معجم المصطلحات الكبير
إعْجام
الكِتابة

إلحاق النقط بالحروف لتمييز المتشابه منها عن بعضها بعضا بقصد صحّة القراءة. ورثت الكتابة العربية عن أمّها النبطية الخلو من الشكل والإعجام، ولم يكن ذلك في العصر الجاهلي مدعاة للقلق والتفكير، فالعرب في ذلك الوقت لم يكونوا في حاجة إلى ضوابط النقط والشكل لمكانتهم من العربية، فهم يقرؤونها كما يتكلّمونها صحيحة بالسليقة والطبع، غير أنّه لمّا جاء الإسلام وكثُر الداخلون فيه واتّسعت الدولة الإسلامية فضمّت أُمما أخرى غير العرب، خيف على كلام الله المقدّس من التحريف واللحن، فكان من الضروري أن تُبتكر وسيلة تضبط الكتابة وتمنع عنها التصحيف والتحريف، فتروي المصادر العربية أن نقط المصاحف وضبط إعراب العربية كان على يد أبي الأسود الدؤلي بأمر من زياد بن أبيه أمير العراق سنة 67، فكان الشكل الأوّل نقطا دائرية فوق الحروف للدلالة على الفتح، أو تحتها للكسر أو بجنبها للضمّ، وذلك بصبغ يُخالف لون المداد الذي يُكتب به. ثمّ جاء يحي بن يعمر العدواني، ونصر بن عاصم الليثي تلميذا أبي الأسود الدؤلي في خلافة عبد الملك بن مروان في أواخر القرن الأوّل، وقاما بوضع الإعجام، أي نقط الحروف المتشابهة الصور، وكان عجم الحروف بنفس مداد الكتابة، لأنّ النقطة جزء من الحرف، وبذلك تتميّز عن نقط الشكل التي تُكتب بالمداد الأحمر، وفي عصر الدولة العبّاسية أراد النّاس أن يجعلوا الشكل بنفس مداد الكتابة تيسيرا للأمر، فحلّ هذا الالتباس عالم اللغة الشهير الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفّى نحو سنة 170، بوضع طريقة أخرى للشكل على صورة شُرطٍ رفيعة تُرسم بسنّ القلم أعلى الحروف وأسفلها، وكذلك علامات التنوين الاصطلاحية المعروفة والهمزة، وهي العلامات التي ما زالت تستعمل إلى اليوم.

يذهب ناصر الدين الأسد إلى أنّ الإعجام كان معروفا قبل الإسلام، وفي العصر الإسلامي المبكّر، ويورد عدّة روايات تشير إلى ذلك، ويذهب إلى هذا الرأي الشيخ أحمد رضا الذي يتساءل محقّا: «كيف أنّ أبا الأسود مع تقدّم زمنه على زمن نصر بن عاصم عمد إلى وضع الشكل خوف الالتباس في إعراب الكلمات، ولم يضع النقط خوف الالتباس في الحروف، الذي هو أولى بالرفع، لأنّ تقويم أصل الكلمة مقدّم على تقويم إعرابها». كما يرى يوسف ذنون الرأي نفسه أي أن الإعجام كان موجودا قبل الإسلام، ويؤيّد ذلك وروده في رواية اختراع الكتابة من قبل الطائيين ويُنسب وضعه إلى عامر بن جدرة، ووروده أيضا في الشعر الجاهلي باسم الوشم والرقم والترقيش، ووجوده في الكتابة العربية الجنوبية، وكذلك معرفة الصحابة رضوان الله تعالى عنهم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام للإعجام بدليل تجريدهم المصاحف من النقط والشكل، وقد ذكره معاوية رضي الله تعالى عنه واقعا وابن عباس رضي الله عنهما اصطلاحا، ويزيد في تأكيد ذلك وضع نقط الشكل بلون مغاير ممّا يدلّ على وجود نقط في أصل الكتابة، وذكر التوحيدي في رسالته في علم الكتابة أنّ «الكتاب المعجم هو العربي وغير المعجم النبطي»، أمّا ما يُروى عن نصر بن عاصم الليثي ويحى بن يعمر العدواني فذلك دراستهما لوضع الإعجام الذي تعدّدت مذاهبه، فأقرّوا طريقة ارتضتها الدولة كي تعمّ، ومع ذلك لم يُكتب لها التوفيق إلاّ في المشرق، وممّا يُدعّم هذا القول وجود نمط من الإعجام في زمن عبد الملك بن مروان لم تذكره المصادر القديمة يختلف عمّا كان شائعا في المشرق وعمّا كان عليه المغاربة، وقد وُجد هذا النمط على قبّة الصخرة المؤرّخة سنة 72 وفي شواهد الطريق المعاصرة لها، حيث نُقطت القاف بنقطة واحدة من أسفل في كلمات: مستقيم، قائما، لا تقولوا، ألقاها، المقرّبون. وفي شواهد الطريق نُقط حرف الثاء بنقطتين في مثل كلمة ثمانية، وهذا كلّه يدلّ على وجود سابقة للإعجام قبل الإسلام، أمّا عدم وجوده في بعض النصوص فلا ينهض دليلا على عدمه.

مترادف

عجْم

مراجع

  • معجم الكتابة، خضير شعبان. الطبعة الأولى، 1419. دار اللسان العربي، الجزائر.
  • الخطّ العربي والمطلب اللغوي، يوسف ذنون. اللغة العربية والوعي القومي، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظّمها مركز دراسات الوحدة العربية، بالاشتراك مع المجمع العلمي العراقي، ومعهد البحوث والدراسات العربية، نيسان/ابريل 1984م. مركز دراسات الوحدة العربية.
  • المخطوطات القرآنية في المتحف الإسلامي في الحرم الشريف القدس. الربيز: خضر سلامة. الطبعة الأولى 2003. دار غارنت للنشر، اليونسكو للنشر. طبع في لبنان.