معجم المصطلحات الكبير
اِحْتِباس حَراري
العلوم السياسية

سيطر تغيّر المناخ في العالم نتيجة زيادة تركيز ما يدعى بأمهجة الدفيئة في السكاك، وأهمّها: ثنائي ذَرَب السخام، و«الكلوروفلويوروكربون» أو «سي. أف. سيز» على جدول أعمال البيئة منذ منتصف الثمانينيات، وولّد نقاشات سياسية عالمية كبيرة، والشكّ قليل في أن النشاط الإنساني على امتداد القرن الماضي قد زاد بشكل ملموس تركيز العديد من الأمهجة (الغازات) المرتبطة ارتباطا وثيقا بحرارة الأرض، وهذه الزيادة المرشّحة للاستمرار في المستقبل القريب تؤثّر حاليا في المناخ العالمي، إلّا أنّ معرفتنا الضئيلة وفهمنا القليل بآليات توازن الحرارة العالمية يجعلان الحاضر والمستقبل في وضع من الغموض.

يرتبط الاحتباس الحراري بشدّة بانعكاسات ارتفاع کمّیات أمهجة الدفيئة على طبقة الجُثار (الأوزون) الرقيقة الموجودة في الغلاف الخارجي حول الأرض. يمتصّ الجُثار الإشعاع الفَوْخَزي (فوق البنفسجي) الذي تصدره الشمس، فيمنع إصابة الأرض بارتفاع شديد في حرورتها. في عام 1985م اكتشف العلماء ما أصبح معروفا بسرعة على أنه ثقب في طبقة الجثار فوق المحيط المتجمد الجنوبي. واليوم، لم يعد الثقب محصورا بالنصف الجنوبي من الكُراضة (الكرة الأرضية) طالما أن نقص الجثار في طبقة الأرض الخارجية قائم أيضا في النصف الشمالي منها وفوق المحيط المتجمّد الشمالي. على الرغم من التحرّك الدولي السريع من أجل خفض نسبة «الكلوروفلويوروكربون» فإن الانبعاثات السابقة ستظل تسبب نقصا في الجثار على امتداد عقود آتية بسبب الفاصل الزمني بين إنتاجها وبثّها في الجو، وبين ظهور آثارها الضارّة. لا يُتوقَّع انسداد الثقب بشكل كامل إلّا في زهاء العام 2050م في أحسن الأحوال، في هذه الأثناء، ستضاف إلى زيادة الأشعة الفوخزية الواصلة إلى سطح الأرض، أمهجة الدفيئة المُشِفّة إزاء الأشعة الشمسية قصيرة الموجات حتى لو أنها تمتص الأشعة طويلة الموجات المنعكسة من سطح الأرض. من هنا جاءت كلمة «الدفيئة».

إن النظرية التي تربط زيادة تركيز أمهجة الدفيئة في الجو مع الاحتباس الحراري تجد أدلّة قوّية على صحتها في كون التغيّرات في تركيز أمهجة الدفيئة في السكاك قد تغيّرت بانسجام شديد مع تغيّرات الحرارة العالمية، الأمر الذي يشير إلى وجود رابط بين العاملين. كما أن ثمة أدلّة تشير إلى أنّ القرن العشرين الميلادي، كان أكثر القرون دفئا في الألفية الثانية. فقد زادت حرارة الأرض، عموما، على سطحها بمقدار 0,6 درجة مئوية على امتداد القرن الماضي. يعكس هذا الأمر جزئيا قيام أثر دفيئة يعزّزه تلوث الجو الناجم عن النشاطات الإنسانية.

   تجدر الملاحظة أن نزعة الاحترار على امتداد القرن العشرين لم تكن متّصلة عبر الزمان ولا عبر المكان. وتتعارض مرحلتان من الاحتباس الحراري السريع نسبيا (من 1910م وحتى 1940م، وأيضا من أواسط السبعينيات وحتى يومنا هذا) مع فترات سابقة تميّزت بحرورة ثابتة تقريبا بالنسبة للمرحلة ما بين 1860م و1900م، وانخفاض ضئيل ما بين العامين 1940م و1980م. ومن حيث المكان أيضا، كان الاحتباس الحراري متقطّعا، فلم ترتفع حرارة نُصْكُرتي الأرض، ولم تنخفض في الوقت ذاته؛ كما إن المناطق ذات الكثافة الصناعية بدت وكأنّها تحترّ بسرعة أقلّ من الاحتباس الحراري في المناطق ذات الكثافة الصناعية الأقل.

لم يسبق أن واجهت حكومات العالم وصانعو سياستها هذه التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الهائلة التي تطرحها التغيرات المناخية. ويمكن تقسيم سياسة الردود بشكل عام بين من هدفوا إلى الحؤول دون تغيير المناخ، ومن قبلوا به وركّزوا على التأقلم. على الرغم من أن مشكلة الاحتباس الحراري عالمية حقا، طالما أنّ كلّ انبعاثات أمهجة الدفيئة تؤثّر في مناخ الأرض بغض النظر عن مكان صدورها، إلا أنّ كلفة إجراءات تلطيف آثار الاحتباس الحراري وفوائدها ستوزّع بشكل غير متساو بين البلدان على الأرجح. وتطرح هذه المسألة أسئلة عديدة حول العدالة الدولية طالما أن النسبة الأكبر من أمهجة الدفيئة تبثّ اليوم من الدول المصنِّعة التي تحوي نحو ربع سكان العالم فقط. وقد دعت دول العالم الثالث إلى تقليص الانبعاثات من الدول الصناعية لجعل قدرة الأرض على امتصاص هذه الأمهجة متاحة بشكل أكبر لهذه الدول التي تتحوّل إلى دول صناعية الآن، وهذا مخطّط يجب أن يجد تسهيلات له بواسطة نقل التمويل والصنعياء من الشمال إلى الجنوب.

