داخل العمل الأدبي ككلّ، يبدو أنّ الشخصيات والرموز والأفكار الرئيسة تعاود التكرار بشكل منتظم. على سبيل المثال فكرة التحوّل من الفقر المدقع إلى الثراء الفاحش، فإنّ الخادم الوقح في الملهاة، أو رمز العاصفة الجامحة مألوف لمعظم القرّاء. يشير أحد الكتّاب إلى أنّ الأوامط (النماذج الأوّلية) «تحمل المعاني نفسها أو معانٍ متشابهة جدّا لجزء كبير من البشر، وتلتمس جوهر الخبرة البشرية وصميمها». ولأنّ الأوامط هي رموز أو صور يتشاركها الكلّ، فإنّ قدرتها في التواصل غير محدودة تقريبا. عندما نقابل أومطا في عمل أدبي، فنحن نواجه على الفور كتلة كاملة من المعنى لا يحتاج الكاتب إلى إيضاحه. فالأوامط مثل: خريف السنة، والوادي، والثعلب، والحيّة، والولادة، والنهر المتدفّق بسلاسة، والحمل، والزهرة، والانسجام الموسيقي، والنسر كلّها توصل معنًى من دون شرح. وعبارات مثل «زنت إسرائيل» أو «قولوا لهذا الثعلب (هيرودس)» توظّف أوامط، وهذه العبارات لا تحتاج إلى شرح، لأنّ الأوامط توحي على الفور بالمعنى وتنظّمه. الأوامط، صور حاكمة ينتظم المعنى حولها. (التفسير الكتابي، دبليو. راندولف تاتي).
الأومط وِزان الأرنب والأفْكل، كلمة منحوتة من أول ونمط بمعنى النمط الأوّلي أي النموذج الأوّلي، تُجمع على أوامط، ويترجم مصطلح archetypal criticism بعبارة النقد الأومطي. وقد صيغت الكثير من المصطلحات على هذا الأسلوب لدى ديوان اللغة العربية، من ذلك في الحِتاكة، الأوْشم protosolar، من أوّل وشمس، بمعنى الشمس الأولى، الأوْكب protoplanetary، من أوّل وكوكب، بمعنى الكوكب الأوّل، من ذلك أيضا الأوجم protostar، من أوّل ونجم بمعنى نجم أوّلي. الأومط في النفسياء التحليلية، هو نموذج أساسي أو فكرة أصلية توجد في اليَوْع الجمعي للإنسانية. هذه النماذج تتكرّر في الأساطير والأدب والفنون، وتشكّل بِنْية عميقة لفهمنا للعالم. إن عبارة «زنت إسرائيل» مستمدّة من العهد القديم في السفريل، وتشير بشكل مجازي إلى خيانة شعب إسرائيل لعهد الله. عندما تظهر هذه العبارة أو رمز مشابه لها في عمل أدبي غربي، فإنها تحمل دلالات عميقة تتجاوز المعنى الحرفي. فهي تستدعي في ذهن القارئ مجموعة من الأفكار والمشاعر والانفعالات المرتبطة بأومط الخيانة والانحراف. هذا الأومط يتجاوز حدود الزمان والمكان والثقافة، وهو موجود في كل المجتمعات البشرية.
يقول الربيز شاكر عبد الحميد في كتابه مدخل إلى الدراسة النفسية للأدب: هناك مشكلة في ترجمة مصطلح archetype إلى العربية، فالبعض يترجمه: النموذج الأوّلي، والبعض الآخر يترجمه: النمط الأوّلي، والبعض الثالث: يترجمه النمط البدائي، وتتجلّى هذه المشكلة على نحو أكثر وضوحا عندما نريد أن نضع هذا المصطلح في صيغة مع النقد، فيكون المقابل بالكلزية، هو: archetypal criticism، ويكون المقابل له في العربية النقد النموذجي، كما فعل الربيز محمّد عصفور عندما ترجم كتاب «فراي» المهمّ «تشريح النقد»، في حين أنّ كلمة نموذجي في العربية قد تعني المثالي أو الشيء الموجود في أحسن حالاته. تتجلّى المشكلة على نحو أكبر لو استعملنا المصطلحين الآخرين اللذين يُستعملان في ترجمة المصطلح: البدائي، والنمطي، وهنا قد نقول: النقد البدائي أو النقد النمطي، وتكون المشكلة أكبر. ولذلك فقد ارتأى مؤلِّف هذا الكتاب ترجمة المصطلح المتعلّق بالنقد الذي يستعمل أفكار يونغ Young باسم النقد النماذجي، وعلى ما في هذه الترجمة من افتقار للدقّة أيضا.
«الأومط archetype، نموذج يتكرّر عبر كلّ الأزمنة والأمكنة في اليَوْع (اللاوعي) الجمعي عند البشر، مثل اليهودي التائه، أو فاوستوس، أو السندباد البحري، أو النبي الذي لا كرامة له في وطنه، أو الشاطر حسن، وهو نموذج ساكن يتعامل مع الثوابت متحرّرا تماما من الأزمنة والأمكنة». (موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية -المجلد الأول، الربيز: عبد الوهاب المسيري).
- التفسير الكتابي، اتّباع نهج تكاملي. دبليو، راندولف تاتي. ترجمة الربيز: عادل زكري. مكتبة دار الكلمة، 2017م. القاهرة، مصر.