وثيقة تبيّن نظام الحكم في دولة معينّة واختصاص سلطاتها والعلاقة بين هذه السلطات، كما توضّح حقوق وحريات الأفراد وضماناتها، على شكل قواعد قانونية تلتزم بها كل القوانين الأدنى منها، ومنه يقصد بالدستور الوثيقة التي تنظّم سير العمل والسلطة في الدولة، ونظام الحكم وتشير لحقوق الأفراد وواجباتهم من الناحية الشكلية، أما من الناحية الموضوعية فهو مجموع القواعد التي تنظّم شؤون السلطة والضامنة لحقوق الأفراد والتي لا يمكن مخالفتها، وبذلك يمكننا القول للتفريق بين القانون الدستوري والدستور بأن «القانون الدستوري يدرس مضمون الوثيقة الدستورية».
لكل دولة دستور، والغالب في الدساتير أنها تكون مكتوبة إلا ما ندر مثل دستور بريطانيا (دستور عرفي) وعدم تدوينها لا ينفي أن بعض قواعدها مكتوبة في وثائق قانونية، إلا أنّها لا تُجمع في وثيقة الدستور الشاملة كحال الدساتير المكتوبة (دستور الولايات المتحدة الأمريكية من أوائل الدساتير المكتوبة)، ولا يلزم أن يكون الدستور في شكل الوثيقة الواحدة فقد تكون قواعده مقنّنة في كتيب أو في مناشير، في وثيقة واحدة أو عدة وثائق. وتنقسم الدساتير إلى دساتير مرنة وأخرى جامدة، فالدستور «المرن» هو الذي يمكن تعديل قواعده بنفس إجراءات تعديل القوانين العادية، أما الدستور «الجامد» فالذي يجرى تعديل قواعده بإجراءات أشدّ وفق شروط محدّدة. نشأت الدساتير بأساليب متنوعة تتعلّق بنوع الحكم ونظامه وكذلك الظروف الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية والسياسية في الدولة كحالات الثورة، والعنف والانقلاب أو سيطرة الحكام المطلقة، وتبعا للتطور الديمقراطي، والوعي والخبرات السياسية كالوضع الذي يفرض فيه المحكومون (الشعب) مشاركتهم في الحكم.
ونميّز في الأساليب القديمة، أن نشأة الدساتير تكون عن طريق المنحة أو أسلوب العقد: (1) يصدر الدستور عن طريق المنحة بتنازل الحاكم عن بعض سلطاته وجزء من سيادته في شكل مواثيق أو عهود بإرادته المنفردة ما يجعلها تبدو قانونية، إلاّ أنّها وُضعت غالبا نتيجة لضغط الشعوب ووعيها بضرورة الحدّ من السلطان المطلق للحاكم، ومن أمثلته، دستور المملكة العربية السعودية الصادر بأمر ملكي عام 1992م (نظام الحكم الأساسي) ودستور فرنسا لعام 1814م. (2) وبأسلوب العقد، ينشأ الدستور بتوافق إرادتي الحكام والمحكومين، فيشترك الشعب مع الحاكم في وضع الدستور بناء على اتفاق (عقد) على أساس الحرّية والاختيار (لكلا الطرفين حقّ نقاش موضوع الاتفاق) لكنه لا يصدر ولا ينفّذ إلا بتصديق الحاكم، كما أنّه لا يجوز لطرف واحد من العقد تعديل الدستور أو سحبه منفردا، من أمثلته، دستور العراق لعام 1925م (القانون الأساسي)، دستور إنكلترا لعام 1215م (الميثاق الأعظم). أما في الأساليب الحديثة الديمقراطية لنشأة الدساتير فللشعب وحده حق وضع الدستور، إمّا:
أولا، عن طريق لجنة تأسيسية منتخبة (مجلس تأسيسي) حيث يختار الشعب ممثليه في اللجنة التي تُعِدّ مُسَوَّدة الدستور حيث يصير نافذا ويكتمل وجوده بمجرد إقرار هذه الهيئة التأسيسية له، فالخصيصة المميِّزة للدستور تقتضي أن يوضع من لدن هيئة تتمتّع بسلطة سياسية خاصّة تعبّر عن سيادة الشعب. وأحد خصائصها وتجلياتها أن تكون السلطة التأسيسية أصلية تنتخب من طرف الشعب لوضع دستور جديد من عدم، أو تكون السلطة التأسيسية فرعية حين يتدخّل المَناب (البرلمان) لتعديل بعض أحكام الدستور النافذ، لا بوصفه سلطة تشريعية ولكن بوصفه سلطة تأسيسية فرعية. ومن الحالات التي تُبعث فيها سلطة تأسيسية أصلية للوجود، قيام ثورة تطيح بالنظام القديم بأكمله مثلما حدث في تونس في جانفي 2010م وفي مصر جانفي 2010م أو في إيران 1978م، أو بعد انقلاب عسكري كما حدث في الدول العربية كالعراق وموريتانيا والسودان، أو عندما تحصل دول على استقلالها، فصاحب السيادة الأصلي في الانتقال الديمقراطي هو الشعب، الذي يحدّد عبر ممثّليه في الهيئة الوطنية التأسيسية طبيعة الدستور المستقبلي للدولة. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أول من أخذ بهذه الطريقة بعد استقلالها عام 1776م، وكذلك سوريا في إنشاء دستورها 1950م.
ثانيا، عن طريق الاستفتاء الشعبي حيث تضع لجنة تأسيسية أو لجنة حكومية (نخبة حكومية أو مَنابية) مشروع وثيقة الدستور لكنّه لا يصير نافذا إلا بإقرار الشعب وموافقته. اختيار الشعب وتصويته أسلوب ديمقراطي، لكن الأكثر ديمقراطية اقتراحه لمشروع الدستور أولا، ثم عرضه للاستفتاء، ويتطلب ذلك وعي ونضج الشعب ودرايته بالشؤون الدستورية بدرجة عالية.