يقول الفقهاء، إنّ امتلاك الإماء ووطأهن جائز بالكتاب والسنّة وعمل الصحابة وإجماع المسلمين. ودليلهم في ذلك قوله تعالى: «والذين هم لفروجهم حافظون، إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانُهم فإنّهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون». (المؤمنون. 5-7). ليست هذه الآية دليلا على جواز وطء الإماء، لأنّ ما ملكت أيمانكم معطوفة على حكم الأزواج من حيث شروط النكاح في قوله تعالى: «ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمِن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، والله أعلم بإيمانكم، بعضكم من بعض، فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ وآتوهنّ أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متّخذات أخدان». (النساء: 25)، أي أنّ الرجل لا يلام على زوجته التي نحلها صَداقها وتزوّج بها على السنّة، ولا على ملك اليمين التي آتاها مهرها وتزوجها بإذن أهلها، إنّما يكون من العادين إذا ابتغى هذه العلاقة في المرأة الحرّة أو ملك اليمين خارج ما حدّده الله في شرعه، عن طريق المسافحة واتّخاذ الأخدان والوطء بغير عقد. وهذا كقوله تعالى: «هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم» (هود، 78). أي أنّ هؤلاء بناتي هن أطهر لكم بعقد النكاح. كما أنّ الإماء والجواري من النساء، يدخلن في حكم ما شرّعه الله تعالى في شأن النساء جميعا، قال تعالى: «وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا» (النساء، 4). أمّا قوله تعالى في الآية السابقة: والله أعلم بإيمانكم، فمعناه أنّ الأمة قد تكون في إيمانها أفضل من سيّدها، وقوله جلّ وعزّ: بعضكم من بعض، يذهب في معنى المساواة إلى أبعد الحدود.
تزوّج الرسول عليه الصلاة والسلام صفية بنت حيي، وقد قالت كما جاء في مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر - الجزء الثانى: ثمّ جاءنا (رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) حين أمسى فدعاني فجئت وأنا متقنعة حيية فجلست بين يديه، فقال: إن تكوني على دينك لم أكرهك، وإن اخترت الإسلام واخترت الله ورسوله فهو خير لك. قالت: أختار الله ورسوله والإسلام. فأعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتزوّجني، وجعل عتقي مهري، والمراد هنا بالعتق الفداء من الأسر وليس من العبودية.
وتزوّج كذلك جويرية بنت الحارث المصطلقية، فيقولون أدّى عنها كتابتها إلى ثابت بن قيس بن شماس وتزوجها بإذنها، وجاء في مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر - الجزء الثانى، «قال عبد الله بن زياد: وأفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلمّ عام المريسيع في غزوة بني المصطلق جويرية بنة الحارث بن أبي ضرار وهي كعيبة من بني المصطلق، فسباها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما أفاء الله عليه عامئذ، فلمّا كانت بذي الجشير -والجشير من المدينة على بريد- أمر رجلا من الأنصار بحفظها كالوديعة عنده حتّى يسله عنها، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة وأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار -وكان من أشراف قومه- يفدي ابنته، فلمّا قدم فكان بالعقيق نظر إلى إبله التي يفدي بها ابنته، فرغب في بعيرين منها كانا من أفضلها، فغيّبهما في شعب العقيق ثمّ أقبل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسائر الإبل، فقال: يا محمّد، أصبتم ابنتي وهذا فداؤها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأين البعيران اللذان غيّبت بالعقيق بشعب كذا وكذا؟ فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّك رسول الله. ولقد كان ذلك منّي في البعيرين، وما اطّلع على ذلك إلاّ الله. فأسلم الحارث بن أبي ضرار مكانه، وأسلم معه ابنان له وأناس من قومه. وأرسل الحارث بن أبي ضرار إلى البعيرين فأتى بهما فدفع الإبل جميعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ودفع إليه ابنته، فأسلمت جويرية مع أبيها وإخوتها، وحَسُن إسلامها. وخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما بلغنا فنكحها. وكانت جويرية قبلُ عند ابن عمّ لها يُقال له: عبد الله ذو الشُّفر».
وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «من كانت له جارية فعلَّمها وأحسن إليها وتزوَّجها، كان له أجران في الدنيا والآخرة» ففي هذا الحديث قال: تزوّجها، ولم يقل: تسرّى بها. ثمّ إنّه عليه الصلاة والسلام لم يذكر التسرّي أيضا في دعوته للشباب حيث قال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع؛ فعليه بالصوم، فإنه له وجاء». والتزوّج هنا يشمل الحرّة والأمة بالسواء.
إنّ الحكم الفقهي الذي يجيز التسري بالإماء والأسيرات لا على أساس عقد النكاح، بل على أساس ملكية سيدهن لرقابهن يناقض الكثير من الأحكام الإسلامية ومقاصد الشريعة، لأنّه سينتج عنه بالضرورة ما يلي:
- أنّ المرأة المملوكة أو المأسورة ما هي إلاّ متاع، يملكها سيدها ويبيعها ويشتريها ويهبها، ولا يحقّ لها أن تمتنع عنه متى طلبها، ويحقّ له أن يطأها كرها حتّى وإن لم تكن راضية بذلك، والله تعالى يقول: «ولقد كرّمنا بني آدم».
- إنّ الجارية المملوكة ملكية مشتركة معروفة في الفقه الإسلامي، وهذا الحكم يجعل المرأة الأسيرة أو الأمَة مَتاعا مُشاعا، لأنّه يُعطي الحقّ لكلّ الأشخاص المالكين لها أن يطؤوها جميعا.
- الاستمتاع بالجارية مع ابنتها أو أختها في وقت واحد، أي الجمع بين الأم وابنتها والجمع بين الأختين في الاستمتاع. بمعنى آخر أنّ عقد النكاح لا يقع به الجمع بين الأم وابنتها وبين الاختين إلاّ أنّ الرِّق أو التملّك يقع به الجمع، حتّى بين المرأة وخالتها وعمّتها وجدّتها، وهذا التملك وحده يبيح الوطء.
- اشتراك الورثة في بضاع الجواري، أي يصحّ للوارث أن يطأ جارية أبيه التي كان أبوه قد وطِئها، ويصح للأب أن يطأ جارية ابنه التي كان ابنه قد دخل بها.
- جواز الدخول بالمرأة المتزوّجة المأسورة.
- جواز استمتاع المرأة بعبدها أيضا، بحكم ملكيتها لرقبته.
- انتفاء العفّة عن الإماء، وعليه يُحرم الزواج منهن، لانتفاء وجود الفتيات المؤمنات.
- يمكن لنا أيضا أنّ نقول، إنّ ما أحلّه الله للمسلم لا يؤاخَذ به الكافر، إذا كان الله قد أحلّ للمسلمين استرقاق أسرى الكفّار والتسرّي بالأسيرات والإماء، فلا تثريب إذن على الكفّار في أن يفعلوا الشيء نفسه بالمسلمين والمسلمات.
