معجم المصطلحات الكبير
هارُوت ومارُوت
الأديان

مجمل قول أهل العلم في شأن هاروت وماروت إنّهما ملكان أنزلهما الله إلى الأرض بمكان، يُقال له: بابل، وهو معروف في العراق، فتنةً وابتلاءً لعباده، أحدهما: هاروت، والآخر: ماروت، وقد أذِن الله تبارك وتعالى لهما في تعليم الناسِ السحرَ بعد البيان والإيضاح، ويخبرانهم أنه لا يجوز هذا التعلّم. وقد جاء ذكرهما في القرآن الكريم في موضع واحد فقط، هو قوله تعالى: «واتّبعوا ما تتلو الشياطينُ على مُلْكِ سليمانَ وما كفر سليمانُ ولكنّ الشياطينَ كفروا، يعلّمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، وما يعلّمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر، فيتعلمون منهما ما يفرّقون به بين المرء وزوجه، وما هم بضارّين به من أحد إلا بإذن الله، ويتعلّمون ما يضرّهم ولا ينفعهم، ولقد عَلِموا لمَن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون» (سورة البقرة، الآية 102).

في مسند الإمام أحمد، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا زهير بن محمد، عن موسى بن جبير، عن نافع، مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر، أنه سمع نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن آدم صلى الله عليه وسلّم، لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال: إنّي أعلم ما لا تعلمون. قالوا: ربّنا نحن أطوع لك من بني آدم. قال الله تعالى للملائكة: هلمّوا ملكين من الملائكة حتى يهبط بهما إلى الأرض فننظر كيف يعملان. قالوا: ربنا هاروت وماروت. فأهبطا إلى الأرض، ومثّلت لهما الزُّهَرة امرأة من أحسن البشر، فجاءتهما، فسألاها نفسَها، فقالت: لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك، فقالا: والله لا نشرك بالله أبدا، فذهبت عنهما، ثم رجعت بصبي تحمله، فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي، فقالا: والله لا نقتله أبدا، فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله، فسألاها نفسها، قالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر، فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي، فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئا مما أبيتماه علي إلاّ قد فعلتما حين سكرتما، فخيّرا بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا. (مسند أحمد بن حنبل، المجلد الثاني. الحديث 5902).

أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره من طريق الحسين، قال: حدّثنا الفرج بن فضالة عن معاوية بن صالح عن نافع، قال: سافرت مع ابن عمر، فلمّا كان من آخر الليل، قال: يا نافع، اُنظر طلعت الحمراء؟ قلت: لا، مرّتين أو ثلاثا، ثمّ قلت: قد طلعت، قال: لا مرحبا ولا أهلا، قلت: سبحان الله! نجم مسخّر، سامع مطيع، قال: ما قلت لك إلاّ ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إنّ الملائكة قالت: يا ربّ كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب، قال: إنّي ابتليتهم وعافيتكم، قالوا: لو كنّا مكانهم ما عصيناك، قال: فاختاروا ملكين منكم، فلم يألوا أن يختاروا، فاختاروا هاروت وماروت، فنزلا، فألقى الله عليهما الشبق؟ قلت: وما الشبق؟ قال: الشهوة، فجاءت امرأة يقال لها الزهرة فوقعت في قلبيهما، فجعل كلّ واحد منهما يُخفي عن صاحبه ما في نفسه، ثمّ قال أحدهما للآخر: هل وقع في نفسك ما وقع في قلبي؟ قال: نعم، فطلباها لأنفسهما، فقالت: لا أمكنكما حتّى تعلّماني الاسم الذي تعرجان به إلى السماء وتهبطان، فأبيا، ثمّ سألاها أيضا، فأبت، ففعلا، فلمّا اُستطيرت طمسها الله كوكبا، وقطع أجنحتها، ثمّ سألا التوبة من ربّهما، فخيّرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة، فأوحى الله إليهما بأن ائتيا بابل، فانطلقا إلى بابل فخسف بهما، فهما منكوسان بين السماء والأرض معذّبان إلى يوم القيامة.

