معجم المصطلحات الكبير
نَوْجَس
الاجتماع

هو ما نتوقّعه من سمات وسلوكات اجتماعية وثقافية ونفسية، عند الجنسين ينظر إليها على أنّها ملائمة لأعضاء مجتمع معيّن. وقع إهمال النوجس (النوع الجنسي) كثيرا كموضوع في علم الاجتماع، حتى نبّه إلى ذلك رصيد من الدراسات الميدانية والنظرية النسوية منذ الستينيات من القرن العشرين، والذي ذكر وجود أنواع ضخمة من اللامساواة بين الرجال والنساء، حتى في المجتمعات الحديثة. نظر علم الاجتماع «الكلاسيكي» إلى النظام الموجود الذي يهيمن فيه النوجس الذكوري على أنّه أمر مسلّم به كثيرا جدّا كما هي الحال، مثلا، في المدرسة الاجتماعية الوظيفية التي تنظر إلى أنّ الفروق في النوجس كانت متجذّرة في الحاجات الوظيفية للمجتمع مثل الأدوار «التعبيرية العاطفية» expressive التي تؤدّيها النساء في المنزل مقارنة بالأدوار الأداتية instrumental التي يؤدّيها الرجال في الاقتصاد الرسمي. تحدّت الدراسات النسوية هذه اللامساواة الطبيعية ظاهريا مبيّنة أنّ هيمنة الذكور هي أكثر شبها بهيمنة الطبقة. على الرغم من ذلك، استعمل بعض المنظّرين مفاهيم ونظريات اجتماعية موجودة لتفسير اللامساواة النوجسية مثل التنشئة الاجتماعية ونوع من نظرية النزاع. ففي السنوات الأخيرة،نُظِر إلى مفهوم النوجس نفسه على أنّه جامد للغاية، في حين رأى بعضهم أنّ النوجس هو مفهوم غير ثابت كثيرا، أي إنّه في سيرورة تغيّر دائمة.

يشير النوجس في علم الاجتماع إلى الفروق النفسية والاجتماعية والثقافية بين الذكور والإناث، بينما تعني مفردة الجنس sex الفروق التشريحية والعضوية في جسمي الذكر والأنثى. فالتمييز بين الجنس والنوجس أمر أساسي، لأنّ الفروق الكثيرة بين الذكور والإناث ليست حِياوية (بيولوجية) في الأصل. يجادل معظم علماء الاجتماع في أنّ ليس هناك دليل على الآليات التي تربط القُوى الحياوية بالسلوك الاجتماعي المعقّد والمتنوّع الذي يظهره البشر، ما يعني أن النوجس هو بناء اجتماعي معقّد.

يرى بعض علماء الاجتماع أنّ التنشئة الاجتماعية للنوجس (تعلّم أدوار النوجس عبر وسائط اجتماعية مثل الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام) تساعد في تفسير الفروق الملاحظة بين الجنسين. فمن خلال عملية التنشئة الاجتماعية، يستبطن الأطفال المعايير الاجتماعية والتوقّعات من جنسهم الحِياوي، وبهذه الطريقة فالفروق بين الجنسين تقع إعادة إنتاجها ثقافيا ومن ثمّ تتم التنشئة الاجتماعية للرجال والنساء في أدوار مختلفة. فالألعاب والملابس والأدوار النمطية في الرَّناة (التلفزيون) والأقلدة (الأفلام) وألعاب الهِناسة (الفيديو) كلّها أمثلة للتشجيع الثقافي على التصرف وَفْقا لتوقّعات النوجس. تجادل دراسات حديثة في أنّ التنشئة الاجتماعية للجنسين ليست أمرا بسيطا أو عملية ذات اتجاه واحد لأنّ الناس ينخرطون فعليا في هذه العملية ويستطيعون رفض أو تعديل التوقعات، الأمر الذي يجعل التنشئة الاجتماعية بطبيعتها غير ثابتة ومفتوحة للتحدي.

