معجم المصطلحات الكبير
اِنْتِشار ثَقافي
الثقافة والإناسة

عملية ينتقل بواسطتها العنصر الثقافي من فرد أو جماعة أو مجتمع إلى فرد أو جماعة أو مجتمع آخر، ويتمّ ذلك عن طريق محرّكات كالتجارة، والحروب، والتزاوج، والآداب، ووسائل الاتصال الفكرية المختلفة. أمّا التثاقف acculturation فيحدث نتيجة الاتصال الطويل الأمد بين ثقافتين، ويرى كلّ من فرانز بواس Franz Boas في أمريكا، وغابرييل تارد Gabriel Tarde في فرنسا، وراتزل Ratzel في ألمانيا، أنّ الثقافة تنتقل عن طريق هجرة أصحابها، إلاّ أنّ تغييرا كثيرا وانتقاءً ينتابها، وعندهم أنّ العصر اللَبَكي (البرونزي) في أوروبا هو من تأثير ثقافة الشرق الأوسط والبحر المتوسّط، ويوجد من يرى أنّ أنماطا من الثقافات نشأت نشأة مستقلّة، وما يزال العلماء مختلفين حول ما إذا كان اختراع البارود والطباعة قد انتقل إلى أوروبا من الصين، أو أنّهما اُخترعا من دون تأثير ثقافي.

الانتشار الثقافي في أساسه هو عملية اجتماعية تنتشر من خلالها عناصر الثقافة من مجتمع أو جماعة اجتماعية إلى أخرى، مما يعني أنها في جوهرها، عملية تغيّر اجتماعي changement social. إنها أيضا العملية التي يتم من خلالها إدخال الاختراعات إلى منظمة اجتماعية أو جماعة اجتماعية، والتي يشار إليها أحيانا باسم انتشار الاختراعات diffusion des innovations. إنّ ما ينتقل خلال الانتشار الثقافي يشمل الأفكار، والقيم، والمفاهيم، والمعرفة، والممارسات، والسلوكيات، والمحاشات، والرموز. يعتقد علماء الاجتماع والإناسيون أن الانتشار الثقافي هو الوسيلة الأساسية التي طوّرت بها المجتمعات الحديثة ثقافاتها. زيادة على ذلك، لاحظوا أن عملية الانتشار تختلف عن الانتقال القسري لعناصر من ثقافة أجنبية إلى مجتمع محلي، كما حدث خلال الحقبة الاستعمارية الغربية.

بدأت دراسة الانتشار الثقافي من لدن الإناسيين الذين سعوا إلى فهم التشابه بين العناصر الثقافية في المجتمعات المختلفة في العالم، وذلك قبل ظهور وسائل الاتصال منذ زمن بعيد. طرح إدوارد تايلور Edward Tylor، عالم الإناسة البريطاني في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، نظرية الانتشار الثقافي كبديل لنظرية التطور الثقافي والتي صاغها من أجل شرح أوجه التشابه الثقافي في ثقافات الشعوب المختلفة الأعراق. بعد تايلور، طور الإناسي الألماني الأمريكي فرانز بواس Franz Boas هذه النظرية وشرح الكيفية التي تسير على نسقها عملية الانتشار في المناطق القريبة من بعضها بعضا إراضيا.

لاحظ هؤلاء الباحثون أن الانتشار الثقافي يحدث عندما تتواصل المجتمعات ذات الأنماط الثقافية المختلفة مع بعضها بعضا، وكلما زاد تفاعلها، زاد معدل الانتشار الثقافي بينها. في مطلع القرن العشرين الميلادي، كان عالما الاجتماع الأمريكيان روبرت إي بارك Robert E. Park، وإرنست بيرغيس Ernest Burgess، وعالم الاجتماع الكندي رودريك دنكان ماكنزي Roderick Duncan McKenzie، أعضاءً في مدرسة شيكاغو لعلم الاجتماع، وهم باحثون في العشرينيات والثلاثينيات الميلادية من القرن الماضي، حيث درسوا الثقافات الحضرية cultures urbaines في شيكاغو، وطبقوا ما تعلموه في أماكن أخرى. فقد درسوا الانتشار الثقافي من منظور علم النفس الاجتماعي، وذلك في عملهم الكلاسيكي المُعَلْون «بالمدينة»، والذي نُشر في عام 1925م، مما يعني أن تركيزهم كان على الدوافع الاجتماعية والآليات التي تجعل الانتشار أمرا ممكنا.