قصة هاروت وماروت ذائعة في الناس، وقد تنوّعت مخارجها واختلفت رواياتها وتعدّدت طرقها. بلغت الآثار الواردة في هذه القصّة بين مرفوع وموقوف نيفا وعشرين طريقا. جاءت الروايات المرفوعة من طريق ابن عمر، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وقد اختلف العلماءُ في شأنها بين فريقين، فريق ذكر القصّة بتفاصيلها، وسرد رواياتها، مرتضيا لها، مقرّا بوقوعها، تصريحا وإنكارا على من أنكرها واستبعدها، أو بعدم الاعتراض والاكتفاء بنقل الأقوال وعرضها، وفريق آخر ذكر القصّة أو أشار إليها، مع إنكاره لها وتشنيعه على من صدّقها وأقرّ بوقوعها. والواقع أنّ هذه القصّة مختلقة خرافية، لا يصحّ منها شيء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فالملائكة كرام بررة وعباد مكرمون لا يسبقون الله بالقول ولا يعصونه، وهم أمناء الله على وحيه وسفراؤه إلى رسله. يقول عنها ابن عاشور رحمه الله تعالى: «ولأهل القصص هنا قصّة خرافية من موضوعات اليهود في خرافاتهم الحديثة، اعتاد بعض المفسّرين ذكرها، منهم ابن عطية والبيضاوي، وأشار المحقّقون مثل البيضاوي، والفخر، وابن كثير، والقرطبي، وابن عرفة إلى كذبها، وأنّها من مرويات كعب الأحبار، وقد وَهِم فيها بعض المتساهلين في الحديث فنسبوا روايتها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو عن بعض الصحابة بأسانيد واهية».

المشهور والمعروف عند العلماء أنّ هاروت وماروت ملكان مرسَلان من الله وليسا من البشر، نزلا ابتلاء وامتحانا للناس، ليعلّما الناس السحر بعد أن يقولا: «إنّما نحنُ فتنةٌ فلا تكفرْ»، لا أنّهما معاقبان على ذنب. وقد وقع إشكال كبير في هاروت وماروت، فكيف يصحّ أن ينزّل الله تعالى على ملائكته السحر ليعلّموه الناس؟ وما سبب ذلك، وما هي فائدته؟ وقد طرح هذا الإشكال، وأجاب عنه، أبو جعفر الطبري، حيث قال رحمه الله تعالى: «إن قال لنا قائل: وهل يجوز أن ينزّل الله السحر، أم هل يجوز لملائكته أن تعلّمه الناس؟ قلنا له: إنّ الله عزّ وجلّ قد أنزل الخير والشرّ كلّه، وبيّن جميع ذلك لعباده، فأوحاه إلى رسله، وأمرهم بتعليم خلقه وتعريفهم ما يحلّ لهم ممّا يحرّم عليهم، وذلك كالزنا والسرقة وسائر المعاصي التي عرّفهموها ونهاهم عن ركوبها، فالسحر أحد تلك المعاصي التي أخبرهم بها، ونهاهم عن العمل بها. وليس في العلم بالسحر إثم، كما لا إثم في العلم بصنعة الخمر، ونحت الأصنام والطنابير والملاعب، وإنّما الإثم في عمله وتسويته، وكذلك لا إثم في العلم بالسحر، وإنّما الإثم في العمل به، وأن يضرّ به من لا يحلّ ضرّه به. فليس في إنزال الله إيّاه على الملكين، ولا في تعليم الملكين من علّماه من الناس إثم، إذ كان تعليمهما من علّماه بذلك بإذن الله لهما بتعليمه، بعد أن يخبراه بأنّهما فتنة، وينهياه عن السحر». أمّا السبب في إنزال السحر على الملكين، فقد فُسِّر بأنّ السحرة قد كثروا ومهروا في صنعة السحر، واستنبطوا أبوابا غريبة فيه، حتّى إنّهم ادّعوا النبوّة وتحدّوا الله بسحرهم، فوقع الشكّ بها في النبوّة، فأنزل الله تعالى الملكين وأنزل عليهما السحر، ليعلّموه الناس، حتّى يمكنهم أن يميّزوا بين الحقّ والباطل، والصدق والكذب، وليعرفوا المعجزة والأنبياء من السحر والسحرة والمشعوذين. وجاء في تفسير المنار وذكر ابن جرير الطبري وجها آخر في تفسير «وما أنزل على الملكين»، ونقله كثير من المفسرين وهو أن «ما» نافية، أي: إن اليهود يعلّمون الناس السحر ويرتقون بسنده إلى الملكين ببابل، وما أنزل السحر على الملكين.