لقد قبلت أغلب البلدان ضرورة القيم ببعض الجهد لمنع حدوث احتباس حراري أو تخفيف سرعته على الأقلّ من خلال خفض انبعاثات أمهجة الدفيئة. وقدّمت مُثاكمة (بروتوكول) مونتريال مساهمة في هذا الخصوص جرى توقيعها في عام 1987م، وتعديلها عام 1990م. التزمت الحكومات بخفض استهلاك وإنتاج الموادّ التي تنقص مُهاج الجثار من الطبقة الخارجية، والتي يسهم عدد منها أيضا وبشكل مباشر في الاحتباس الحراري. اُتّخذ قرار التخلّي عن «الكلوروفلويوروكربون» مع حلول عام 2000م، ومذ ذلك الحين جرى التركيز الأكبر على ثنائي ذرب السخام. في عام 1992م، اشتركت أكثر من 150 دولة في اتّفاقية الأمم المتّحدة الإطارية المتعلّقة بتغيير المناخ (قمّة الأرض) واتّفقت على تقليص الانبعاثات إلى معدّلات سابقة، وفي الكثير من الحالات كان الهدف الإداري الوصول إلى معدّلات العام 1990م.

جرت محاولات لجعل تقليص الانبعاثات ملزما قانونيا في مُثاكمة كيوتو عام 1997م، التابعة للمعاهدة الأساسية حول المناخ، على الرغم من أنّ الولايات المتّحدة قد انسحبت الآن من اتّفاق كيوتو. كما ركّزت كيوتو على مجموعة واسعة من انبعاثات كلّ أمهجة الدفيئة «كالميثان» وذرب الزعات (أكسيد النتري). كان الهدف المعلن للمثاكمة خفض انبعاثات كلّ أمهجة الدفيئة بنسبة 5% ابتداءً من معدّلاتها للعام 1990م، وهو هدف يتعيّن الوصول إليه ما بين العامين 2008 و2012م، مع تحديد الكمّية التي يجب أن تكون حصّة كلّ دولة صناعية من أجل الوصول إلى هذا الهدف الشامل، ومن المتوقّع أن تقوم بلدان تصدر أعلى معدّلات من ثنائي ذرب السخام، بما فيها دول كالولايات المتّحدة، واليابان، والاتّحاد الأوروبي، وأغلبية الدول الأوروبية الأخرى، بخفض انبعاثاتها بمقدار 6 إلى 8%. في الحقيقة، بإمكان كلّ دولة حِدى أن تخفّض انبعاثاتها بكمّية أكبر أو أقلّ من تلك التي اُتّفق عليها، طالما أنّ مثاكمة كيوتو سمحت بفكرة تجارة الانبعاثات بين الدول الصناعية. هكذا، إذا انخفضت الانبعاثات في دولة ما إلى ما هو أقلّ من الحدود المسموح بها في المعاهدة، بإمكانها أن تبيع الكمّية التي ما زالت متاحة لها إلى بلد آخر لمساعدة الشاري على الالتزام بموجبات المعاهدة.

ولكن، من حيث الواقع، لن تقوم أي حكومة على الأرجح بالتضحية بنسبة مهمّة من نموّها الاقتصادي من أجل تقليص انبعاثات ثنائي ذرب السخام، لذا فإن سَنافات (استراتيجيات) خفض الانبعاثات على المدى الطويل يجب أن تفصل بين التنمية الاقتصادية وزيادة استهلاك الوَقود الإحاثي، وسيكون تقليص كمّية الطاقة المستعملة في كل وحدة من وحدات الإنتاج الكلّي الداخل واحدا من العناصر في هذا النوع من السنافات. ولكن هناك حاجة أيضا إلى تحوّل كبير بعيدا من الوقود الإحاثي باتّجاه مصادر طاقة متجدّدة. وتملك العديد من الدول الصناعية تجارب نمو اقتصادي مترافقة مع انخفاض في استهلاك الطاقة. هذا ما حصل خلال السبعينيات وبداية الثمانينيات، وكانت أزمة النفط الشرارة في السبعينيات، ولكن لسوء الحظّ، قامت كل الحكومات تقريبا بوضع ثقتها في الاعتقاد القائل بأنّ النمو الاقتصادي يجب أن يعتمد على زيادة استهلاك في الطاقة. ولكنّ دروس الاحتباس الحراري لتجعل من الواضح أنّ هذا النوع من التصنيع المرتكز على استعمال غير فاعل لموارد الوقود الإحاثي ليس شكلا مستديما من أشكال النمو. (المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. مارتن غريفيش، تيري أوكالاهان).

لغة كلزية

global warming
لغة فرنسية

réchauffement du globe
مراجع

  • المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. مارتن غريفيش، تيري أوكالاهان. مركز الخليج للأبحاث، 2008م. دبي، الإمارات العربية المتّحدة.