معجم المصطلحات الكبير
اغتراب
الاجتماع

انفصال البشر أو غربتهم عن ملمح أساسي من طبيعتهم أو عن المجتمع، محدثا في الغالب شعورا بفقدان القوّة وحضور العجز. يرجع استعمال علم الاجتماع لمصطلح «الاغتراب»، إلى أفكار ماركس المبكّرة ذات العلاقة بتأثير الرأسمالية في العلاقات الاجتماعية وفقدان البشر السيطرة على حياتهم. مع ذلك، فقد تأثّر ماركس بنقد لودفيغ فويرباخ Feuerbach Ludwig الفلسفي للمسيحية. فبمفهومها الديني للإله الكلّي القدرة والعلم (الجبار العليم)، كانت المسيحية إسقاطا لما هي قوى بشرية فعليا على كائنات روحية، وتحقيق الخلاص البشري بعد الموت فحسب وليس في هذه الدنيا. رأى فويرباخ هذا شكلا من الاغتراب أو الانسلاخ وجعل القوى البشرية لغزا روحيا ممّا يحتاج إلى الكشف عنه وإلغائه.

أخرج ماركس مفهوم الاغتراب عن هذا السياق الديني أساسا واستعمله لتحليل ظروف العمل والحياة في مجتمعات صناعية رأسمالية علمانية. فبالنسبة إلى ماركس، يتمثل «الخلاص» البشري في انتزاع السيطرة الجماعية على ملامح المجتمع كلّها، من يد طبقة صغيرة مهيمنة وحاكمة استغلّت جماهير العمّال. فهناك عقائد دينية كانت جزءا من السيطرة العقائدية (الذهنياء) التي شجّعت العمّال على قبول نصيبهم، بالنيابة (عن) خلاص حقيقي بعد الحياة. في القرن العشرين، استعمل علماء الاجتماع الصناعي مفهوم الاغتراب للقيام بدراسات ميدانية (تجريبية) لعلاقات مكان العمل في أنظمة إدارية مختلفة. يميل الرصيد الأخير من البحوث إلى التأثّر بتوجّه النفسياء الاجتماعية (علم النفس الاجتماعي) أكثر من تأثّره بالدراسات الماركسية المبكّرة.

غاب مفهوم الاغتراب في خطاب علم الاجتماع وفي تعليقات وسائل الإعلام وحديث الناس اليومي. ربّما يقال لنا إنّ جيلا كاملا بصدد أن يصبح «مغتربا عن المجتمع» على سبيل المثل، أو أنّ الثقافات الفرعية للشباب تمثّل اغترابهم عن القيم السائدة في المجتمع. فواضح أن فكرة الابتعاد أو الانفصال أمر جليّ، لكن يقترن الاغتراب في علم الاجتماع بأصناف «اللامساواة» للمجتمعات الرأسمالية. بدأت مقاربة ماركس التاريخية المادّية بالنظر إلى الطريقة التي ينظّم الناس بها جماعيا أمورهم لإنتاج البضائع والسلع للبقاء على قيد الحياة. أمّا بالنسبة إلى ماركس، فحالة الاغتراب تعني الوجود في حالة موضوعية لها عواقب حقيقية، وأنّ المفتاح لتغيير تلك الحالة يتمثّل ليس في تغيير ما نفكّر فيه أو نعتقده، ولكن في الطريقة التي نعيش فيها حتّى نكسب أشدّ سيطرة على ظروفنا، ففي أزمنة سابقة، كانت حياة العمل ستبدو لنا كما لو أنّها كانت تتطلّب جهودا عضلية أكثر، وهي بالتالي مرهقة وتستنزف العمّال. لكن بالنسبة إلى مجموعات اجتماعية كثيرة، مثل المزارعين الريفيين والحِرْفِيين، فإنّ عملهم كان مرضيا في حدّ ذاته ويتطلّب المهارة، الأمر الذي يسمح بالسيطرة على مهمّات العمل أكثر ممّا نجده ربّما في المعامل الصناعية الحديثة، وفي فضاءات مكاتب الشركات الكبيرة ومراكز الهاتف أو في مطاعم الوجبات السريعة، فالعمل اليوم قد يكون في حالات كثيرة أقلّ إنهاكا عضليا من الماضي، لكنّه لا يعطي أي سيطرة أكبر على العمل، وبالتالي فهو يستمرّ في إحداث مستويات عالية من الاغتراب.

ترى نظرية ماركس أنّ الإنتاج الرأسمالي يولِّد الاغتراب في أربعة مجالات رئيسة. العمّال هم مغتربون عن قوّة عملهم نفسها: يجب عليهم أن يعملوا كما طُلب منهم وفي الوقت المناسب، وأن يقوموا بالمَهَمّات التي حدّدها لهم أصحاب العمل. وهم مغتربون عن منتوجات عملهم التي يطالب بها بنجاح الرأسماليون لتُباع في ساحة السوق مقابل ربح، بينما يتسلّم العمّال جزءا ضئيلا فقط كأجر. يعاني العمّال أيضا من اغتراب فيما بينهم بسبب أنّ الرأسمالية تُجبر العمّال على التنافس على الأشغال والمعامل والمناطق لكي يتنافسوا في كسب نصيب من السوق. أخيرا، يجادل ماركس في أنّه نظرا إلى أنّ العمل هو ملمح أساسي ومحدِّد للطبيعة البشرية، فإنّ اغتراب الناس عن العمل في الطرائق المذكورة سابقا يعني أنّهم أصبحوا مغتربين عن كينونة نوعهم نفسها. لم يعد العمل مرضيا في حدّ ذاته، بل أصبح مجرّد وسيلة نحو نهاية: كسب أجور للبقاء حيّا. يتمثّل هذا في الدلالات السلبية المرتبطة بصلب فكرة «العمل» وانفصالها كثيرا عن مجال المتعة في «وقت الفراغ» والراحة من العمل: إنّ الحلّ الذي ينتظره ماركس هو إنهاء العلاقات الرأسمالية المستغِلّة والتحرّك نحو الشيوعية التي تقام فيها أسس السيطرة الجماعية لعملية الإنتاج ويُقضى على الاغتراب.