كلّ هذه التخريجات تلفيقات ساقطة، سببها أنّنا لم نقرأ القرآن بمنهجية علمية صحيحة. الإنزال يكون من علو، فالملِكُ يُنزل كتابَه على رسوله ليُبلّغه عنه في تعامله مع غيره، والله مُنزِّلُ كُتبِه على رسله، وإبليس والعياذ بالله يُنزّل أوامره على رسله ليبلغوها أتباعه، فالإنزال لا يختّص بالله تعالى وحده، لذلك يكون «وما أُنزل على الملكين» ليس خاصّا بالله تعالى، لأنّ الله لا يُنزِّل الكُفر على أحد من الملائكة أو الناس، ثمّ إنّ الفعل بُني للمجهول دلالةً على أنّ مصدر التنزيل ذاته لا يستحقّ حتّى الذكر. إلاّ أنّ الإشكال وقع في كلمة المَلَكَيْن، والواقع أنّ المَلَك ليسوا هم الملائكة، وهو اسم جنس يدل على جَمْع كقول العرب «الحَرَس» لمِن يُرتَّبون لحراسة الملِك أو السلطان وخِدْمَته، والمَلَكان كقولنا حَرَسان، والمفرد منهما مَلَكي وحَرَسي وليس مَلاك وحارِس، ومن هذا أيضا الخَدَم، الجماعة التي تخدم، وكذلك القَدَم الجماعة القادمة، والمفرد منهما خَدَمي وقَدَمي، وليس خادِم وقادِم، ومثل هذا الحَشَم، فحشم الرجل خاصَّته الذين يغضبون لغضبه ولما يصيبه من مكروه، من عبيدٍ أو أَهل، والواحد منهم حَشَمي. المَلَكان في هذه الآية صِنْفان من المقرّبين من إبليس ومن أتباعه، سواء أكانوا بشرا أم من الجنّ، فهاروت أصلها هارود أي هارِد من الهرْد وهو الطعن في العِرْض، وهذا الصنف من البشر، وماروت أصلها مارود أي مارِد، والمارِد العاتي والعاصي المتطاوِل بالكِبَر والمعاصي، وهذا الصنف من الشياطين والجنّ، ونجد صيغة فاعول أيضا في اسم جالوت فهو جالود بمعنى المُجالد. هاروت وماروت هما اللذان جاء ذكرهما باسم شياطين الإنس، وشياطين الجن، في قوله تعالى: «وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّا شياطينَ الإنس والجنّ يوحي بعضُهم إلى بعض زخرفَ القول غرورا، ولو شاء ربَك ما فعلوه فذرهم وما يفترون» (الأنعام، 112) فهاروت هم شياطين الإنس، وماروت هم شياطين الجنّ.

أمّا «المَلَكُ» فهم خاصّة الملِك وأتباعه المقرّبون الذين يملكهم ويأمرهم، والمتصرّفون في الشؤون معه، نجد مثل هذه الصيغة في كلمة: الخَدَم، الواحد خَدَمي، واسم الفاعل خادِم؛ القَدَم، الواحد قَدَمي، واسم الفاعل قادِم؛ الحَرَس، الواحد حَرَسي، واسم الفاعل حارِس؛ المَلَك، الواحد مَلَكي، واسم الفاعل مالِك، وهذا المعنى هو الذي نجده في قوله تعالى: «ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون» (الزخرف، 77)، ومالك هنا صفة مثل خازِن وساكِن وعامر، وليس اسما خاصّا. وتأتي كلمة مَلَك بهذا المعنى، في قوله تعالى: «والملَك على أرجائها ويحمل عرش ربّك فوقهم يومئذ ثمانية» والثمانية في هذه الآية من الملَك وليسوا من الملائكة، والمَلَك بهذا المعنى لم تُذكر في القرآن الكريم إلاّ معرّفة بالألف واللام، كما في الآية السابقة، وكذلك في قوله تعالى: «وجاء ربّك والمَلَك صفّا صفّا» (الفجر 22)، وفي قوله تعالى: «وما أُنزل على الملَكين ببابل هاروت وماروت» (البقرة، 102). أمّا بمعنى ملك الذي هو مفرد ملائكة فلم تُذكر في القرآن إلاّ مجرّدة من الألف ولام التعريف، كما في قوله تعالى: «إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين» (الأعراف، 20)، وقوله تعالى: «ولو جعلناه مَلَكا لجعلناه رجُلا وللبسنا عليهم ما يلبسون» (الأنعام، 9)، وكذلك قوله تعالى: «قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنّين لنزّلنا عليهم من السماء مَلَكا رسولا» (الإسراء، 95)، وكذلك قوله تعالى: «قل يتوفّاكم ملَك الموت الذي وُكّل بكم ثمّ إلى ربّكم تُرجعون» (السجدة، 11).

ومن مثل استعمال القرآن الكريم للألف ولام التعريف في تقييد الكلمة بمفهوم مصطلحي محدّد، ما نجده في كلمة «المؤمن» بالألف واللام، حيث لم تأت في القرآن إلاّ مرّة واحدة لا غير، وكان المقصود بها «المولى» تبارك وتعالى، وذلك في قوله جلّ وعزّ: «هو الله الذي لا إله إلاّ هو الملكُ القدّوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر سبحان الله عمّا يشركون» (الحشر، 23). أمّا كلمة «مؤمن» المجرّدة من الألف واللام فلم تأتِ إلاّ للدلالة على البشر، كما في مثل قوله تعالى: «لا يرقُبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمّة وأولئك هم المعتدون» (التوبة، 10)، وكذلك قوله تعالى: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخِيَرة من أمرهم» (الأحزاب، 36). الملك بمعنى واحد الملائكة أصله ملأك مقلوب مَأْلك بمعنى الرسول، والألوكة الرسالة، والقرآن لم يجمعها إلاّ على ملائكة، والملائكة هم فقط الذين لهم علاقة بالبشر، لذلك قالت الملائكة الذين قدموا على لوط: «قالوا يا لوط إنّا رُسُلُ ربك لن يصلوا إليك» (هود، 81)، لأنّ لغة القرآن الكريم ذات الدلالة اللفظية التي ترقى إلى مستوى المصطلح والمنضبطة على مستوى الكلمة والحرف تأبى أنّ يكون المَلَك بالألف واللام مترادفا لمَلَك من دون ألف ولام أو لملائكة. أمّا قولهم «إنّما نحن فتنة فلا تكفر» فهو من قبيل الإمعان في التلبيس على بني آدم.

