معجم المصطلحات الكبير
ضَرُورة شِعْرِية
اللغة والأدب

هناك خلاف في تعريف الضرورة الشعرية، فبعضهم يرى أنّها: ما يقع في الشعر ممّا لا يقع في النثر من الخروج عن قواعد اللغة لا قواعد الوزن والقافية ممّا لم يكن للشاعر منه بدّ ولا مدفع له. في حين يرى آخرون أنّها: ما وقع في الشعر سواء أكان منه بدّ أم لم يكن. وقيل: الضرورة، ما يقع في الشعر وحده من الظواهر اللغوية المخالفة للقياس، سواء أكان للشاعر عنه مندوحة أم لا، وفشا في الأذهان أنّ الضرورة، ما ليس للشاعر عنه مندوحة، حيث يستقلّ الشاعر بظواهر لغوية غير معروفة ولا معهودة في لغة النثر، فيتحوّل تحوّلا عفويا من المطّرد إلى غير المطّرد، ومن المقيس إلى غير المقيس، ومن المحدود إلى الواسع. ويعرّفها عبد القادر بقادر، بأنّها: «الخروج عن القواعد النحوية والصرفية، التي يلجأ ويضطرّ إليها الشاعر لمراعاة الأحكام العروضية، من إقامة للوزن وتسوية للقافية». يَدفع إلى الضرورة إقامة الوزن وتسوية القافية، أو إفلاس الشاعر من الثروة اللغوية، فيأخذ بالجائز ويترك الصحيح لخلوه منه أو لغفلته عنه، أو الرغبة الذاتية في الخروج عن المقياس مع القدرة على التزامه.

تقوم الضرورة على أسس ثلاثة، هي: الحذف والزيادة والتغيير، ويشمل التغيير: التقديم والتأخير والبدل. التقديم والتأخير هو تغيير في بناء الجملة، كما أنّ البدل هو تغيير في صورة اللفظ إعرابا وبناءً. يُلجئ الشعرُ بقيوده من الوزن والقافية قائلَه أحيانا إلى الحذف في بنية الكلمة أو في تركيب الجملة، وقد يقتضيه ذلك أن يضيف إلى هذه البِنية تلافيا لقصور اللفظ الذي يناسب المعنى الذي يزيد عن اتساق الوزن واكتمال البناء الشعري للبيت، وقد يدفعه ذلك إلى التقديم والتأخير أو الفصل بين المتلازمين، أو العدول عن صيغة إلى أخرى، وقد عاب ابن رشيق المسيلي التقديم والتأخير لغير ضرورة، يقول: «ومنهم -أي الشعراء- من يقدّم ويؤخّر، إما لضرورة وزن، أو قافية، وهو أعذر، وإمّا ليدلّ على أنه يعلم تصريف الكلام ويقدر على تعقيده وهذا هو العيّ بعينه». يقول السيرافي: وضرورة الشعر سبعة أوجه، هي: الزيادة والنقصان والحذف والتقديم والتأخير، والإبدال، وتغيير وجه من الإعراب إلى وجه آخر على طريق التشبيه، وتأنيث المذكّر، وتذكير المؤنّث، وقد جعلها ابن عصفور أربعة فقط، هي: الزيادة، والنقص، والتأخير، والبدل. ومن هنا ندرك أنّ هذه الضرورات محدّدة سلفا من لدن النحاة، وعليه قسّم القدماء الضرورات إلى قسمين: حسن وقبيح، وقسّمها المحدثون إلى: مستحسن أو مقبول، ومعتدل، ومستقبح.

 

أوّلا: الضرورة الحسنة، وهي ما لا يستهجن ولا تستوحش منه النفس، وأهمّها، ما أورده الربيز: عامر بن عبد الله الثبيتي، في كتابه المآخذ على فصاحة الشعر:

  • 1- صرف ما لا ينصرف كتنوين كلمة قصائد مثلا؛
  • 2- تنوين المبني نحو، يا مطرُ؛
  • 3- تحريك الساكن نحو، أن يقَال: الخفَق في الخفْق؛
  • 4- فك الإدغام نحو: ضننوا بدلا من ضنّوا؛
  • 5- إبقاء حرف العلة في حال الجزم نحو: ألم يأتيك؛
  • 6- بناء المنقوص على الفتح حال جرّه أو ضمّه، نحو: هؤلاء مواليَ، أو مررت بمواليَ؛
  • 7- قطع همزة الوصل، نحو: أُطلبِ العلم؛
  • 8- زيادة الياء في الجمع، نحو أن يقَال: مساجيد، في مساجد؛
  • 9- زيادة نون التوكيد الثقيلة والخفيفة في غير المواضع المعروفة، وهي: الأمر، والنهي، والاستفهام، والشرط، نحو: أنا أقومنّ؛
  • 10- تخفيف المشدد نحو أفِرُ بدلا من أفِرُّ، وذلك في القافية؛
  • 11- تسكين المشدّد وحذف حرف العلة بعده نحو، عنْ بدلا من عنّي، وذلك في القافية؛
  • 12- الحذف من الاسم العلم لغير النداء نحو، هذا حنظل أي حنظلة، ومنعه المبرّد؛
  • 13- قصر الممدود نحو قولهم: صَنْعا بدلا من صنعاء؛
  • 14- حذف النون الساكنة من أواخر الحروف نحو، لكن، فيقَال: لاكِ؛
  • 15- حذف ياء الاسم المنقوص في حال الإضافة أو اقترانه بالألف واللام، نحو: هذا قاض بغداد، وهذا القاض؛
  • 16- حذف حركة الضمير في حال الوصل، كأن يقَال: لهْ عندي يد؛
  • 17- حذف نون التوكيد؛
  • 18- حذف الفاء في جواب الشرط؛
  • 19- حذف حركات الإعراب نحو: قام الرجلْ إليك
  • 20- حذف الحرف الأخير من الكلمة، وإبداله ياء إذا كان مكسورا، نحو: الثعالي بدلا من الثعالب؛
  • 21- تسهيل الهمزة وإبدالها ألفا إذا كان ما قبلها مفتوحا، وياءً إذا كان ما قبلها مكسورا؛ نحو: سال بدلا من سأل، وابتدِي بدلا من ابتدِئ؛
  • 22- التغيير في الكلمات الأعجمية عند الحاجة فيقال مثلا: في الفالوذج الفالوذق؛
  • 23- عكس الإعراب، بجعل الفاعل مفعولا والمفعول فاعلا، والقلب فيما لا يشكل معناه نحو: بلغ الشامَ الخبرُ، ونحو: أدخل فوه الحجرَ ونحو ذلك؛
  • 24- وقوع الضمير المتصل بعد إلاّ؛
  • 25- عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة نحو قول الشاعر:

ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا ⁂ من الناس أبقى مجده الدهر مُطعما

  • 26- جمع فاعل على فواعل نحو قول الفرزدق:

وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ⁂ خضع الرقاب نواكس الأبصار

  • 27- إشباع الكسرة لتكون ياء، والفتحة لتكون ألفا، والضمة لتكون واوا، نحو: الدراهيم في الدراهم، وينباع في ينبَع، وأنظور في أنظُر؛
  • 28- حذف نون المثنى والجمع من غير إضافة؛
  • 29- تشديد المخفف نحو الطِّوَلِّ في الطِّولْ؛
  • 30- الجمع بين العوض والمعوض منه نحو أن يقَال: فَمَوان مع أن الميم عوض من الواو؛

 

ثانيا: الضرورة القبیحة، وهي التي تُعدّ مُخلّة بالفصاحة، أهمها ما أورده الربيز: عامر بن عبد الله الثبيتي، في كتابه المآخذ على فصاحة الشعر:

  • 1- ترك صرف ما ينصرف وأجازه الكوفيون، نحو قولك: رأيت زيدَ؛
  • 2- زيادة نون للإتباع نحو أن يقَال في القُطْن، القُطُنّ، وهو من أقبح الضرورات؛
  • 3- مد المقصور نحو أن يقَال في الغنى: الغناء. لأنه ليس من ردّ الشيء إلى أصله، وذكر المرزباني أنه لا يجوز في الشعر؛
  • 4- حذف الواو من (هو) أو الياء من (هي)؛
  • 5- التغيير في الاسم على غير وجه صحيح؛
  • 6- جعل الألف واللام بمعنى الذي وإدخالها على الفعل نحو قول الشاعر، اليُجدِّع في الذي يجدع:

يقول الخنا وأبغض العجمُ ناطقا ⁂ إلى ربنا صوت الحمار اليُجدِّع

  • 7- الجرّ على المجاورة؛
  • 8- التقديم والتأخير والفصل الذِي لا وجه له، وقد وصفه المظفر العلوي بأنه لحن قبيح، نحو قول الشاعر:

فأصبحت بعد خطَّ بهجَتها ⁂ كأن قفرا رسومَها قلما

  • أراد: فأصبحت بعد بهجتها قفرا كأنّ قلما خطَّ رسومها.

توسّع بعض الشعراء في الضرورات من غير عذر أحيانا، بل إنّ سعة انتشارها في الشعر وتعدّد وجوهها وأنواعها ومستوياتها، أوشكت أن تكون معيارا مهمّا في دراسة لغة الشعر، وكلّ ما ظهر من أنماط الضرورات الشعرية، كانت في الشعر الجاهلي، وهو أقدم ما لدينا من مادّة شعرية، وما قام به علماء الشعر والعربية من نقد تلك الأنماط وتعرّفها، ومحاولة وضعها في إطار مصطلح خاص ومفهوم محدّد، جاء متأخرّا عن تلك الحقبة القديمة. يعتبر الشعر نمطا من الموسيقى اللغوية، يتحكّم فيه قانون الإيقاع وقانون العلاقات اللفظية، وتُدرس الضرورات الشعرية في هدي هذين القانونين، اللذين يتداخلان تداخلا تفاعليا في معيارية نظامه العروضي الدقيق.

تعليق

تعتبر الضرورة الشعرية من الإجازات الشعرية مع الزِّحاف والعِلَل، وتُعرّف بأنّها رُخص مُنحت للشعراء كي يخرجوا بها عن بعض قواعد اللغة، والواقع أنّها ليست من باب الرخص، فالشعراء أمراء الكلام، يتصرّفون فيه كيف شاؤوا، ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم، من إطلاق المعنى وتقييده، وعلى مقولة الخليل هذه، فإنّ الأمراء لا يأخذون الرخص من أحد. نشأ معنى الضرورة الشعرية في أذهان النحات واللغوين من التصور الأصولي الفقهي للضرورة الشرعية في الدين، ولذلك قيل لها الرخصة أيضا، كالرخصة التي يأخذ بها المضطرّ.

مصطلح قريب

لغة كلزية

poetic licence
لغة فرنسية

licence poétique
مراجع

  • الضرورة الشعرية، دراسة لغوية نقدية. الربيز: عبد الوهاب محمد علي العدواني. جامعة الموصل كلية الآداب، 1410، 1990م. العراق.
  • في الضرورات الشعرية. الربيز: خليل بنيان الحسون. المؤسسة الجامعية، 1403، 1983م. بيروت، لبنان.
  • المآخذ على فصاحة الشعر، إلى نهاية القرن الرابع الهجري. الربيز: عامر بن عبد الله الثبيتي. الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1428، 2007م. المملكة العربية السعودية.