تاجيس، إله أُتْروري من آلهة العالم السفلي. ظهر لأحد الفلّاحين بالقرب من ترقينيا Tarquinia نابتا من أحد الأثلام التي شقّها ذلك الفلّاح في هيئة طفل صغير ممتلئ بالحكمة والعقل، وقدّم نفسه على أنّه أحد أحفاد جوبيتير، ولمّا اجتمع الأترور حوله علّمهم العِرافة من حكمته التي اُشتهروا بها فيما بعد وسُجلّت في كتبهم المقدّسة، وهي قراءة الطالع عن طريق تفسير الدلالات الكامنة في أحشاء الحيوان المقرّب إلى الآلهة، وقد أخذ عنهم الرومان هذه المعرفة. ثم اختفى تاجيس بعد أن أدلى بتعليماته. لم يكن تاجيس إلها تقليديا بقدر ما كان كائنا نصف إلهي يتمتّع بحكمة نادرة. يُعتبر واحدا من أهمّ الشخصيات في الأساطير الأترورية نظرا لدوره في نشر العِرافة، التي كانت أساسا هامّا للدين والسياسة في حضارة الأترور. يُعدّ ظهوره وتقديمه لهذه المعرفة بمثابة لحظة تأسيسية مهمّة في تقاليدهم الدينية. العلم الذي علّمه تاجيس للأترور هو الحِشاوة haruspicy، التي ترتكز على تفسير الأحشاء الحيوانية لفهم إرادة الآلهة والتنبؤ بالمستقبل، لا سيمّا شامات الأكباد. هذه الممارسة كانت جزءا من الطقوس الأترورية المقدّسة، احتفظوا بها في ما يُعرف بـكتب العرافة الأترورية، التي شكلت إرثا ثقافيا ودينيا هامّا.
عندما توسّعت روما وسيطرت على أتروريا، تأثّر الرومان بالديانة والعادات الأترورية تأثّرا شديدا. نُقل هذا العلم إلى الرومان وأصبح جزءا من تقاليدهم الدينية، حيث اعتمدوا الحشاوة في تحديد مصير الحروب، والمشاريع العامّة، وحتى القرارات السياسية، وأصبحت الأكباد الحيوانية المقدّمة للآلهة رمزا بارزا في الممارسات الرومانية. ظهور تاجيس من الأرض يرمز إلى العلاقة القوية بين الأترور والطبيعة، لا سيّما الأرض باعتبارها مصدر الحكمة والإلهام. الأرض في هذه الأسطورة ليست مجرد مصدر للغذاء، بل هي كيان حي يمكن أن يُظهر الكائنات الحكيمة والإلهية. وجود تاجيس كطفل ممتلئ بالحكمة، إشارة إلى أنّ الحكمة لا ترتبط بالسنّ، بل تأتي من القوى الطبيعية والإلهية. بعد أن قام تاجيس بنقل معرفته إلى الأترور، اختفى بشكل مفاجئ. هذا الاختفاء يرمز إلى الفكرة الأترورية بأنّ الحكمة الإلهية تأتي وتذهب، وأنّه يجب على الإنسان أن يأخذ الحكمة عندما تكون متاحة. يبقى هذا الغموض جزءا من جاذبية الأسطورة، حيث إنّ تاجيس يُعتبر مُرسلا إلهيا ظهر في لحظة حرجة ليزوّد البشرية بمعرفة ثمينة. النصوص التي دُوّنت فيها تعاليم تاجيس، تُعرف عند الرومان باسم etrusca disciplina. هذه النصوص كانت بمثابة الأساس للدين الأتروري وتُعتبر من أهمّ المراجع المتعلّقة بالعرافة والكهانة. نقل الرومان بعض هذه الكتب إلى لغتهم وثقافتهم، ممّا ساعد في الحفاظ على هذه الممارسة عبر التاريخ.
تاجيس tages إله أتروري، ارتبط اسمه بالحكمة والعرافة، تأثيل الاسم على قواعد الاستفان يعطينا sage-s بقاعدة التصاقب بين الحرفين «s» و«t»، وهذا الاسم هو sage نفسه بمعنى الحكيم في الفرنسية، ولما كان الحرف «g» من حروف التزوّح أي الحروف التي تنزاح عن موضعها الأصلي دائما، تصبح الصيغة الأصلية للاسم هي gase بمعنى «قاس» أي قدّر ووازن وهذا هو الفعل guess نفسه في الكلزية بمعنى يخمّن. يتماشى هذا التأثيل مع دوره في الإسطارة الأترورية. حيث إن الفعلين يتقاطعان في معنى الحدس والتقدير. بهذا المعنى، فإنّ Tages يرتبط بدلالات التنبؤ والحكمة، ويصبح الاسم إشارة إلى العرافة والعلم بالبواطن، وهو ما يتّفق مع كونه إله العِرافة والحِواثة لدى الأُتْرور.
معجم الأساطير اليونانية والرومانية. ترجمة وإعداد: سهيل عثمان، عبد الرزاق الأصفر. القسم السابع. الأداب الأجنبية، مجلّة فصلية تصدر عن اتّحاد الكتّاب العرب بدمشق. الجزء 4، السنة 4.