الغريب المدهش أنّ الفقهاء قاموا بالتلفيق في نقض ما ترتّب عن هذا الحكم، حيث حرّموا معاشرة المرأة لمملوكها أو أسيرها، وفي الوقت نفسه أجازوا للرجل معاشرة أسيرته أو أمته من دون عقد النكاح، على الرغم من أنّ الأصل الذي بُنيت عليه الإباحة هو التملّك. يقول المولى تبارك وتعالى: «يا أيها النبي إنّا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهنّ وما ملكت يمينك ممّا أفاء الله عليك وبنات عمّك وبنات عمّاتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك، وامرأةً مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين، قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما»، الأحزاب 50. في هذه الآية بيان صريح على أنّ أصناف النساء اللاتي ذكرهن الله تعالى كلّهن حلال للنبي بعقد النكاح فقط والذي أشار المولى تبارك وتعالى إليه بقوله: اللاتي آتيت أجورهنّ، بما في ذلك وما ملكت يمينك ممّا أفاء الله عليك، لأنّها معطوفة على الحكم الأوّل كما في الآية السابقة، ولا يمكن استثناء ملك اليمين من حكم النكاح، وإلاّ ستستثنى أيضا بنات العمّ وبنات العمّات وبنات الخال وبنات الخالات. إلاّ أنّ الفقهاء لفّقوا في هذا الآية وجعلوا القرآن عضين، فأخرجوا ملك اليمين بغير حقّ من عقد النكاح، وقالوا إنّ معناها: وأباح لك التسري مما أخذت من المغانم (ابن كثير). كما أنّ أزواج المؤمنين حلال لهم بعقد النكاح وما ملكت أيمانهم أيضا بالحكم نفسه، لأنّ الفرض الذي وقع في الأزواج هو نفسه الذي يسري على ملك اليمين، فالله جل وعز يقول: قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم. فالفرض في الأزواج هو نفسه في ملك اليمين.
نشأ الفقه الإسلامي أوّل مرّة في مجتمعات بدوية ذات نمط اقتصادي رعوي وزراعي، وفي المرحلة الإحيائية التي بدأت بها البشرية طورها الأوّل، حيث نظروا إلى الظواهر الكونية على أنّها منفصلة عن بعضها بعضا، فجعلوا لكلّ ظاهرة إلها خاصّا بها، فللرعد إلهه، وللمطر إلهه، وللزرع إلهه، وللصيد إلهه، وللحرب إلهها، وللتجارة إلهها، فهُبل كان إله الحرب عند العرب، وقد جاؤوا به من بلاد الإغريق وهو «أبولو» عندهم، لذلك لم تستطع عقولهم أنّ تستوعب مفهوم الإله الواحد، حيث قالوا: «أجعل الآلهة إلها واحدا إنّ هذا لشيء عُجاب» (ص، 5). ومن هذا أيضا لم يستطع المسلمون والفقهاء الأوائل أن يدركوا مقاصد الإسلام الكبرى، وتعاملوا مع القرآن الكريم الذي حمل وعيا يفوق وعيهم، كتعاملهم مع شعر امرئ القيس وعمرو بن كلثوم، على الرغم من أنّ الله جلّ وعزّ يقول: «وما علّمناه الشعر وما ينبغي له، إنْ هو إلاّ ذكر وقرآن مبين» (يس، 69)، كما أنّهم لم يستطيعوا أن يدركوا نسقه ونظامه ومنهجيته، ونظروا إليه مجزّءًا كنظرتهم للكون وظواهره الطبيعية، وما كان متعارضا مع فهمهم وفكرهم قالوا فيه بالناسخ والمنسوخ وكأنّ الله لم يكن يعرف ما ينزّل، وقالوا شرع من قبلنا شرع لنا، وإذا كان ذلك كذلك، فلماذا إذن نزل القرآن؟ ثمّ إنّهم أخضعوا أحكامه إلى ما نُقل من أحاديث وما دُسّ فيها من أكاذيب وأباطيل، وفسّروه بما شاع بينهم من القَصَص التوراتي القديم، من أجل ذلك كلّه قد نجد مسوّغا لمثل هذه الأحكام. لكن ما يؤسف له حقّا أن يظلّ هذا الأمر إلى اليوم، ويظهر من يقول إنّ المعاشرة الجِنْسية بين الأسيرة وآسرها حلال بالقرآن والسنّة النبوية، وما درى أنّه بذلك إنّما يجيز أيضا استرقاق الأسرى ولا يجرّمه من حيث المبدأ، وأنّه بهذا القول إنّما يؤسّس لفرضية أخرى، وهي أنّ المعرفة الدينية في العالم العربي ما زالت إلى اليوم تُنتَج بالأنساق الفكرية البدوية القديمة.