يُسمّي المؤرّخون الأوروبيون الجزائر وتونس وليبيا في العهد العثماني Etats barbaresques وتُترجم من لدن المؤرّخين العرب باسم الدول البربرية ظنّا منهم إنّما هي نسبة إلى البربر الذين يسكنون الشمال الإفريقي، إلاّ أنّ الأمر خلاف ذلك، إنّما هي نسبة إلى عرّوج وخير الدين بربروس، لذلك ترجمتها الصحيحة «الدول البربروسية»، وتبقى هذه التسمية مقتصرة على عهد هذه الدولة التي أنشأها الأخوان عرّوج وخير الدين بربروس، أي ابتداء من استقرارهما في الجزائر العاصمة سنة 1516م إلى الغزو الفرنسي للجزائر سنة 1830م، وتونس سنة 1881م، والإيطالي لليبيا سنة 1911م. كما أنّهم يُسمّون هذه الدول باسم دول القراصنة les états pirates وبالألمانية die raubstaaten أي دول القرصنة. إلاّ أنّ الواقع يُبيّن ومعه التاريخ أنّ القرصنة ابتداع أوروبي محض، فقد انطلقت من أوروبا: من إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وبريطانيا، والدانمارك، والسويد، وبلجيكا وغيرها، فقد كانت بقصد الكسب والسلب والنهب، ونشر المسيحية أيضا، بدأت بغزو سواحل بلدان المغرب، فاحتلّت صقلّية جربة والمهدية في تونس، واحتلّت البرتغال أغادير، وسافي وأزمور وكامل منطقة دوكاله، في الرباط القطر، واحتلّت إسبانيا مليلية في الرباط، واحتلّت في الجزائر وهران، والمرسى الكبير، ومستغانم، وشرشال، وتنّس، والعاصمة، ودلّس، وبجاية، وجيجل، والقلّ، واحتلت تونس العاصمة، وربطت الحمير في جامع الزيتونة، واحتلّت طرابلس، وبقيت في وهران ما يقرب من ثلاثة قرون.
بل إن القرصنة الأوروبية ذهبت إلى بعيد في تمدّدها وبسط نفوذها، حيث سيطرت إسبانيا على الفلبين، ووصلت هولندا إلى أندونيسيا. لم تذهب البحرية الجزائرية أو البحرية العثمانية إلى البرتغال لتهجم عليه، ولا إلى بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو إسبانيا، ولكن هم الذين أتوا إلى الجزائر، مثل شارل الخامس Charles Quint، الذي هُزم هزيمة نكراء وفرّ بجلده مسرورا، وخيمينيث Jiménez وغيرهما من قادة الحملات الإسبانية التي عانى من جرّائها الكاتب الإسباني المشهور ثيرفانتيس Cervantes ما عانى، وقضى ردحا من الزمن بالجزائر أسيرا أوحى إليه فيما يُقال بقصته دون كيشوط don Quichot de la Manche المعروفة، إلى حملات أخرى كثيرة على الجزائر، لا سيّما الفرنسية، ابتداء من عهد هنري الرابع، قام بها مشاهير البحّارة الأوروبيين، ولكنّهم نكصوا كلّهم على أعقابهم مدحورين أمام شواطئ الجزائر، تاركين وراءهم أسلحة وعتادا وأسرى في المعارك التي لا تكاد تحصى، كما مُني الإسبان والبرتغال في الرباط القطر بهزيمة شنيعة في معركة وادي المخازن (1578م) المعروفة، والتي شاركت فيها القوّات العثمانية. من بين الغارات الأوروبية على الجزائر والتي شاركت فيها حتّى أمريكا إذا ذاك وهي ناشئة ابتداء من القرن الرابع عشر نكتفي بذكر أهمّها:
• غارة الكاردينال خوان دي خيمينيث Cardinal Jiménez، رجل دين إسباني بارز في تلك الفترة، وبيدرو دي نافارا Pedro de Navarra أحد القادة العسكريين الإسبان، على المرسى الكبير في الجزائر سنة 1505م، ووهران سنة 1509م، ومستغانم وشرشال والجزائر ودلّس وبجاية سنة 1510م، التي احتلّوا بها بعض هذه المدن لمدّة طويلة، عدا العاصمة التي لم يبقوا فيها إلاّ مدّة قصيرة جدّا طردهم منها بعدها عرّوج. وقد كان هذا المدّ الصليبي القرصني قد بدأ بمليلية في الرباط وجربة في تونس سنة 1497م، وشمل الجزائر ووصل إلى طرابلس الغرب مرورا بتونس التي طرده منها نهائيا علي باشا الجزائري سنة 1570م.
