معجم المصطلحات الكبير
جَرْمَدة
الحتاكة

ظاهرة التغيّر الدوري ارتفاعا وانخفاضا لمستوى مياه البحار والمحيطات في منطقة ما، الناجمة عن قوّة جاذبية القمر والشمس على الأرض، على الرغم من أنّ هذه الظاهرة قد عُرفت منذ قرون بعيدة، لأنّها أسهل حركات مياه البحر إدراكا، إلاّ أنّ التفسير العلمي لم يتوفّر لها إلاّ في زمن «إسحاق نيوتن» الذي استعمل في ذلك قانون الجاذبية، فقد بيّن «نيوتن» أنّ المحيطات تقع بين قُوى شدّ لجسمين، حيث أدّت ميوعة المياه وسهولة تشكّلها إلى تأثّرها بهذه القُوى. فمصطلح الجَرْمَدة يستعمل للدلالة على التدفّق الأفقي للمياه المتزامن مع ارتفاع وانخفاض مستوى سطح البحر، فعند المَدّ marée haute تندفع المياه في اتجاه الشاطئ، غامرة المنطقة المنخفضة من الشاطئ، وعند الجَزْر marée basse يحدث عكس ذلك، حيث تندفع المياه مبتعدة عن الشاطئ كاشفة الجزء السفلي الذي كان مغمورا.

تتأثّر الأرض بجاذبية القمر وجاذبية الشمس، إلاّ أنّ القمر هو السبب الرئيس في الحركة المتذبذبة لمياه المحيط، وذلك لقربه من الأرض مقارنة بالشمس، فحينما يكون فوق نقطة معيّنة من الكرة الأرضية، فإنّه يمارس جذبا على الكتلة المائية المحيطية في هذه النقطة، ويظهر هذا الجذب على شكل تدبّح مائي أو تحدّب أو تقبّب، بالإضافة إلى ذلك ينشأ تدبّح مائي آخر على سطح الأرض المعاكس، في النقطة المقابلة بالضبط للنقطة الأولى. اكتشف نيوتن أنّ كلا التدبّحين يتكوّن نتيجة لقوة الجاذبية، وهي قوّة تتناسب عكسيا مع مربّع المسافة بين جسمين، اللذين هما الأرض والقمر في هذه الحالة، وحيث إنّ الثقالة تضعف بتزايد المسافة، فإنّ تأثير القمر يكون أقوى على جانب الأرض القريب منه، بينما يكون التأثير أضعف بقليل على الجانب الآخر من الأرض، المعاكس له والبعيد عن القمر. إنّ جسم الأرض الصلب لا يتأثّر بهذه القُوى، غير أنّ مياه المحيط المائعة تتقبّب على الجانبين. إن انجذاب الماء نحو القبتين، يُسمّى «بموجة الجرمدة»، حيث تأخذ اسم «الجرمدة المباشرة» marée directe للنقطة الواقعة مباشرة تحت القمر، و«الجرمدة المعاكسة» marée opposée للنقطة الأخرى المقابلة للأولى؛ ومن ثَمّ فإن هذين المنطقتين هما مركز ارتفاع المياه، بينما تشهد المناطق الأبعد عنها فترة من الانخفاض في مستوى الماء. يتناوب المدّ والجزر في دورة دائمة، حيث يُسمّى التغيّر في مستوى سطح المياه الذي يفصل بين المد والجزر بسِعَة الجَرْمدة amplitude de marée, marnage، أمّا المساحة المتأثّرة بتبادل هذين التيّارين، فتُعرف «بسطح الجرمدة»، يختلف هذا السطح من منطقة إلى أخرى وَفْقا لطبيعة الشاطئ، فقد يكون شريطا ضيقا ممتدّا، أو يكون مساحة كبيرة تتجاوز عدّة إقاسات مربّعة.

