يشير مصطلح التنصيص، إلى: «شكل من أشكال تنميط النصوص الذي يُحَفَّز خِصّيصَى لأغراض أدبية جمالية، ويمكن أن يعمل على أي مستوى. عادة ما يتضمّن التنصيص تشويها أو إخلالا أسلوبيا من نوع ما، إمّا من خلال جانب من النصّ ينزاح عن المعيار اللغوي، وإمّا بدلا من ذلك، بإبراز جانب من النصّ من خلال التكرار أو التوازي» (سيمبسون، 2014). التنصيص مصطلح يُستعمل في الأسلوبية stylistics لا سيّما في الشِّعر، وأحيانا في التداولية وتحليل الخطاب، للإشارة إلى البروز النسبي في الخطاب، وغالبا ما يشتمل على الانزياح عن المعيار اللغوي. التنصيص لغويا التعيين على شيء ما فكأنك ترى شكلا واضحا أو بارزا مقابل مِهادٍ أو خلفية مُضبّبة لذلك يُشار إلى بقية النصّ غالبا على أنها تضبيب backgrounding. يُقال إنّ الميزة المنزاحة أو البارزة قد نُصِّصت أو أُبرزت. على سبيل المثال، استعمال القافية، والجناس، والانتظام الوزني؛ هي أمثلة على التنصيص الذي يعمل على مستوى الصوت. يعرّفه عبد الله بن محمد المفلح بأنّه: «مجموع العناصر الأسلوبية، من الانزياحات الأسلوبية، والموسيقية والصوتية، والتوازي الأسلوبي، والمظاهر اللغوية الدلالية والتداولية، ويدخل تحت ذلك كلّه الأساليب البلاغية التي تحدث في المفردات والتراكيب، كالمجازات والصور والتقديم والتأخير والتعريف والتنكير، والتكرار، والغموض، وخروج الخبر عن خلاف مقتضى الظاهر وخروج أنواع الإنشاء عن معانيها الأصلية».
لقد اجتذب مفهوم التنصيص قدرا كبيرا من الاهتمام العلمي في مجال الأسلوبية منذ ظهوره. وفي أغلب الأحيان، تُحدَّد نظرية التنصيص بدراسة الانزياح اللغوي عن القاعدة، ودراسة العناصر المؤثّرة في النص، والتي تمتلك القدرة على اكتساب أهمية خاصة. في البداية، كان المفهوم، الذي قدّمه البنيوي البراغي، يان موكاروفسكي، يعتبر في جزء منه نسخة حديثة من فكرة البلاغة القديمة للأشكال الأسلوبية، وفي جزء آخر نسخة جديدة من مفهوم فيكتور شكلوفسكي المعروف بالنزلفة defamiliarisation. أدّت التطورات اللاحقة والحديثة في مجال الأسلوب إلى تغييرات كبيرة في نظرية التنصيص. على الرغم من التأثير الواضح للبلاغة، فإن الأسلوبية الحديثة ليست جزءا من البلاغة؛ بل هي تخصّص لغوي مستقلّ، نشأ في بداية القرن العشرين. يرتبط صعودها بشكل مباشر بالشكلانية الروسية، لا سيما باسم رومان ياكوبسون –أبو الأسلوبية الحديثة، على الأقل في أوروبا الغربية. كان الشغل الشاغل للشكلانيين الروس هو دراسة اللغة الشعرية واختلافها عن الاستعمالات اللغوية الأخرى. لقد رفضوا بشدة الاعتبارات النفسية أو الدينية أو الاجتماعية للأعمال الأدبية وركّزوا بشكل بالغ على مفهوم «الأدبية» literariness الاستعمال الخاصّ للغة في الأدب. كان لهذا الاستعمال للغة تأثيرات النزلفة defamiliarizing effects (مفهوم الغَوْرَبة ostranenie قدّمه فيكتور شكلوفسكي في البداية، الذي عرّفه كطريقة «لجعل اللغة العادية غريبة» لجذب انتباه القرّاء، كما وصفها بيرك وإيفانز بأنها «لإيقاظنا من السبات البصري والمعرفي اليومي»). وَفْقا لشكلوفسكي، تحقّقت هذه التأثيرات النزلفية من خلال الجُهَيْزات الأسلوبية، الأشكال أو الصور البلاغية.
