معجم المصطلحات الكبير
اِبْن مُقْلة
الخِطاطة

هو الوزير أبو علي الصدر محمّد بن علي بن الحسين بن مقلة خطّاط بغدادي كبير يُضرب بخطّه المثل في الحسن، ازداد سنة 272 ببغداد في بيت علم وفضل، ومُقلة لقب أبيه علي، وقيل اسم أمه كان أبوها يداعبها فيقول: يا مُقلة أبيها. عاش ابن مقلة حياة مضطربة كاضطراب عصره بدأها كاتبا بسيطا في بعض الدواوين في كلّ شهر بستّة دنانير، ثم تولى خراج بعض أعمال فارس، وتعلّق بأبي الحسن بن الفرات فرفع قدره، وحسنت حاله وعرض جاهه، واشتهر حتّى رُوي (خلاصة الأثر) خبر كتابته كتاب هُدنة بين المسلمين والروم، بقي في أيديهم حتّى زمن السلطان محمّد الفاتح، استوزره الخليفة العباسي المقتدر بالله -316- وعزله -318- واعتقله وصادر أمواله ونفاه إلى شيراز حتى آلت الخلافة إلى القاهر بالله -320- فاستوزره واستدعاه. إلا أن ابن مقلة لم تُرْضِه أوضاع الدولة فتآمر على القاهر وتوارى عنه -321- حتى خُلع. وتولّى الراضي بالله -322- فاستوزره إلى أن تآمر عليه المظفر بن ياقوت -324- فقُبض عليه وخُلع من الوزارة وعُذّب وغُرّم فجلس في داره حتى استولى محمد بن رائق على مقاليد الأمور. فسعى به ابن مقلة عند الراضي الذي أمّله بالإجابة حتى اعتقله وسلّمه إلى ابن رائق فقطع يمينه -326- فكان يكتب بيسراه ويشد القلم إلى ساعده ويكتب، ثم قطع لسانه في محبسه، يقول ثابت بن سنان الطبيب: قدمت بأمر الخليفة الراضي لمعالجة ابن مقلة بعد قطع يده، ولمّا استفسر ابنه أبو الحسن عن صحّته طمأنته، فبدت عليه علائم الاطمئنان حينا، ثمّ تأوّه وبكى ثمّ قال: هذه اليد التي خدمت ثلاثة خلفاء، ونسخت القرآن مرتّين، تُقطع كما تقطع يد السارق!، ويقول ثابت: كما قُطع لسانه بعد حين. كان ينزع الماء في سجنه بالدلو من البئر بيده اليسرى وفمه حتى توفي ودُفن في سجنه في العاشر من شوّال يوم السبت سنة 328، ثمّ طالب أهله بجثمانه فسمحوا لهم به، فدفنوه في منزله، ثمّ عادت جاريته العتيقة فنقلت جثمانه إلى منزلها الذي يدعى «قصر أم حبيب».

أخذ ابن مقلة الخطّ الجميل عن أبيه وعن إسحاق بن إبراهيم البربري الأحول المحرّر من تلاميذ إبراهيم السجزي، قال ابن خلكّان، هو الذي أتمّ ما بدأ به قطبة المحرّر، وقال ابن الطقطقي : هو أقدر من نقل وطوّر الكتابة والخطّ من الطراز الكوفي المعقّد إلى الأشكال العلمية والصور الفنّية، الموزونة التقاطيع الحسنة التراكيب. ويُروى أنّه سُئل عبد الله بن الزنجي الكاتب، ما تقول في خطّ ابن مُقلة ؟ قال: ذاك نبي فيه، أُفرغ الخطّ في يده كما أُوحي إلى النحل في تشييد بيوته. وقد بلغ درجة عالية من الدراية والتعمق في الخطّ، واستطاع هو وأخوه أبو عبد الله أن ينقلاه نقلة فنية نوعية فاستخرجا من الأقلام التي بلغت أربعة وعشرين، ستة أنواع هي الثلث والريحان والتوقيع والمحقق والنسخ والرقاع، وهندس هو وأخوه مقاييسها وأبعادها معتمدان على العلاقة بين النقطة والدائرة، فجعلا الألف قطرا لهذه الدائرة ونسبا إليها الحروف جميعا، ووضعا معايير لضبط الخط والوصول به إلى صيغ جمالية محكمة مما شكل النقلة الأولى في الخط المنسوب، والتي ظلت أساسا بُنيت عليها كل التطورات اللاحقة، كما وضع ابن مقلة قواعد ما زالت موجودة في كيفية قط القلم ومسكه وكتابة النقط، ثمّ جاء بعده من تلاميذه وأتباعه ابن عبد السلام فعدّل هندسة ابن مقلة ونقّحها، وقد برع من بعده إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي -توفي سنة 392- مؤلّف صحاح اللغة، ومحمّد بن إسماعيل البغدادي، وأبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابئ مؤلّف كتاب «التاج في تاريخ الديالمة»، وشمس المعالي قابوس بن وشمكير، وحسن بن المرزبان السيرفي، وأحمد بن حسين الغضاري، وعلي بن يوسف القفطي، وابن كمونة اليهودي الفيلسوف الذي كان خطّه شبيها بخطّ ابن مقلة وكثيرا ما كان يزوّر اسمه على خطوطه، وحسن بن علي المعروف بناهوج، ومهلهل بن أحمد ومحمد بن أسد ومحمد السمسماني والخطاط الكبير عليّ بن هلال ابن البواب. كان ابن مقلة كاتبا بارعا وشاعرا مجيدا، له رسالة في الخطاطة والقلم.

مراجع

  • مصوّر الخط العربي، ناجي زين الدين المصرّف. الطبعة الثالثة، 1400. مطبوعات المجمع العلمي العراقي ببغداد. دار القلم، بيروت. لبنان.
  • معجم مصطلحات الخط العربي والخطاطين. الربيز : عفيف البهنسي. الطبعة الأولى، 1995م. مكتبة لبنان، ناشرون، بيروت، لبنان.
  • أطلس الخطّ والخطوط، حبيب الله فضائلي. ترجمة الربيز : محمّد التونجي. الطبعة الثانية، 2002م. دار طلاس، سوريا.
  • الموسوعة العربية العالمية. مؤسّسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع. الطبعة الثانية 1419. المملكة العربية السعودية.