 

585.jpg 

 شكل مثالي للاندفاعات الجرمدية على الأرض الناتجة عن تأثير القمر، إذا غُطّيت الأرض بعمق موحّد من الماء، فسيوجد اندفاعان للجرمدة، واحد في جانب الأرض المواجه للقمر، والآخر في الجهة الأخرى للأرض.

 

لمّا كان موقع القمر لا يتغيّر كثيرا بالنسبة إلى الأرض في يوم واحد، فإنّ تقبّب الماء في الجانبين، يظلّ في مكانه، بينما تتحرّك الأرض تحته، لهذا فإنّ الأرض ستحمل المشاهد في مدّة 24 ساعة ضمن نطاق معين إلى مياه عميقة وأخرى ضحلة بالتناوب، ففي المياه العميقة يتواجد في منطقة المدّ، وعند الابتعاد عنها يكون في منطقة الجزر، وبالتالي فإنّ المشاهد يدرك في مدى يوم واحد مدّين وجزرين. زيادة على ذلك فإنّ اندفاعات المد والجزر تتأثّر بدورة القمر حول الأرض التي تبلغ 27,3 يوما، ممّا يسبّب تأخّر الجرمدة 50 دقيقة كلّ يوم عن اليوم السابق، وفي 28 يوم فإنّ الدورة تكتمل لتبدأ دورة أخرى. تؤثّر الشمس على الجرمدة، ولأنّها بعيدة فإنّ تأثيرها أقل من تأثير القمر، فجاذبية الشمس تغيّر مستوى السَّطْحر (سطح البحر) بأقلّ من نصف (0,45) ما تفعله جاذبية القمر، فعندما يكون القمر والشمس في خطّ واحد، يترتّب عن ذلك اجتماع قوّة جذبهما، وعليه فإنّ المدّ يكون أعلى والجزر أخفض، وتُسمّى هذه الجرمدة بالربيعية marée de vive-eau أو المدّ العالي، حيث ينتج عنها أكبر سِعة جرمدية في اليوم الواحد. على العكس من هذا، فحينما تكون جاذبية الشمس بزاوية قائمة مع جاذبية القمر على الأرض، فإنّ تأثيرهما على الأرض يكون قليلا، وتكون السِّعَة الجرمدية عند حدّها الأدنى، وتُسمّى هذه الجرمدة بالمَحاقية marée de morte-eau أو المدّ المعتدل.

 

586.jpg

 

علاقة القمر والشمس بالأرض. (1) الجرمدة العليا، (2) الجرمدة المحاقية.

 

تؤثّر الجرمدة على حركة دوران الأرض، حيث تتباطأ بمعدّل قليل جدّا، بقيمة ثابتة وضئيلة، تقدّر بزهاء ثانية في 120 إسان (ألف سنة)، وعلى الرغم من ضآلة هذه القيمة، فإنّها على مدى أبلاف السنين من الآن، قد تفقد الأرض تعاقب الليل والنهار، لذلك كانت الأيّام أقصر عبر الزمن الحتاكي وعددها أكثر. فقد بيّنت الدراسات على المستحاثات المرجانية في العيّنات جيّدة الحفظ، انّه قبل 350 بِسان (بَلْف سنة) كانت السنة تقدّر من 400 إلى 410 يوم، فيما كانت 390 يوم قبل 280 بسان. وقد تمّ التعرّف على عدد الأيام من خلال لُحَك النمو اليومية على المرجان والأصداف البحرية، وتتّفق هذه الأعداد مع معدّل الإبطاء في دوران الأرض.

 

تعليق

الجَرْمَدة، كلمة منحوتة من جَزْر ومدّ، بمعنى ظاهرة المدّ والجزر.

لغة كلزية

tide
لغة فرنسية

marée
مراجع

  • الأرض : مقدّمة للجيولوجيا الطبيعية. تأليف: ادوارد جي. تاربوك، وفريدريك ك. لوتجنز، ترجمة الربيز: عمر سليمان حمودة، الربيز: البهلول علي اليعقوبي، الربيز: مصطفى جمعة سالم. منشورات مجمع الفاتح للجامعات، 1989م. ليبيا.