تعليق

كلمة المَلَك بمعنى خاصّة المَلِك وأتباعه والمتصرّفون في الشؤون معه، لم تذكرها المعاجم العربية، ومثلها «الساق»، بمعنى ما يُساق إلى المساق، كما في قوله تعالى «والتفّت السّاقُ بالسّاقِ (29) إلى ربّك يومئذ المساقُ (30)» القيامة. أي أهل المحشر الذين يخرجون من الأجداث تجمعهم الملائكة وتسوقهم فهم «ساق»، ومثلها أيضا قوله تعالى «يوم يكشف عن ساقٍ ويُدعَون إلى السجود فلا يستطيعون» (القلم، 42)، وفي كلام العرب نجد التعبير الشائع، وهو قولهم: «الأعمال على قَدَم وساق» فالقَدَم جماعة القادمين، كالخَدَم جماعة الخادمين، أمّا الساق فهم الذين يُساقون إلى الأعمال من القادمين، أي أنّ العمل بكلّ قوّة وبطاقته الكاملة، فالقادمون بعضهم في إثْر بعض يُساقون إلى العمل من دون راحة أو إبطاء، والذين انتهوا من عملهم يُساقون أيضا إلى عمل آخر. أمّا حديث الساق في البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد، فهو مختلق موضوع، لا أساس له من الصحّة، وقد ذكره الحاكم الشيعي في مستدركه من حديث عبد الله بن مسعود، وهو حديث طويل، يدلّ طوله على الاختلاق والكذب.

«يجمع الله الأوّلين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة، شاخصةً أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء، قال: وينزل الله عزّ وجلّ في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي، ثمّ ينادي منادٍ، أيّها الناس ألم ترضوا من ربّكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا أن يُوَلِّيَ كلَّ أناس منكم ما كانوا يتولون ويعبدون في الدنيا، أليس ذلك عدلا من ربّكم؟ قالوا: بلى، فينطلق كلُّ قوم إلى ما كانوا يعبدون، فمنهم من ينطلق إلى الشمس، ومنهم من ينطلق إلى القمر، والأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون، قال: ويمثّلُ لمن كان يعبد عيسى شيطانُ عيسى، ويمثّل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير، ويبقى محمّد وأمّته، قال: فيتمثّل الربُّ تبارك وتعالى، فيأتيهم فيقول: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ قال، فيقولون: إنّ لنا إلها ما رأيناه بعدُ، فيقول: هل تعرفونه إنْ رأيتموه؟ فيقولون: إنّ بيننا وبينه علامةٌ إذا رأيناه، عرفناه، قال فيقول: ما هي؟ فيقولون: يكشف عن ساقِه، قال: فعند ذلك يكشف عن ساقه، فيخرّ كلُّ من كان لظهره طبَقُ ساجدا، ويبقى قوم ظهورهم كصَياصي البقر، يريدون السجودَ فلا يستطيعون...»

للسحر معنيان، المعنى الأوّل هو الإيهام والتخيّل والتأثير على أعين الناس، وهذا الذي جاء ذكره في القرآن الكريم بلفظ السحر، «قال ألقوا، فلمّا ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم» (الأعراف، 116). وقد شاع هذا النوع في مصر قديما، أمّا السحر الذي يرتبط بالجنّ والشياطين والمعروف بالسحر الأسود، فهو ما أنزل على هاروت وماروت في مدينة بابل بالعراق، والذي يستعمل للتفريق بين المرء وزوجه، والتأثير على عقول الناس وعواطفهم وربّما أبدانهم، وهذا النوع لم يطلق الله عليه لفظ السحر، بل قرنه بتعاليم هاروت وماروت.

مراجع

  • قصة هاروت وماروت في ميزان المنقول والمعقول. الربيز: عيادة بن أيوب الكبيسي. دار ابن حزم، 2003م. بيروت، لبنان.
  • الذين ركبوا في السفينة، مقدمة في الاستفان، الفرنسية والكلزية مثالا. خضير شعبان. ديوان اللغة العربية، الطبعة الأولى، 1437. الجزائر.