معجم المصطلحات الكبير
مُولود قاسِم نايْت بَلْقاسم
الفكر

رجل من رجالات الجزائر والإسلام، فهو مجاهد، ومفكر، وباحث، ومؤرّخ، وداعية إسلامي، وسياسي، ووزير، ترك وَهْصَتَه في تاريخ الجزائر المعاصرة، من أهمّها التعليم الأصلي، الذي خرّج رجالا تقلّدوا مناصب علمية وسياسية هامّة، كان له فضل كبير في ترسيخ ملتقيات الفكر الإسلامي التي بدأها قبله المفكّر مالك بن نبي، والتي أسهمت في ترشيد الصحوة الإسلامية، كما ناضل من أجل تأسيس مجمع اللغة العربية، لكنّه توفّي من دون أن يرى حلمه يتحقّق. وُلد مولود قاسم في يوم 06 يناير سنة 1927م، بآقبو، في بجاية الناصرية التي أسّسها الناصر بن حمّاد بن زيري أحد ملوك بني حمّاد في القرن الخامس الهجري، حيث درس العربية أوّل مرّة في مسجد قريته «بلعيال» وحفظ القرآن، ثمّ دخل المدرسة الابتدائية الفرنسية، وواصل دراسة العربية والفقه في المدارس التقليدية للتربية والتعليم بقلعة «آيت عبّاس» التابعة لجمعية العلماء المسلمين حيث نال شهادة الكفاءة، وفي سنة 1946م، انتقل إلى الزيتونة في تونس لمواصلة مسيرته المعرفية، وأصبح أحد مسؤولي اتّحادية الطلبة لحزب الشعب الجزائري،

في سنة 1949م، انتقل إلى معهد اللغات الشرقية بباريس، واطّلع هناك على المناهج الاستشراقية، إلاّ أنّ إقامته لم تدم إلاّ بضعة أشهر، لأنّه كان مناضلا في حركة انتصار الحرّيات الديمقراطية، فاستدعاه إلى القاهرة ممثّل حزب الشعب هناك، من أجل دراسة الطيران العسكري في العراق، غير أنّ خلافا سياسيا وقع بين مصر والعراق حين ذاك، أدّى إلى فشل مسعاه، فتحوّل إلى دراسة الفلسفة في كلية الآداب بجامعة القاهرة، التي حصل منها على شهادة (الليسانس) في الفلسفة سنة 1954م، بدرجة امتياز، وقد كان الجزائري الوحيد في القسم، والثاني في تاريخ القسم بعد الربيز: أبي مدين الشافعي. ثمّ عاد إلى فرنسا ليلتحق بالسربون، ويقدم أطروحة في الفلسفة بعلوان: «الحرية عند المعتزلة»، بإشراف الأستاذ موريس دو غندياك Maurice De Gandillac، إلاّ أنّ اندلاع الثورة التحريرية في الجزائر وإضراب ماي 1956م حال دون إتمامها. وأثناء الثورة أصبح مولود ناطقا رسميا ومكلّفا بمكتب جبهة التحرير في بلدان: ألمانيا والنمسا والدول الاسكندنافية، وقد أهّله ذلك لأن يتحمّل هموم شعب تنبأ له المؤرّخون بالاضمحلال والانقراض. في سنة 1957 التحق بجامعة بون في ألمانيا لتحضير أطروحة ربازية في الفلسفة، حول «مبدأ الحرية عند كنط» بإشراف الأستاذ تيسن Tyssen لكنه لم يكملها أيضا بعد أن تقرّر تكليفه ببعض المسؤوليات السياسية كرئيس الوفد الدائم لمكتب التنسيق والتنفيذ لدى الحكومة المؤقتة لجبهة التحرير الوطني الجزائرية. لم يتخلّ الأستاذ مولود قاسم عن طموحه العلمي حتى وهو وزير للتعليم الأصلي والشؤون الدينية حيث حاول أن يعدّ للمرة الثالثة أطروحة أخرى سنة 1973م بجامعة السوربون حول «اللغة والشخصية عند فيخته» وبإشراف الأستاذ دو غيندياك، لكن منعه منصبه السياسي عن إتمام هذه الخطوة العلمية.