لذلك، «بدأ الشكلانيون برؤية العمل الأدبي كتركيب عشوائي إلى حدّ ما من «الجهيزات» devices... الصوت، الصور، الإيقاع، النحو أو التركيب، الوزن، القافية، صِنْعات (تقنيات) السرد، في الواقع، كلّ مخزون العناصر الأدبية الشكلية»؛ وما كان مشتركا بين كل هذه العناصر هو تأثيرها النزلفي defamiliarizing effect أو الغَوْرَبي estranging. ومع ذلك، في المراحل اللاحقة، لا سيما في العمل الرائد لرومان ياكوبسون (1960) فإن خصوصية الخطاب الشعري لا تظهر في استعمال الجهيزات الأسلوبية، ولكن كما يشير ريتشارد برادفورد (2005) «في الطريقة التي تخلق بها هذه الجهيزات أنماطا داخل النصّ تعزل هذا النصّ عن السبب والنتيجة الطبيعية بين اللغة وسياقها». لم تبق الشكلانية الروسية على الساحة النقدية طويلا، ومع ذلك، فقد اتّضح أن نظرياتها كانت الأساس للبنيوية في براغ Prague structuralism. من بين العديد من المفاهيم الأدبية المهمّة، جاءت هذه التوجّهات النظرية بمفهوم التنصيص foregrounding، الذي أصبح تقريبا القاعدة الأساسية للأسلوبية في القرن العشرين. على الرغم من أنّ المفهوم يرتبط الآن بالعديد من المشاكل النظرية، إلا أنّه ما يزال يحتفظ بأهميته ويجذب الكثير من الاهتمام العلمي.
وَفْقا لبول سيمبسون (2004)، يظهر التنصيص بصورتين مختلفتين: «التنصيص كانزياح عن المعيار، والتنصيص كالمزيد من الشيء نفسه»، أي الانزياح والتوازي اللذان يعملان لمهامّ وظيفية في النصّ الأدبي. يرى سيمبسون أن هدف التنصيص كسَنافة (استراتيجية) أسلوبية هو أن يكتسب بروزا من خلال جذب الانتباه إلى نفسه. تجدر الإشارة إلى أنّ سيمبسون، مثل الشكلانيين الروس والبنيويين في براغ، يرى أنّ الدافع إلى التنصيص بالضرورة هو الأغراض الأدبية الجمالية. كما يقول: «إذا لم يكن لنمط نصيّ معيّن دافع لأغراض فنّية فهو ليس تنصيصا». وبالمثل، يصف جيفري ليتش ومايكل شورت (1981) التنصيص بأنه «انزياح بدافع فنّي». كما يصف ديفيد ميال ودون كويكن (1994) التنصيص بأنه «مجموع التأثيرات الأسلوبية التي تحدث في الأدب، سواء على المستوى الصوتي (مثل التكرار، القافية)، أو المستوى النحوي (مثل الانعكاس، الحذف)، أو المستوى الدلالي (مثل الاستعارة، التفارق أو السخرية)». ويبدأ ويلي فان بير وفرانك هاكمولدر في مناقشة مفهوم التنصيص من حيث أهميته للتجربة الجمالية للأدب. يكتبان: «يشير مصطلح التنصيص إلى الجهيزات اللغوية المحدّدة... التي تُستعمل في النصوص الأدبية بطريقة وظيفية ومكثّفة. هذه الجُهَيْزات تعزِّز الإمكانيات المعنوية للنصّ، بينما توفِّر للقارئ أيضا إمكانية تجربة جمالية. وَفْقا لنظرية التنصيص، فإن الأدب -من خلال استعمال أشكال غير عادية من اللغة- يكسّر السلوك الرتيب للقارئ: حيث تُستبدل الآراء ووجهات النظر المألوفة برؤى وإحساسات جديدة ومفاجئة» (فان بير 2006). هذا النوع من التركيز على العلاقة بين مفهوم التنصيص الأساسي والأسلوب الأدبي والتجربة الجمالية هو مفهوم مدرك، لأن الأسلوبية نفسها هي مجال دراسي متعدّد التخصصات، كما يقول بيرك (2014): «تضع قدما بثقة في دراسات اللغة وقدما أخرى في الدراسات الأدبية».