كانت مقولة ماركس مؤثّرة ولا تزال، على الرغم من أنّها عامّة جدّا ومجرّدة وذات علاقة حميمة بنظريته الاجتماعية العامّة صاحبة الخلاصات الثورية. ولجعل مفهوم الاغتراب مفيدا لبحوث الدراسات الميدانية (التجريبية) أزال علماء الاجتماع منه تلك الروابط، ونتيجةً لذلك أصبح ممكنا مقارنة مستويات الاغتراب في محيطات عمل مختلفة وتحت أنظمة إدارات مختلفة. كانت هناك محاولات عدّة في القرن العشرين لوضع المفهوم في صيغة إجرائية operational. يمثل كتاب روبرت بلاونر Robert Blauner: الاغتراب والحرّية Alienation and Freedom (1964) مثلا على ذلك، حيث قارن آثار الاغتراب لحالات عمل في أربعة منشآت صناعية. وللقيام بهذا، طرح منهجا بطريقة منظّمة لقياس مستويات الاغتراب كما وقعت تجربتها من طرف العمّال أنفسهم وَفْقا لأقوالهم الشخصية حول فقدان القوّة powerlessness وفقدان المعنى meaninglessness والعزلة والغربة عن الذات estrangement-self. استنادا إلى هذه المعايير، وجد أنّ العمل في سلسلة الإنتاج work line-production يميل إلى إحداث مستويات أعلى من الاغتراب، لكن الاغتراب كان أقلّ حيث كانت سلسلة العمل آلية. وعكس بعض النظريات الماركسية التي ترى أنّ العمل الآلي يُفقِد العمّال مهاراتهم، فإنّ بلاونر أظهر أنّ العمل الآلي أدّى فعلا إلى قوّة عاملة أحسن اندماجا بحيث شعر العمّال بسيطرة أكبر على حياتهم في العمل. كان إدخال التصوّرات الذاتية perceptions subjective في النظرية تجديديا وأدخل رؤى العمّال إلى نظريات علم الاجتماع حول الاغتراب. وأوحى أيضا بأنّه يمكن تخفيض الاغتراب من دون القضاء على الرأسمالية.

يبدو مفهوم الاغتراب مرتبطا حتما بالنظرية الماركسية على الرغم من وجود محاولات لتوسيعه من أجل استعماله على نطاق عام وأكبر في علم الاجتماع. ولما سقطت الأنظمة المسماة ماركسية بعد عام 1989م وفقدت النظرية الماركسية الثورية الصِّدْقية، بدا مفهوم الاغتراب أقل صالحية لمستقبل علم الاجتماع. مع ذلك، فدراسات الممارسات الإدارية اليابانية اعتبرت ضمنيا أنّ تبنّي العمل ضمن مجموعات واتّخاذ القرارات كفريق، قد خفّضا من اغتراب العامل وحسّنا من العلاقات في موقع العمل. كانت ولا تزال هناك محاولات أيضا لاستعمال المفهوم في ميادين أخرى وربّما تحيي هذه المحاولات المفهوم في القرن الجديد.

ينتقد سميث وبوهم الاستعمال الواسع للمفهوم الدوركهايمي المِرْياعية (اللامعيارية) anomie في علم الإجرام مجادلين في أنّ الاغتراب يقدّم منظورا أكثر شمولا وإفادة. يحاجج المؤلّفان في أنّ مفهوم «النَّزْعَرة» normlessness أي «الخلو من المعايير» معلم مركزي لنظرية المِرْياعية، ولكن هذا واحد من خمسة أبعاد فقط داخل نظرية الاغتراب. ومن ثمّ، فإنّ الأبعاد الأربعة الأخرى -فقدان القوة وفقدان المعنى والعزلة والانسلاخ عن الذات- لا تزال متجاهلة في أكثر الأحيان. نحا هذا الوضع إلى إنتاج علم إجرام يبقى قريبا جدّا من سياسة ضبط الجريمة ويفشل في تفسير السلوك الإجرامي. يجادل سميث وبوهم في أن الاغتراب هو مفهوم أكثر شمولية يملك إمكان إيجاد طرائق ذات فعّالية

لتخفيض الآثار التغريبية لبِنْية اجتماعية رأسمالية. وبمزاج مشابه نظر يوئيل C. Yuill إلى نظرية الاغتراب في علاقتها بالصحّة التي يصرّ على أنّها كانت مهملة كثيرا من طرف علماء اجتماع الطب. وهذا غريب، نظرا إلى أنّ نظرية ماركس الأصلية متجذّرة في فكرة أن الظروف الاستغلالية والتغريبية للاقتصادات الرأسمالية تؤثّر في الجوانب المادّية والعاطفية وتشكّلها وتجسّدها في كائنات بشرية تتأثّر بها بوضوح سعادتها وصحّتها. يدافع يوئيل عن نسخة ماركس من المفهوم وينظر إلى بعض الأمثلة لعلم الاجتماع الطبي من خلال عدسات الاغتراب. (مفاهيم أساسية في علم الاجتماع. أنتوني غيدنز، فيليب صاتن).

لغة كلزية

alienation
لغة فرنسية

aliénation
مراجع

  • مفاهيم أساسة في علم الاجتماع. أنتوني غيدنز، فيليب صاتن. ترجمة: محمود الذوّادي. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2018م. الظعاين، قطر.