• غارة فرانثيسكو دي فارو francisco de Varo يوم 30 سبتمبر 1516م على الجزائر، وقد لقي فيها هزيمة نكراء من بابا عرّوج نفسه، ولعنه الكاردينال خيمينيث بعد عودة فلوله إلى إسبانيا، وسلّمه إلى الجماهير التي مزّقته شرّ ممزّق.
• غارة هوغ دي مُنكاد Hugues de Moncade في أوت سنة 1518م على الجزائر حيث تحصّن بقوّة هائلة على كُدْية الصابون، ولكن خير الدين دحره، وغنم منه عتادا هائلا، ورجع المعتدي بيديه إلى إسبانيا هاربا.
• غارة شارلكان (شارل الخامس) على الجزائر يوم 25 أكتوبر 1541م على رأس جيش عرمرم متكوّن من ألمان وإسبان خاصّة ومن البلجليين فالون Wallons وإيطاليين وملطيين ومتطوّعين. وكان من مساعديه المباشرين دوق ألب le duc d’Albe الذي أخضع البرتغال لنفوذ إسبانيا، وفرناندو كورتيس Fernando Cortès الذي غزا واحتلّ المكسيك، وأبناؤه الثلاثة، وغيرهم من مشاهير أوروبا. كان شارلكان (شارل الخامس) تمركز، مثل سابقه دي مونكاد سنة 1518م في ضريح سيدي يعقوب على قمّة كدية الصابون التي سمّاها الإسبان باسمه فيما بعد «حصن الأمبراطور» fort l’Empereur وسمّاها الجزائريون بعد ذلك «قلعة السلطان»، ثمّ استعادت في العهد الاستعماري اسم «حصن الأمبراطور» من جديد، وقد أسفرت الغارة على هزيمة نكراء لحقت بشارلكان، فترك وراءه آلاف القتلى والجرحى من جيشه، وعتادا ضخما، ورجع بفلوله إلى أوروبا كسير النفس محطّما. «وقد تركت هذه الهزيمة في نفس شارلكان أعمق الآثار وجروحا أفقدته ثقته بنفسه لبقية أيّامه، وهو ممثّل المسيحية والحضارة، والحفيد المباشر لفرديناندو الكاثوليكي، وبربع قرن فقط بعد وفاته». «كما أناخت هذه الكارثة بكلكلها على أوروبا كلّها مدّة ثلاثة قرون. كان من شدّة الرعب الذي ألقته هذه الهزيمة الحاسمة في الدول المسيحية كلّها أن تحمّلت طوال تلك المدّة عنجهية البربريسكيين» (غاليبارت). «ويُحكى أن شارلكان، الذي لم يعد إلى إسبانيا بعد هذه الكارثة، بل ذهب إلى إيطاليا، خوفا وخجلا، لمّا أرسل سلسلة ذهبية إلى الهجّاء الإيطالي أريتان Arétin وضعها هذا الأخير في راحة يده ليتحسّس وزنها ثمّ قال: إنّها لخفيفة نوعا ما بالنسبة لخطإ من هذه الفداحة».
أمّا الغارات الفرنسية على الجزائر قبل 1830م فلا تكاد تحصى على الرغم من استنجادها مرارا بالجزائر، منها غارة سافاري دي بريف le marquis Savary de Brève سنة 1604م في عهد هنري الرابع، غارة سيمون دانسر Simon Danser سنة 1610م على الجزائر وشرشال، غارة الأميرال دي منتيس l'amiral de Mantis سنة 1634م. عشر غارات في عهد لويس الرابع عشر الذي أراد أن يخلف شارلمان وشارلكان في التكلّم باسم المسيحية كلّها، ولم تكفه أمّته التي سمّاها: الأمّة المسيحية جدّا. تجدر الإشارة إلى أنّ نابليون بونابرت، خلال حملاته العسكرية في البحر المتوسّط، قام بتحرير العديد من العبيد في الجزر الأوروبية التي غزاها، لا سيّما في مالطا خلال حملته في عام 1798م. كان العبيد الذين حررّهم يشملون أشخاصا من أصول شمال إفريقية وإفريقية، وقد استُعبدوا في سياق الصراعات البحرية والقرصنة التي كانت شائعة في ذلك العصر.
على الرغم من أن الدول البربروسية كانت تعرف بأسماء مميّزة كالجزائر التي كانت تعرف بشكل رسمي باسم «قِيالة الجزائر»، لكن غالبا ما كانت هذه البلدان تُجمع تحت اسم مرّاكش Morocco في الأدبيات الغربية آنذاك، لا سيّما في السياقات المتعلّقة بما يسمّيه الغربيون بالقرصنة البحرية، والحروب، والمعاهدات. الكثير من الوثائق والمراجع الأمريكية على سبيل المثال كانت تخلط بين الجزائر ومرّاكش في القرن الثامن عشر والتاسع عشر. من بين هذه المراجع:
(1) مذكرات جيمس ليندر كاثكارت James Leander Cathcart وهي واحدة من الوثائق التي تخلط بين الجزائر والمغرب أو مرّاكش. كان كاثكارت أسيرا عند الداي في الجزائر وعرف المنطقة جيّدا، ولكنه أشار إلى الجزائر باسم المغرب، لا سيّما في الأدبيات الرَّماصية والأحداث المتعلّقة بالقرصنة.
