، أو النون المكسورة، أو الراء المضمومة، وبعضها على الخفيف وروي اللام المكسورة، أو على الكامل وروي الميم المضمومة. قيل من شروطها ومقوّماتها:

  • 1- أن تكون طويلة، تزيد على خمسين بيتا، وقيل لا تقلّ عن مئة بيت؛
  • 2- أن تنظّم في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك لندرتها في مدح غيره؛
  • 3- أن تكون منظومة على البحر البسيط، وروي الميم المكسورة؛
  • 4- أن يتضمّن كلّ بيت من أبياتها لونا بديعيا على الأقلّ، بشكل صريح أو غير صريح، وأن يكون البيت شاهدا عليه.

بدأ ظهورها زُهاء منتصف القرن السابع الهجري، على يد الشاعر الصوفي: أمين الدين الإربيلي (توفي سنة 670) في بديعيته التي بلغت ستّة وثلاثين بيتا، مشيرة إلى ما يماثل ذلك من وجوه البديع، وكان آخرها بديعية الشيخ: طاهر الجزائري بدمشق (توفي سنة 1341)، بلغ عددها خلال هذه القرون المتطاولة أربعا وأربعين قصيدة، معظمها مشروح: إمّا بأقلام أصحابها أنفسهم، وإمّا من لدن الشرّاح بعد ذلك.

ترمي البديعيات إلى جمع ألوان البديع في قصيدة واحدة، فهي من ناحية شبيهة بالمنظومات العلمية، ذات الغاية التعليمية كألفية ابن مالك وغيرها، إلاّ أنّ بينها وبين البديعيات فرقا أساسيا، ذلك أنّ البديعيات كانت بالإضافة إلى مضمونها العلمي، تقصد إلى التعبير عن غرض شعري هو المديح، لا سيّما حين يكون هذا المديح نبويا، كما في بديعية عائشة الباعونية (توفّيت سنة 925)، وبديعية الشيخ: عبد الغني النابلسي (توفي سنة 1143) المسمّاة: «نسمات الأسحار في مدح النبي المختار». الفرق بينها وبين المديح، أنّ هذا الأخير يخلو من ألوان البديع، وأنّ الغاية العلمية من البديعيات هي المهيمنة على القصيدة، في معانيها وفي علاقاتها داخل البيت وفيما بين الأبيات، لا سيّما إذا قصد الشاعر إلى التورية باسم الوجه البديعي في كلّ بيت، زيادة في إظهار المقدرة، صنيع الشيخ: عزّ الدين الموصلي (توفي سنة 789) وابن حجّة الحموي (توفي سنة 837)، وغيرهما، فقد كانت لهم ثلاث طرائق في نظم البديعيات، وقد ذكرها الربيز: محمّد سلطاني في كتابه البلاغة العربية في فنونها:

  • أولاهما : أن يكون البيت نفسه مثالا للوجه البديعي، من دون ذكر اسمه أو التورية به، غير أنّه يعوّض عن ذلك بذكر اسمه مستقلاّ مثبتا إلى جوار البيت. كقول أمين الدين الإربيلي:

فشمالي لم تستعن بيميني ⁂ ويميني لم تستعن بشمالي (العكس)

  • ثانيتهما : أن يمثّل للوجه البديعي في البيت من دون أن يورّي باسمه. كقول صفي الدين الحلّي في الاعتراض:

فإن من أنفذ الرحمن دعوتَه ⁂ وأنت ذاك لديه الجار لم يُضَمِ

  • وعقّب ابن حجّة بقوله: «فقوله (وأنت ذاك) هو الاعتراض بعينه»؛
  • ثالثتها : أنّ يمثّل للوجه البديعي ويورّي باسمه في البيت نفسه، كقول ابن الحجة في الاعتراض أيضا:

فلا اعتراض علينا في محبّته ⁂ وهو الشفيع ومن يرجوه يعتصمِ

  • وقد عقّب مفاخرا: فقولي بين الكلامين (هو الشفيع) هو الاعتراض البديع المتمكّن.

هناك بردتان في تاريخ الشعر العربي، لامية كعب بن زهير، التي مدح بها النبي صلى الله عليه وسلّم عِيانا، وميمية البوصيري التي قيل إنّه ألقاه بين يدي الرسول في المنام، وقد استقطبت بردة البوصيري جهود أصحاب البديعيات وإعجابهم، فتصدّوا لمعارضتها ومحاكاتها، وجعلها معرضا لبديعهم من دون لامية كعب، لما تميّزت به من حسن السبك وصدق العاطفة، وإعجاب الشاعر بصفات النبي وشمائله، حتّى إنّها كانت «تقال وتنشد تقرّبا إلى الله، وباتت عند الصوفية من جملة الأوراد»، فكان لبردة البوصيري شأن كبير في نهوض فنّ البديعيات وإرساء دعائمه.

تعليق

البديعية قصيدة طويلة قد تبلغ في بعض الأحيان ما يقرب من ثلاثمئة بيت، تستعرض فنون البديع ضمن أبياتها، وهذا هو السبب الذي دعا العلماء إلى أن يطلقوا على القصيدة من هذا النوع اسم البديعية، وعلى المجموع اسم البديعيات. أوّل من استعمل مصطلح «البديعية» هو صفي الدين الحلّي، من خلال إطلاقه هذا الاسم على بديعيته، من دون أن يظهر مصطلحا ملزما، إذ سمّاها «الكافية البديعية في المدائح النبوية»، ثمّ جاء من بعده ابن حجّة الحموي فأرسى حدود هذا المصطلح، فانتشر وعرفه الناس والشعراء والعلماء، وشرعوا يستعملونه على كلّ قصيدة تنتظم في سلك هذا الفنّ.

لغة كلزية

rhetorical poem of praise
مراجع

  • البلاغة العربية في فنونها. الربيز: محمّد علي سلطاني. مديرية الكتب الجامعية، جامعة دمشق، 1400، 1980م. دمشق، سوريا.
  • موسوعة علوم اللغة العربية. الأستاذ الربيز: إميل بديع يعقوب. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1427، 2006م. بيروت، لبنان.