معجم المصطلحات الكبير
عَتاهِية العلم
الثقافة والإناسة

عَتاهِية العِلْم، مفهوم حديث ارتبط بالخوف من استعمال العلم والصِّنْعِياء في مسارات تضرّ بالوجود البشري أو بازدهاره أو ببيئته ومستقبله على الأرض. ترسّخ مفهوم عَتاهية العلم أو الخطر الكامن في العبقرية غير المنضبطة على نحو بالغ في الثقافة الشعبية الغربية بعد الحرب الأممية الثانية، واختراع أمريكا للقنبلة النووية، وتدميرها لمدينتين يابانيتين عن بكرة أبيهما، فقد أصاب الأمريكيين الهلع عندما امتلك الاتحاد السوفياتي القنبلة النووية، وأدركوا أنّه يمكن أن يُفعل بهم ما فعلوه هم بالآخرين، وأن دماءهم أصبحت حليبا أيضا، مثل كلّ دماء الشعوب الأخرى غير الأمريكية التي استباحها الأمريكيون، وكذلك التجارب البشرية المروّعة التي أجريت على أيدي النازيين، حيث برزت مخاوف حقيقية حول خروج العلم والصنعياء عن السيطرة، ثمّ تزايد التهديدات بتدمير العالم في حروب نووية عالمية، وفناء الجنس البشري. ويدخل أيضا تحت هذا المفهوم الأسلحة الحِياوية، التي تشتمل على فيروسات وبكتيريا وفطريات، تنتج في المخابر ويقوم بعض الدول بإطلاقها للتسبّب في الأمراض الخطيرة لدول أخرى، وهي نوع من أسلحة الدمار الشامل، مثلها مثل الأسلحة الكيميائية والنووية، ويرى بعضهم أنّ الوباء الذي ضرب العالم منذ سنة 2019م ومستمرّ إلى اليوم والمعروف باسم «وباء كورونا»، ما هو إلاّ صناعة حِياوية طُوِّرت في المخابر.

وقد صرّحت وسائل الإعلام نقلا عن وزارة الدفاع الروسية، أنّ الجنود الروس اكتشفوا مخابر حياوية في أوكرانيا حين الغزو سنة 2022م، وأنّه لا يوجد أي زَبِين لهذه المخابر ذي طبيعة علمية بحتة، بينما هناك أربعة زُبُن عسكرية: البنتاغون، وقيادة البحث والتطوير الطبي بالجيش الأمريكي، ومكتب خفض التهديد التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، ومعهد ريد لأبحاث الجيش. وهناك ثلاثة عملاء سياسيين آخرين هم: وزارة الخارجية الأمريكية، والحزب الديمقراطي الأمريكي، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)؛ من بين المخاوف الأخرى ما نجده في أقلدة (أفلام) الخيال العلمي من هيمنة الحواتِل (الروبوتات) والآلات على الجنس البشري، وهو مفهوم مستمدّ أيضا من عتاهية العلم، ثمّ إنّ المخاطر الناتجة عن تلوّث البيئة جاءت في سياق الحاجة المتزايدة للطاقة، العنصر الأوّل في التطوّر العلمي والصنعيائي. يدخل أيضا في معنى عتاهية العلم، المخاوف المتنامية من الذَّكالة artificial intelligence التي دخلت في جميع مجالات الحياة البشرية، فسرعة تناميها وسرعة انتشارها، أدّت إلى انتشار المخاوف من خروجها عن السيطرة أيضا، على الرغم من مساهمتها في جعل الحياة البشرية سهلة وممتعة، فالمخاوف من الذَّكالة ارتبطت بهيمنتها على القدرة البشرية، والمخاوف الوشيكة تنطوي على آثارها الاجتماعية والإخلاقية، مثل إساءة استعمال البيانات الشخصية، واحتمال أن تؤدّي الذكالة إلى تفاقم عدم المساواة.

كما يدخل في مفهوم عتاهية العلم، إضفاء الطابع التجاري على المعلومات والمعرفة، فبراءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية والطَّبَع والتحكّم في المعلومات والمعرفة يتمّ وضعها الآن في أيدي عدد يقلّ تدريجيا من الشركات المتعدّدة الجنسيات، ويؤكّد العديد من المتخوّفين من آثار هذه العملية أنّ هذا سوف يعيق التقدّم الفكري، وسيؤدّي إلى استعمال مثل هذه المعلومات ونتائج الأبحاث العلمية لخدمة أغراض تجارية وليس للمصلحة الإنسانية والاجتماعية، وينطبق هذا أيضا على الصنعياء الحياوية، فهناك مخاوف كبيرة في إضفاء الطابع التجاري على براءات الاختراع الخاصّة بالمواد الصنعيائية الحياوية، مثل البذور والمعلومات حول «الجينات» البشرية، إلى الاتّجار بجسد الإنسان بل وبالحياة نفسها، فهناك نسبة ضخمة يزداد حجمها بشكل كبير من المواد الحِياوية الإنسانية، مثل: الأعضاء البشرية، والدم، والمُنْي، والبويضات، وحتّى الأطفال من خلال ترتيبات الأسر البديلة، إنّ معظم هذه السلع التي يتاجر بها والكثير من العمليات الأخرى ترتبط بأشخاص من الدول الفقيرة الذين يبيعون أعضاءهم لمواطني الدول الغنية.

