معجم المصطلحات الكبير
إراسة
العلوم السياسية

طالما أدّت الإراضة دورا مهمّا في الشؤون الإنسانية، فقد رسمت هوّية وطابع وتاريخ الدول -الأمم، وساعدت، كما أعاقت نموّها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وأدّت دورا مهمّا في علاقاتها الدولية. الإراسة أو الإراضة السياسية، هي دراسة تأثير العوامل الإراضية في سلوك الدولة -الأمّة، وكيف يحدّد موقعها ومناخها ومواردها الطبيعية وسكّانها وطبيعة أرضها خيارات سياستها الخارجية، وموقعها في هرمية الدول التراتبية أيضا. وَضَع مصطلح الإراسة geopolitics رودولف كيلن، وهو عالم سياسي سويدي، في عام 1899م، بيد أنّه لم ينتشر إلاّ في الثلاثينيات من القرن العشرين، حين تنبّهت مجموعة من الإراضيين السياسيين الألمان، وبوجه خاصّ الميجر جنرال المتقاعد الدكتور كارل هوشهوفر في دائرة الإراضة بجامعة ميونيخ. كان ارتباط هوشهوفر عبر رودلف هس مع أدولف هتلر هو الذي جذب اهتمام العالم إلى هذا المفهوم، حينما أمّن هتلر السلطة لنفسه وللحزب النازي خلال العام 1933م، كما اهتمّ العديد من المفكّرين في الغرب وروسيا والصين واليابان بالإراضة السياسية باعتبارها علم صناعة الدولة، وطريقة تفكير من خلال الأهمّية المفترضة للعوامل الإراضية في العلاقات الدولية.

انطلاقا من كونها حقلا للدراسة، استوحت الإراسة أعمال مفكّرين أساسيين في القرن التاسع عشر، هما: ألفرد ماهان (1840- 1914م)؛ وسير هالفورد جون ماكندر (1861- 1947م). لكن يمكن لفت الانتباه إلى تأثير الرائد الألماني في مجال الإراسة فريدريتش راتزل (1844- 1904)، والإراضي الفرنسي بيار فيدال دي لا بلاش (1845- 1918م). كتب ماهان في نهاية القرن التاسع عشر ليقول إنّ القوّة البحرية كانت أساس قوّة الدولة. إنّ الدولة التي تسيطر على أعالي البحار (كما فعلت بريطانيا في ذلك الوقت) بإمكانها أن تسيطر على العلاقات الدولية. بيد أنّ المقدرة على تحقيق سيطرة كهذه تعتمد على قوّات بحرية كبيرة ومسلّحة تسليحا جيّدا، وعلى شواطئ طويلة وموانئ مناسبة. في عام 1919م، قدّم سير هالفور ماكندر موازيا إقليميا لنظرية ماهان (تخلّى عنه في عام 1943م). تحدّث ما كندر عن نظرية تسمّى «نظرية الأرض الداخلية»، قائلا: إنّ الدولة التي تسيطر على الأراضي بين ألمانيا وسيبيريا سيكون بإمكانها أن تسيطر على العالم.

وكما قال ماكندر في جمل لا تنسى:

  • - من يحكم أوروبا الشرقية يحكم الأرض الداخلية؛
  • - من يحكم الأرض الداخلية يحكم الجزيرة كلّها؛
  • - من يحكم الجزيرة العالمية يحكم العالم.

على الرغم من ارتباطها بالسياسة الخارجية لألمانيا النازية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين (كان هتلر مهووسا بتوسيع «منطقة حياة» ألمانيا)، فإنّ الإراسة مجال استقصاء جدّي. تتضافر مختلف أبعاد الإراسة حول أهمّية موقع الدول على الخريطة العالمية، فالدولة التي تنحشر بين دولتين أخريين ستحمل أهدافا في سياستها الخارجية مختلفة تماما عن الدولة التي يحيط بها البحر أو حواجز طبيعية أخرى. غالبا ما قيل على سبيل المثال إنّ النزاعات الانعزالية في السياسة الخارجية الأمريكية مرتبطة مباشرة بالمسافة التي تفصلها عن أوروبا، وأنّ المحيطين الأطلسي والهادئ كانا يؤمّنان دفاعات طبيعية (قبل اختراع الأسلحة النووية). يُفسِّر هذا الأمر أيضا التشديد الذي وضعته الولايات المتّحدة على القوّة البحرية في السنوات المئة الأخيرة تقريبا، وفي المقابل، إنّ موقع روسيا على أطراف الغرب وافتقارها إلى الحدود الآمنة يساعد في فهم علاقاتها الصعبة تاريخيا مع الغرب. بالنسبة إلى المحلّلين الإراسيين، ثمّة صلة مهمّة بين الموقع والثروة والقوّة، فالدول الواقعة في مناطق ذات المناخ المعتدل تنزع إلى أن تكون أكثر قوّة اقتصاديا وعسكريا وغيرها من الدول، وهي قادرة على إنتاج مجموعة منوّعة من المنتجات الزراعية ما يسهّل استخراج مواردها الطبيعية. في الوقت ذاته، تجد الدول الواقعة حول الساي (خط الاستواء)، أو في مناطق باردة جدّا من الكُراضة (الكرة الأرضية)، تنزع إلى أن تكون متخلّفة اقتصاديا ودائما تحت رحمة بيئتها الطبيعية.