تقلّد مولود قاسم منصب وزير التعليم الأصلي من سنة 1970 إلى سنة 1977م، ثمّ وزير الشؤون الدينية، من سنة 1977 إلى سنة 1979م. كان حسب اعترافه شخصيا، يكتب بخمس لغات ويحاضر بها، هي: العربية، والفرنسية، والكلزية، والألمانية، والسويدية، وكان أحد كتبه باللغة الألمانية يحمل علوان ALGERIEN. Arabische ligo, Bonn, BRD 1957، وقد طبعه مكتب جامعة الدول العربية في بون سنة 1957م. ترك مجموعة من الكتب مؤلّفة باللغة العربية، تبيّن مدّى اعتزازه بأمّته، وبتاريخها وأصالتها: (1) أنية وأصالة، نُشر سنة 1975م، من لدن وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية؛ (2) أصالية أم انفصالية نُشرته وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية سنة 1980م؛ (3) ردود الفعل الأولية على غرّة أول نوفمبر، نُشرته دار البعث بقسنطينة سنة 1983م؛ (4) شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل 1830، نُشرته دار البعث بقسنطينة سنة 1985م. توفي مولود بلقاسم نايت بلقاسم يوم 27 أوت 1992م بالجزائر العاصمة ودُفن بمقبرة العالية.

كان مولود قاسم يمتاز بصفات أهمّها، الحسّ المرهف، وقوّة الذاكرة، وأخذ العبرة ولو من العدو، والشجاعة الأدبية، والتواضع، فكان يعترف لأهل الفضل بفضلهم، والشيء نفسه ينطبق على العلماء الذين يتحدّث عنهم: «الأستاذ عثمان الكعّاك لا يحتاج إلى تعريف، إنّه شيخ المؤرّخين في العالم الإسلامي، وأحد كبار شيوخه المؤرّخين على المستوى العالمي، أمّا في العالم الإسلامي فلا أزال أقول: إنّه شيخ المؤرّخين، ولا أزال أقول. وليسمح لي الأساتذة الكبار الآخرون الذين أقدّرهم كلّ التقدير وأجلّهم، ونستفيد منهم كلّ الاستفادة... ولكن الأستاذ عثمان الكعّاك هو الذي يعرف الفينيقية، ويعرف الألمانية، واللاتينية واليونانية، والإسبانية، والطليانية، والفرنسية، طبعا، وغيرها، وغيرها، والأستاذ عثمان الكعّاك هو الذي يعرف المكتبات كلها، في ليدن، في لايبسيك، وفي أسبالة، وفي لينينغراد، وفي القرويين، وفي الجزائر، وفي العطّارين، وفي زنجبار، وفي الوقواق، قلّ أمثاله في العالم». وعندما أصر بعض الشيوخ على تحديد الشهر برؤية الهلال العينية وترك الأجهزة الصنعيائية المتطوّرة لأنّنا أمّة أمّية، تأثّر مولود قاسم وكتب مقالا يعبّر فيه عن حرقته وإخلاصه لدينه وأمته، بعلوان: أبعد أربعة عشر قرنا من نزول «اقرأ» لا نزال أمة أمّية لا نكتب ولا نقرأ؟.

كما كان رحمه الله مدركا أيضا لخبث الفرنسيين ومكرهم، فحينما خاطب الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان الرئيس الجزائري هوّاري بومدين بقوله: «إن فرنسا التاريخية تحيّي الجزائر الفتية»، قال لبومدين: «إن جيسكار ديستان يشتمنا سيّدي الرئيس»، وأضاف مخاطبا بومدين: «أفضّل أن أكون بوّابا في السوّيد على أن أكون وزيرا في حكومة ضعيفة في الجزائر». ويروى عنه أيضا أنّه رفض، وبالعزّة نفسها في الدفاع عن كرامة الدولة الجزائرية خارجيا، النزول من الطائرة في زيارة قادته إلى روسيا عام 1971م لأنّ وزير الخارجية الروسي لم يكن في استقباله، فروسيا لم يكن لديها وزير للشؤون الدينية وأوفدت لاستقباله حَفِيلا (سكرتيرا) مكلّفا بإفريقيا، فأحسّ مولود قاسم أنّ الجزائر قاطبة تهان في شخصه فقدّم استقالته للرئيس هوّاري بومدين، لكنّ الرئيس رفضها.