يُرفض أيضا الفرق الرئيس بين النوجس والجنس من طرف بعض علماء الاجتماع باعتبار أنّ ذلك أمر خادع، مشيرين إلى أنّ هناك لبّا حِياويا تغطّيه الثقافة بعدها بالفروق بين الجنسين، فبدلا من النظر إلى الجنس على أنّه محدَّد حِياويا وإلى النوجس على أنّه مكتسب ثقافيا، يرى بعضهم الآن أنّ الجنس والنوجس هما بناءان اجتماعيان. فليست الهوّية النوجسية فحسب شيئا خاضعا للقُوى الاجتماعية التي تعمل على تشكيلها وتغييرها بل الجسد البشري نفسه خاضع لذلك أيضا. يختار الناس بناء وتجديد بناء أجسادهم كما يشاؤون تقريبا ابتداء من استعمال التمرين الرياضي والحمية وثقب الأذنين والأزياء الشخصية إلى الجراحة التجميلية وعمليات تغيير الجنس. فهوّيات النوجسَيْن والفروق في الجنس مرتبط بعضها ببعض بطريقة لا انفصام فيها داخل الأجسام البشرية الفردية وأصبح شبه مستحيل فصل الحِياوة عن الثقافة.

طرحت كونل R. W. Connell أحد أكثر التفسيرات الكاملة للنوجس، مدمجة هيمنة الذكور (البطريركية) في العائلة والذكورة masculanity في نظرية للعلاقات بين الجنسين. تجادل كونل في أنّ العمل والسلطة\القوّة وفي تركيز الطاقة النفسية أو شحن الطاقة النفسية cathexix (العلاقات الجنسية\الشخصية) هي أمور متمايز بعضها من بعض لكنّها أجزاء مترابطة للمجتمع يعمل بعضها مع بعض وتتغيّر في علاقة بعضها مع بعض. تشير كلمة العمل إلى التقسيم الجنسي للعمل في كلّ من المنزل وفي سوق العمل. تعمل السلطة\القوّة من خلال العلاقات الاجتماعية مثل السلطة\السلطان والعنف والذهنياء (الأيديولوجيا) في المؤسّسات والدولة والنظام العسكري والحياة المنزلية.

يتمثّل تركيز الطاقة النفسية في حركة قوية داخل العلاقات الحميمة والعاطفية والشخصية بما فيها الزواج والحياة الجنسية وتربية الأولاد. ففي قمّة نظام النوجس، توجد الذكورة التي تقع ممارستها من خلال الثقافة التي تمتدّ إلى الحياة الخاصّة والمجالات الاجتماعية. تقترن الذكورة المسيطرة في المقام الأول بالجِنسانية الغيرية heterosexuality والزواج، ولكن أيضا بالسلطة\السلطان والعمل مقابل الأجر والقوّة البدنية وصلابة عود الجسد. على الرغم من أنّ عددا قليلا فقط من الرجال يمثّل هذه الصورة النمطية، إلّا أنّ عددا كبيرا يكسب امتيازات منها. ففي نظام النوجس الذي تهيمن فيه الذكورة ينظر إلى البَزْو (الذكر المثلي) على أنّه في الاتجاه المعاكس «للرجل الحقيقي». تتعرّض البَزاوة الذكورية (الذكورة المثلية) إلى الوصم وتصنّف في أسفل التدرّج النوجسي الهرمي للرجال. وتنشأ التوجهات النسوية كلّها في مواقع دونية للذكورة المهيمنة، فالنساء اللائي أنشأن هُوّيات وأساليب حياة غير دونية يتمثّلن في النساء ذوات التوجّهات النسوية والبَزَوات (المثليات جنسيا) والعانسات والقابلات والساحرات والمومسات والعاملات اليدويات، لكنّ تجارب هؤلاء المقاومات النسويات هي عموما «مخفية من التاريخ».