يؤثّر المناخ أيضا في مقدرة الدول على خوض الحروب، والمثال الممتاز على ذلك هو أعداد الجنود الفرنسيين والألمان الكبيرة الذين تجمّدوا حتّى الموت، بينما يحاولون غزو روسيا في القرنين التاسع عشر والعشرين. بالإضافة إلى ذلك، يؤثّر المناخ في الأرض، وهذه بدوره يحمل انعكاسه على طريقة خوض الحرب. الصحارى والأدغال وصفوف الجبال تحتاج كلّها تدريبات خاصّة وتجهيزات، وبإمكانها إمّا أن تفيد الجيش، وإمّا أن تسبّب له هزيمة نكراء. وكذلك، فإن الموقع يحمل معه تبعات سنافية (استراتيجية) مهمّة. لننظر مثلا إلى التفوّق الواضح الذي تتمتّع به دولة تسيطر على منابع نهر كبير بالنسبة إلى جارتها الواقعة في أسفل النهر. لن تختلف أهداف السياسة الخارجية لدى كلّ من الدولتين وحسب، طبقا لموقع كلّ واحدة منهما على نظام النهر، بل سيؤدّي ذلك أيضا إلى ردود سنافية مختلفة في حال وقوع أزمة عسكرية. الاعتقاد الكامن في قلب التحليل الإراسي، هو أنّ المقدرة الاقتصادية والعسكرية لدى الدول وموقعها في التراتبية الهرمية بين سائر الدول وكيف تتعاطى مع جيرانها هي نتيجة عوامل إراسية. في العلاقات الدولية، تكون الإراضة هي القدر ذاته، ولكن، من المهمّ أيضا ألاّ نقع في فخّ حصر مجال معقّد من الاستقصاء، كمجال العلاقات الدولية بعامل واحد. ثمّة طرق كثيرة لتفسير سلوك دولة ما، والإراسة هي إحداها. كما إنّ بعض المفكّرين يقولون إنّ الإراسة قد عفا عنها الزمن في القرن الحادي والعشرين، وحلّت محلّها «السياسات الزمنية». إنّ القيمة السنافية التي يتمتّع بها «اللامكان» الخاص بالسرعة قد حلّ محل المكان بعدما ضغطت وسائل الاتّصال التِّقانية (الإلكترونية) ووسائل النقل السريعة الزمان والمكان معا. (المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. مارتن غريفيش، تيري أوكالاهان).

تعليق

الإِراسة، كلمة منحوتة من إراضة وسياسة، بمعنى الإراضة السياسية. وهي دراسة تأثيرات الإراضة من الناحيتين المادّية والبشرية على السياسة الدولية والعلاقات الدولية. إنها طريقة لدراسة السياسات الخارجية لفهم وشرح وتوقع السلوك السياسي الدولي من خلال المتغيّرات الإراضية. وتشمل هذه الدراسات النواحي الإقليمية والمناخ والتضاريس والبرنسة (الديموغرافيا) والموارد الطبيعية.

التمييز بين الإراسة géopolitique والإراضة السياسية géographie politique والإرافة géostratégie أو الإراضة السنافية، ليس واضحا، وهو يخضع للنقاش وحتى الجدال بين المؤلفين المختلفين. طُوِّرت الإراضة السياسية، التي ظهرت لأول مرة في القرن التاسع عشر الميلادي، من لدن علماء من دول شمال أوروبا مثل الألماني «فريدريش راتزيل» Friedrich Ratzel والسويدي «رودولف كيلين» Rudolf Kjellén. يُعرّف الربيز، محمد أحمد عقلة المومني الإراضة السياسية بقوله: «العلم الذي يتناول بالدراسة والتحليل التكتّلات الكبرى والدول والأقاليم والوحدات السياسية، بإبراز أثر العوامل الإراضية في قيمة وحدة الدراسة واتجاهاتها السياسية وسلوكها في التعامل السياسي محليا وإقليميا بسواء».

مترادف

جيوسياسية

جيوبوليتيك

جغرافيا سياسية

إراضة سياسية

لغة كلزية

geopolitics
لغة فرنسية

géopolitique
مراجع

  • المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. مارتن غريفيش، تيري أوكالاهان. مركز الخليج للأبحاث، 2008م. دبي، الإمارات العربية المتّحدة.
  • الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك في القرن الواحد والعشرين. محمد أحمد عقلة المومني. دار الكتاب الثقافي، 2005م. إربد، الأردن.