يشير مصطلح الصدمة الثقافية إلى مجموعة من المشاعر النفسية والتوتّرات الداخلية التي يعاني منها الفرد أو الجماعة عند الانتقال المفاجئ من بيئة ثقافية مألوفة إلى ثقافة جديدة وغريبة عنهم. ويحدث هذا الانتقال غالبا بسبب الهجرة، أو السفر للدراسة أو العمل، أو حتّى التنقل بين مناطق داخل الدولة نفسها إذا كانت الثقافات المحلّية مختلفة جوهريا. كان كالرفو أوبرغ Kalervo Oberg الإناسي الكندي من أصل فنلندي هو أوّل من اجترح مصطلح الصدمة الثقافية في منتصف خمسينيات القرن العشرين الميلادي، ويعرّفها بأنّها: القلق الناتج عن فقدان جميع الإشارات والرموز الاجتماعية المألوفة للتفاعل الاجتماعي (أوبرغ، 1954). وبحسب أوبرغ، فإنّ الإنسان لا يولد ومعه ثقافة، بل يُولد فقط بقدرة على فهمها واستيعابها واستعمالها. ومع مرور الوقت والنشأة في بيئة ثقافية معيّنة، يتعلّم كيف يتفاعل اجتماعيا داخل هذه البيئة، فتصبح هذه الثقافة بالنسبة إليه طريقة حياة آمنة ومألوفة وتلقائية لتحقيق رغباته واحتياجاته، وحين يُنقل إلى بيئة ثقافية جديدة، يمر بمرحلة من الارتباك والانزعاج نتيجة تغير الإشارات الاجتماعية والمفاهيم السائدة. واقترح كالرفو أوبرغ نموذجا رباعي المراحل للتأقلم مع الثقافة الجديدة: شهر العسل، الرفض، التكيّف، الإتقان. وعلى الرغم من أنّ تجارب الصدمة الثقافية سبقت أوبرغ بكثير —لاسيما بين المستعمرين والمبشّرين والمهاجرين— إلّا أنّ أوبرغ هو أول من أعطاها هذا الاسم وصاغها كمفهوم نظري متماسك ضمن الإناسة، ولاقى المصطلح رواجا كبيرا، وأصبح لاحقا أساسا في دراسات التبادل الثقافي، والاغتراب، والتأقّلم في البيئات الجديدة.
تتمثّل الصدمة الثقافية في مشاعر الارتباك، والقلق، والحيرة، وأحيانا الاكتئاب، بسبب اختلاف القيم والعادات وأنماط السلوك والتواصل بين الثقافتين. كما قد يظهر لدى الفرد ما يُعرف بالانقسام في الولاء الثقافي، حيث يشعر بالانجذاب إلى ثقافته الأصلية من جهة، والرغبة في الاندماج في الثقافة الجديدة من جهة أخرى، الأمر الذي يخلق صراعا داخليا قد يستمر لفترة طويلة. وقد ثبت أنّ أي شخص يدخل بيئة ثقافية جديدة سيتعرّض بدرجة أو بأخرى لما يُعرف بالصدمة الثقافية. ويختلف مدى تأثير هذه الصدمة من شخص لآخر، ويتحدد ذلك بناءً على عدة عوامل نوردها فيما يلي:
1- الخبرة السابقة في التفاعل بين الثقافات – كالسفر إلى بلدان ذات ثقافات مختلفة أو إقامة علاقات مع أشخاص من خلفيات ثقافية مغايرة في بلدهم الأصلي؛
2- المعرفة المسبقة بالثقافة المستهدفة – فكلما زادت معرفة الشخص بالتاريخ والعادات والشَّفاوة المحلّية، سهل عليه فهم السلوكات التي يراها؛
3- القدرة اللغوية على التواصل – كلما ارتفع مستوى إتقان اللغة الأجنبية، قلّ احتمال وقوع سوء فهم؛
4- القيم الإنسانية المكتسبة – كالتسامح، والاحترام، والانفتاح؛
5- سمات الشخصية – فالأشخاص الواثقون، المنفتحون، والاجتماعيون يجدون سهولة أكبر في تكوين علاقات تساعدهم في تفسير السلوكات الجديدة؛
6- مدى التشابه بين الثقافة الأصلية والجديدة – فكلما زادت نقاط التشابه، قلت مواقف الصدمة المحتملة؛
7- البيئة الإراضية والمناخية – الظروف المناخية أو الإراضية الصعبة (مثل الارتفاع الشديد، أو القرب من البحر، أو الطقس الحار\البارد) قد تزيد من شعور الانزعاج، ما يجعل الفرد يُسقِط هذه المشاعر على الثقافة الجديدة؛
8- الوضع الاجتماعي في البيئة الجديدة – هل تمكّن الفرد من الاندماج في الثقافة الجديدة أم أنّه يعيش في فقاعة ثقافية مغلقة على الثقافة الأصلية؟.
عملية التكيّف مع البيئة الثقافية الجديدة، تمرّ عادةً بالمراحل التالية:
1- مرحلة الانبهار honeymoon stage – في هذه المرحلة، يشعر الفرد بالدهشة والانبهار بكل جديد. يكون نشيطا ومتحمّسا، ويتفاعل مع اللغة والأشخاص بشكل إيجابي. الفروقات الثقافية تُعتبر هنا مثيرة وربما محبّبة؛
2- مرحلة الرفض أو التراجع rejection or regression stage – تظهر علامات التعب الجسدي، ومشاكل النوم أو التغذية، وقد يصادف الفرد صعوبات لغوية غير متوقعة. يفتقد عائلته وأصدقاءه ويشعر بالوحدة. تبدأ الفروقات الثقافية في الإزعاج، وتُحمّل الثقافة الجديدة مسؤولية المشكلات («كل شيء أفضل في بلدي»، «الناس هنا وقحون»).
3- مرحلة التكيّف أو التفاوض adjustment/negotiation stage – يبدأ الفرد في التكيّف تدريجيا، ينشئ جُرونا (روتينا) يوميا، يتعرّف على أصدقاء محلّيين، تتحسّن مهاراته اللغوية، ويدرك أنّ الثقافة الجديدة ليست سيئة بل مختلفة، ويبدأ في فهمها بأنماط جديدة؛
4- مرحلة الإتقان أو التمكّن mastery stage – لا يصل إليها جميع الأفراد، لكن من يقضون وقتا كافيا في الثقافة الجديدة قد يصبحون شبه محلّيين، قادرين على التنقل والعيش براحة داخلها.
يمكن التخفيف من آثار الصدمة الثقافية من خلال برامج الإرشاد الثقافي، والدورات التمهيدية قبل السفر، وتوفير شبكات دعم للمهاجرين أو القادمين الجدد، بالإضافة إلى التحلي بالصبر والانفتاح العقلي لتقبّل الاختلافات. ويمكن اتّباع الخطوات التالية للتغلّب على الصدمة الثقافية بأفضل صورة ممكنة:
- - راقب، واستمع، وتعلّم؛
- - أظهر الاحترام للثقافة الجديدة؛
- - تعلّم من الأخطاء وطبّق المعرفة المكتسبة مستقبلا؛
- - تخلَّ عن الصور النمطية والأفكار المسبقة، وافتح ذهنك لتجربة ثقافية جديدة؛
- - فهْمُك لعملية الصدمة الثقافية سيساعدك على تفسير مشاعرك؛
- - تواصل مع سكّان محلّيين يمكنهم إرشادك وتفسير المواقف غير المألوفة؛
- - لا تحكم على ما لا تفهمه فورا، بل حاول تحليله؛
- - واستمتع بالتجربة!