جادل كثر من المنتقدين في أنّه على الرغم من أنّ الذكورة المهيمنة تبدو واضحة إلى حدّ كبير، إلّا أنّ كونل لا تقدّم فعلا تفسيرا مرضيا لها. وهذا لأنّها لا تحدّد بدقّة ما ينتظر أن يكون «معاكسا للهيمنة». فعلى سبيل المثل، هل انخراط الرجال الآن أكثر في رعاية الأطفال وأداء دور الوالدين، جزء من استمرار ذلك التوجّه أو هو اتّجاه ضدّ الذكورة المهيمنة؟ ما لم نعرف الأعمال التي تتحّدى الذكورة المهيمنة، فكيف نستطيع أن نعرف الأعمال التي تنشئها أولا وبالذات؟ يتعجب أيضا نِفْسِيائيون اجتماعيون كيف يحدث للرجال أن «يتبنّوا» ذكورة متآمرة. فإذا كانوا هم أنفسهم لا يلتزمون بمثل الذكورة المهيمنة، فماذا يعني لهم هذا الفشل؟ وباختصار، ماذا سيكون مظهر المقاومة في عبارات عملية.

أصبح مفهوم النوجس مهمّا بازدياد في علم الاجتماع كنتيجة جزئية للبحوث النسوية، لكنّ البحوث الأخيرة حول الحياة الجنسية، بما فيها ما يسمى نظرية الغريب المختلف theory queer استعملت بطريقة واسعة المفهوم وغيّرته من خلال هذه العملية. جادلت بتلر J. Butler في أنّ النوجس أمر إنجازي performative، أي إنّ النوجس للناس لا يشبه شيئا جامدا، أي شيئا متأصّلا داخل الجسم، لكنّه يشبه أكثر إنجازا مستمرّا أو عملا جاريا. يعني هذا أن النوجس هو صنف اجتماعي غير ثابت قادر على استيعاب أنواع كثيرة منه ويستطيع أن يتغيّر جذريا. لنأخذ، كمثال، الإنجازات الجديدة performances new لتغيير النوجس transgender والازدواجية الجنسية bisexuality والعلاقات الجنسية بين الإناث (السحاق) التي ظهرت في حركة تحرّر البِزاء (المثليين). فما هو النوجس وكيف نفهمه أمر يعتمد على كيفية إنجاز الناس نوجسهم، وهذا يمكن أن يتغيّر بسرعة كبيرة.

إنّ اللامساواة النوجسية هي حقيقة راسخة في معظم المجتمعات، على الرغم من اختلاف درجة تلك اللامساواة. تنظر هداس مندل H. Mandel إلى نظام النوجس والسياسات الشعبية في أربعة عشر بلدا متقدّما لتقارن بين أثر تدخّلات دول مختلفة لمصلحة تخفيف اللامساواة النوجسية. تجادل مندل في أنّ هناك أنظمة تدفع أجرا للنساء لأداء دور أمّهات الأطفال، بينما تقدّم أنظمة أخرى مساعدات للتخفيف من أثر العمل والتوتّرات الأسرية. مع ذلك، فكلّ منهما كان متجذّرا في أدوار العلاقة النوجسية التقليدية ولم يضع حدّا للضرر الاقتصادي للنساء. فالسياسات الهادفة إلى تمكين عدد أكبر من النساء للانتقال إلى العمل مقابل أجر، يبدو أنّها قادرة على أن تقدّم أكثر من ذلك. لكن، تقول مندل أنّ تلك السياسات لا تستطيع أن تعمل في عزلة وتتطلّب تغييرات في الذهنياء التي تضع ثقل الرعاية على النساء. ومن ثمّ، فإنّ إدخال سياسات إجازة الوالدين قد يكون الخطوات العملية الأولى لتحويل ثقل الرعاية نحو أساس أكثر مساواة. (مفاهيم أساسية في علم الاجتماع. أنتوني غيدنز، فيليب صاتن).

مترادف

نَوْع جِنْسي

جَنْدَر

جُنُوسة

نَوْع اِجْتِماعِي

لغة كلزية

gender
لغة فرنسية

genre
مراجع

  • مفاهيم أساسية في علم الاجتماع. أنتوني غيدنز، فيليب صاتن. ترجمة: محمود الذوّادي. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2018م. الظعاين، قطر.