تعليق

الذَّكالة artificial intelligence، المعروفة بالذكاء الاصطناعي، مصطلح منحوت من ذكاء وآلة، أي الذكاء الآلي، وتُعرّف بأنّها، مجموعة من النظريات والصِّنْعات المستعملة في إنشاء الخوارزميات وتطبيقها في مَحاط الحوسبة الحَرَكوتية dynamic computing، من أجل تمكين الحواسيب من محاكات التفكير والذكاء البشري، وإنتاج آلات لها مقدرة على التصرّف مثل البشر.

يتقاطع مفهوم عتاهية العلم بشكل كبير مع أطروحة مجتمع المَغَرّة risk society لأولريش بيك Ulrich Beck، لكنّه يمتدّ إلى أبعاد أكثر وضوحا في المخاوف الأخلاقية والإنسانية المرتبطة بالتقدّم العلمي غير المنضبط. مجتمع المغرّة عند بيك يركّز على فكرة أنّ الحداثة لم تلغِ المَغَرّات، بل أنتجت مغرّات ومخاطر جديدة معقّدة لا يمكن حلّها بالأدوات التقليدية. يرى بيك أنّ المجتمعات الصناعية المتقدّمة انتقلت من التعامل مع مغرّات طبيعية (كالزلازل والأوبئة التقليدية) إلى مغرّات مصطنعة ناتجة عن التقدّم العلمي والصنعيائي ذاته، مثل التلوّث الإشعاعي، والتِّبانة الوراثية، وانبعاثات السُّخام، التي تهدّد مستقبل البشرية. في هذا الإطار، فإنّ المغرّات لم تعد محصورة في بيئة أو دولة معيّنة، بل أصبحت عالمية الطابع، حيث إنّ قرارات الدول الصناعية الكبرى تؤثّر على كوكب الأرض بأسره.

أما عتاهية العلم، فهي أكثر شمولا لأنّها لا تقتصر على المغرّات البيئية والصناعية فحسب، بل تشمل أيضا الجانب الأخلاقي والسياسي المرتبط بكيفية استعمال المعرفة العلمية. فالمفهوم يشير إلى أنّ العلم، بقدر ما هو قوّة جبّارة تفتح آفاقا جديدة للبشرية، فإنّه قد يتحوّل إلى أداة تدمير واضطهاد إذا لم يكن خاضعا لضوابط أخلاقية وإنسانية. ويظهر ذلك في:

  • 1- الأسلحة النووية الحِياوية والكيميائية، حيث باتت المعرفة العلمية أداة لخلق وسائل إبادة جماعية، كما حدث في الحرب الاممية الثانية ومع سباق التسلّح النووي؛
  • 2- هيمنة الذَّكالة، حيث يتزايد القلق من إمكانية تجاوز الأنظمة الذكالية للقدرة البشرية، سواء في التحكّم العسكري أو الاقتصادي أو حتّى في صياغة الرأي العام عبر البيانات الضخمة؛
  • 3- التلاعب بالحياة البشرية من خلال التِّبانة الوراثية والتجارة في الأعضاء البشرية، حيث يصبح الجسد البشري مجرّد سلعة في سوق الرأسمالية العالمية، وتتحوّل العمليات الطبّية إلى نشاط تجاري يفتقر إلى البعد الإنساني؛
  • 4- التحكم في المعرفة والمعلومات، إذ إنّ شركات كبرى باتت تحتكر براءات الاختراع والمعرفة العلمية، ما يهدّد بعرقلة البحث العلمي من أجل الربح التجاري، ويؤدّي إلى سيطرة طبقات نخبوية على مستقبل الصنعياء.

لهذا، يمكن اعتبار مجتمع المغرّة فرعا من عتاهية العلم، حيث يعالج الأوّل انعكاسات التقدّم العلمي من منظور المغرّات والمخاطر، في حين أنّ الثاني يطرح المسألة من زاوية التجريد الأخلاقي والاستعمال غير المسؤول للعلم.

لغة كلزية

madness of science
the hubris of science
مراجع

  • العولمة، المفاهيم الأساسية. تحرير: أنابيل موني، وبيتسي إيفانز، ترجمة: آسيا دسوقي. الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، 2009م. بيروت، لبنان.