(2) التقارير الأمريكية عن القرصنة في البحر المتوسط Annual Reports of the Navy Department، فخلال القرن الثامن عشر، كانت الولايات المتحدة تشارك في مفاوضات مع دول البحر المتوسّط مثل الجزائر ومرّاكش بسبب الهجمات البحرية والقرصنة. في بعض الوثائق الرَّماصية الأمريكية من هذه الفترة، كان يُستعمل مصطلح Morocco للإشارة إلى جميع الدول الواقعة في شمال أفريقيا، بما في ذلك الجزائر.
(3) وثائق وزارة الخارجية الأمريكية U.S. State Department، ففي تقارير وزارة الخارجية الأمريكية من القرن التاسع عشر، كان هناك خلط في أحيان كثيرة بين الجزائر والمغرب، لا سيّما عندما كانت الولايات المتّحدة تجري مفاوضات مع «الدول البربروسية». هذا الخطأ كان يعود ربّما إلى قلّة التمييز الإراضي الصارم بين هذه الدول في الوثائق الأمريكية، كما في وثائق وأوراق وزارة الخارجية الأمريكية التي تناولت الصراع مع «الدول البربروسية» The United States and the Barbary Pirates.
(4) مراسلات الرُّمَصاء الأمريكيين الذين عملوا في المنطقة مثل توماس تراكستون Thomas Truxtun ووليام إيتون William Eaton استعملوا أحيانا مصطلح المغرب أو مراكش للإشارة إلى الجزائر أثناء مهمّاتهم في المنطقة في بداية القرن التاسع عشر. هذه المراسلات توضّح كيف كان الرُّمصاء (الدبلوماسيون) يخلطون بين «الدول البربروسية» كما في مثل The Barbary Wars: American Independence in the Atlantic World أو The Barbary Wars.
(5) الوثائق البحرية الأمريكية U.S. Navy Documents، وهي الوثائق المتعلّقة بالحروب البحرية مع «الدول البربروسية» تتضمّن إشارات إلى المغرب أو مرّاكش كوصف شامل لكل من الجزائر والمغرب وتونس. كان هذا ربّما نتيجة لعدم وضوح الحدود السياسية أو الإراضية في ذلك الوقت.
(6) تقارير الصحف الأمريكية American Newspapers، فبعض الصحف الأمريكية في القرن التاسع عشر مثل National Intelligencer وThe New York Times أحيانا كانت تخلط بين الجزائر والمغرب في مقالاتها عن القرصنة أو الحروب في البحر المتوسط. على سبيل المثال، عند الحديث عن الهجمات البحرية أو الرماصية مع «الدول البربروسية»، كانت الصحف تستعمل مصطلح «المغرب» لتغطية الجزائر والمناطق المحيطة.
ربّما في ذلك الوقت، لم يكن هناك فصل صارم بين الجزائر والمغرب في الأدبيات الأوروبية والأمريكية، لاسيّما فيما يتعلّق بالقرصنة والنزاعات البحرية. فالمغرب Morocco كان يُستعمل لوصف الدول الواقعة في شمال غرب إفريقيا بشكل عام، بما في ذلك الجزائر وتونس وليبيا. لذلك، كان من الطبيعي أن تُذكر الجزائر في الوثائق الأمريكية تحت اسم Morocco خلال تلك الفترة. في العصر الحديث هناك خلط مريع أيضا بين المملكة المغربية ودول المغرب العربي، حيث أصبح تراث هذه الدول يدرج أحيانا ضمن تراث المغرب الأقصى أو المملكة المغربية، حتّى إنّ تَرْجلة النصوص من العربية إلى اللغات الأخرى تعطي لاسم المغرب الذي هو المغرب العربي المقابل للمشرق اسم Morocco، لذلك اقترح ديوان اللغة العربية تخصيص اسم «الرِّباط» للدلالة على قطر المغرب الأقصى أخذا من الرباط العاصمة، على منوال الجزائر القطر من الجزائر العاصمة، وتونس القطر من تونس العاصمة، لأنّ الرباطيين يرغبون عن اسم «مُرّاكش» لذلك عدلوا إلى تسمية بلدهم بالمغرب، وهو في الواقع اسم عربي صريح، أصله «مُرَقَّش» من الرَّقْش، وهو نقش الشيء وتزيينه وزخرفته، وترقّش اللون اختلط وتنقّط.