يوجد العديد من النظريات المختلفة التي اقترحها علماء الاجتماع والإناسيون لتفسير الانتشار الثقافي، ولكنّ العناصر التي تجمعها ويمكن اعتبارها مبادئ عامة، هي كما يلي:

  • 1- إنّ المنظّمة الاجتماعية أو الجماعة التي تقترض عناصر ثقافية أخرى، تقوم بتعديل أو تكييف هذه العناصر لتتناسب مع ثقافتها الخاصّة؛
  • 2- على القاعدة العامّة، لا تستعار إلاّ العناصر الثقافية التي تتناسب مع نظام المعتقدات الموجود بالفعل في الثقافة المضيفة؛
  • 3- تُرفض كلّ العناصر الثقافية التي لا تتطابق مع نظام المعتقد للثقافة المضيفة عند أعضاء الجماعة الاجتماعية؛
  • 4- لن تُقبل العناصر الثقافية الأجنبية داخل الثقافة المضيفة، إلا إذا كانت الجماعة الاجتماعية ترى أنّها مفيدة؛
  • 5- يكون للفئات الاجتماعية التي تقترض عناصر ثقافية أجنبية، القبول والاستعداد للاقتراض مرّة أخرى في المستقبل.

أولى بعض علماء الاجتماع اهتماما خاصّا بكيفية انتشار الاختراعات داخل نظام اجتماعي معيّن أو منظمة اجتماعية، في مقابل الانتشار الثقافي عبر الجماعات المختلفة. في عام 1962م، كتب عالم الاجتماع ومنظّر الاتصالات إيفريت روجرز Everett Rogers كتابا بعلوان «انتشار الاختراعات»، الذي وضع فيه الأساس النظري لدراسة هذه العملية. وَفْقا لروجرز، هناك أربعة متغيّرات رئيسة تؤثّر على عملية نشر فكرة، أو مفهوم، أو ممارسة، أو صِنْعة مبتكرة، في نظام اجتماعي ما:

  • 1- الاختراع نفسه؛
  • 2- القنوات التي وصل بها الاختراع؛
  • 3- المدّة التي تتعرض فيها الجماعة المعنية للاختراع؛
  • 4- خصائص الفئة الاجتماعية.

تعمل هذه المتغيّرات معا لتحديد سرعة الانتشار وحجمه، بالإضافة إلى ما إذا تم اعتماد الاختراع بنجاح أم لا. تتم عملية الانتشار، حسب روجرز، على خمس مراحل:

  • 1- المعرفة connaissance: التي هي الوعي بالاختراع؛
  • 2- الاقتناع persuasion: حيث يزداد الاهتمام بالاختراع ويبدأ الشخص في البحث أكثر؛
  • 3- القرار décision: لمّا يقوم الشخص أو الجماعة بتقييم مزايا الاختراع وعيوبه (النقطة الأساسية في العملية)؛
  • 4- التنفيذ mise en œuvre: ويرتبط بقيام القادة بإدخال الاختراع في صلب النظام الاجتماعي وتقييم فائدته؛
  • 5- التأكيد confirmation: وهو حين يقرّر المسؤولون الاستمرار في استعمال الاختراع.

يلاحظ روجرز أنه خلال عملية التبنّي، يمكن للتأثير الاجتماعي لبعض الأشخاص أن يلعب دورا مهمّا في تحديد النتيجة النهائية. لهذا السبب الجزئي، فإن دراسته تهم الأشخاص الذين لهم علاقة بمجال التسويق.

مصطلح قريب

لغة كلزية

cultural diffusion
لغة فرنسية

diffusion culturelle
مراجع

  • مصطلحات في الإعلام والاتصال. خضير شعبان، دار اللسان العربي. الطبعة الأولى، 1422، الجزائر.
  • موسوعة علم النفس والتحليل النفسي. الربيز عبد المنعم الحفني. الطبعة الرابعة 1994م، مطبعة مدبولي، مصر.
  • greelane.com/fr/science-technologie-math%c3%a9matiques/sciences-sociales/cultural-diffusion-definition-3026256/