أطلق عالم النفس الألماني «كورت لوين» 1977 Kurt Lewin على الفئات المِهْنِية التي اضطلعت بدور الحارس على الذاكرة الجماعية والتي تحدّد شكل المعلومات التي تصل إلى الجمهور ومضمونها اسم «حُجّاب» أو «حُرّاس الرِّتاج» ويُفسّر «لوين» ذلك على النحو التالي: «على طول الرحلة التي تقطعها المادّة الإعلامية حتّى تصل إلى الجمهور نِقاط أو رُتُج يتمّ فيها اتّخاذ قرارات بما يدخل وبما يخرج، وكلّما طالت المراحل التي تقطعها الأخبار حتّى تظهر في وسيلة إعلام، ازدادت المواقع التي يصبح فيها من سلطة فرد أو عدّة أفراد تقرير ما إذا كانت الرسالة ستُنْقَل بالشكل نفسه أو بعد إدخال تغييرات عليها، والشخصيات التي تملك بحكم عملها سلطة التقرير، تصبح لها أهمّية كبيرة في انتقال المعلومات.. إنّ فهم وظيفة الرِّتاج يعني فهم المؤثّرات أو العناصر التي تتحكّم في قرارات الحاجِب، ويتمتّع أولئك الحُجّاب بالحقّ في فتح الرِّتاج أو غلقه أمّام أية رسالة تأتي إليهم، كما أنّ من حقّهم إجراء تعديلات على الرسالة التي ستمرّ».
يخضع عمل الحجّاب أو القائمين على الإعلام لاعتبارات ثقافية وأمنية، ويقوم القائمون على الجرائد بقولبة آراء المراسلين الصحافيين والمحرّرين ومواقفهم مع سياسة الجريدة أو وسيلة الإعلام أو القائمين عليها، وعلى ذلك يبقى الفرد جاهلا لبعض الأشياء نظرا لأنّ وسائل الاتصال لا تستطيع أن تخبره عن جميع الأحداث، فهناك مجموعة من حرّاس الرُّتُج تقف في جميع مراحل السلسلة التي يتمّ بمقتضاها نقل المعلومات، وهؤلاء يتمتّعون بالحق في فتح الرِّتاج أو غلقه أمّام كلّ رسالة تمرّ عليهم، ويرى الباحث «وارن بريد» أنّه «في بعض الأحيان قد لا يقوم القائم بالاتصال بتلحيص كامل للأحداث التي تجري حواليه، وليس هذا الإغفال ناتجا عن تقصير أو أنّه عمل سلبي، بل إنّ القائم بالاتصال هو الذي يغفل أحيانا عن تقديم بعض الأحداث ويكون ذلك القرار نابعا من ضميره إحساسا منه بالمسؤولية للمحافظة على بعض الفضائل الاجتماعية أو الفردية».
من العوامل التي تؤثّر على حارس الرِّتاج الإعلامي:
1- معايير المجتمع الثقافية وقيمه وتقاليده، فالمجتمع الذي تعمل فيه وسائل الإعلام ينطوي على قيم ومبادئ فهو يعمل على إقرارها والمحافظة عليها وعلى تقبّل المواطنين لها، وتسعى وسائل الإعلام لوضع هذا الاهتمام في عين الاعتبار.
2- عوامل ذاتية، كالتنشئة الاجتماعية والتعليم والاتجاهات والرغبات والجماعات التي ينتمي إليها الفرد مثل الجماعات التعليمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتعدّ هذه بمثابة جماعات مرجعية، يُشارك الفرد أعضاءها في الدوافع والميول والاتجاهات، وتؤثّر قيمهم ومعاييرهم في اتّخاذ قرارات الفرد أو قيامه بسلوكات معيّنة.
3- معايير مهنية كسياسة الوسيلة الإعلامية، والإزهاف وهو التأثير الصادر عن المصادر الإخبارية المتاحة كوكالات الأنباء الدولية، وكذلك علاقات العمل، فالمالكون للوسائل الإعلامية لهم القدرة على عقاب المحرّر أو فصله أو تعديل منصبه، فالخوف من العقاب وليس وقوعه هو الذي يسبب خضوع الصحافي، كما أنّ التزام الصحافي تجاه الوسيلة الإعلامية التي وفّرت له العمل يُشعِر المراسل بالاحترام لسياسة الوسيلة الإعلامية والعرفان لبعض المحرّرين لتعليمهم إيّاه، كذلك طبيعة العمل الإعلامي الذي يتّسم بالودّ والتعاون وتبادل المناقشات والأفكار، ثمّ التركيز على الأخبار كقيمة أساسية بدلا من أن يسعى الصحافيون لتحقيق الحيودة بالنسبة للسياسة الإعلامية كمقياس لحسن الآداء، ويعمل التنافس الصحافي والرغبة في السبق للتركيز على جمع الأخبار.
4- معايير الجمهور، فالقائم بالاتصال في حاجة شديدة إلى تحديد جمهوره بدقّة، وتصوّره لهذا الجمهور هو الذي يؤثّر على قراراته، من حيث سعيه إلى مرضاته ومعرفة توقّعاته وردود أفعاله لما ينشره.
ظهور الإعلام الجديد لا سيّما الإشباكي، جعل من الصعب على حرّاس الرُّتُج أن يحجبوا المعلومات عن الناس، فإذا كان الموقع الخبري الإشباكي لا يتيح مجالا لنشر تعليقات القرّاء، فإنّ القارئ يستطيع نسخ المحتوى وعُلْوان الموقع ليمرّر تعليقه من رِتاج آخر، كمواقع التواصل الاجتماعي، وهذا التغيّر في أهمّية الرِّتاج، هو الذي أفرز مفهوم «مراقبة الرِّتاج» بدلا من حراسته. وقدّمه «أكسل برونز» سنة 2005م بمعنى: التشارك في صناعة الأخبار التِّقانية. واعتبر «برونز» أنّ الإشباكة ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت للنشر رُتُجا عديدة بدلا من تلك التي كان يحرسها الصِّحافيون أو الحُجّاب، فكلّ مستعمل للإشباكة هو رِتاج بنفسه، على اعتبار أنّه هو من يختار المحتوى الذي يطالعه.