كانت ملتقيات الفكر الإسلامي منصّات، تشهد معارك فكرية ونقاشات تستمر لساعات وتمتدّ لأيام، كان فيها نايت بلقاسم فارس الفكر والحوار، والرجل الواعي الذي ينظر إلى بعيد، حيث كان يجمع عن وعي بين المسلمين وبين الشيعة والمسيحيين، ويدعو طلبة العلم من مختلف الدول الإسلامية، ويحثّهم على التعبير عن آرائهم والكشف عن أفكارهم حتّى ولو لم تعجب مدير جلسات الحوار، روى الأستاذ بلعلام عن صديقه مولود أنّه في إحدى الملتقيات التي عقدت في 1972م حضر زهاء 1800 طالب وأكثر من 150 باحث وأستاذ، منهم 70 محاضرا، وحضر بومدين جلساته، فإن قس لبنان ميشال حايك الذي دعته الجزائر بعد إلحاح منه تناول الكلمة واتّهم فيها المؤتمرين بالتقوقع على أنفسهم، فردّ عليه مولود قاسم ردّا قاسيا قائلا «وجودك بيننا أكبر دليل على أنّنا لسنا متقوقعين لأنّك لم تكن مرحبا به ودعوناك بعد إلحاح، وأمامك في القاعة مئات الأساتذة المسيحيين من مختلف دول العالم، في هذا التوقيت الذي يعقد فيه مؤتمر مواز لنا وهو مؤتمر الشباب المسيحي في ستوكهولم، وأتحدّاك أن تسمّي لي اسم فرد واحد سواء كان أستاذا أو طالبا دعاه المؤتمر» فما كان من ميشال حايك إلاّ أن لاذ بالصمت. يروى أن مولود قاسم كان له الفضل في إقناع الإباضيين في الجزائر بضرورة إقامتهم لصلاة الجمعة التي لم يكونوا يؤدّونها استنادا إلى مبادئ المذهب الذي يُسقط صلاة الجمعة في الحرب وفي غياب الإمام العادل، فقام مولود قاسم بزيارة إلى ولاية الواحات (غرداية) كما كانت تسمى يومها والتقى كبار فقهاء المذهب الإباضي وشيوخه وكان منهم الشيخ بَيّوض رحمه الله وناقشهم في الموضوع، واستطاع أن يقنعهم بإعادة إقامة صلاة الجمعة، والإباضية اليوم في الجزائر يعودون في الكثير من المسائل الفقهية إلى رأي المالكية.

تعليق

الاسم الأصلي الكامل للأستاذ، هو: مولود بن محمد وُسْعِيد نايت بلقاسم. أما اسم «قاسم» فقد استعاره أثناء حرب التحرير والنضال السياسي في حزب الشعب الجزائري. أمّا زملاؤه وأصدقاؤه فكانوا يلقّبونه باسم «سي المولود» و«سي» تلحق في العادة أسماء العلماء وحفظة القرآن الكريم.

مراجع

  • التأصيل الثقافي لدى مولود قاسم نايت بلقاسم. أطروحة رَبازية في الفلسفة العملية والممارسات الثقافية، من تقديم الطالبة: خيرة فارح، بإشراف الربيز: لخضر حموم. جامعة: عبد الحميد بن باديس، مستغانم. الجزائر.
  • أقنع الإباضيين بإقامة الجمعة وجمع بين السنة والشيعة في ملتقيات الفكر الإسلامي. echoroukonline.com