يُعرّفها الأستاذ محمّد السويدي بقوله: «تعني النسبية الثقافية أنّه لا يمكن الحكم على عادات ثقافية معيّنة، ولا يمكن تقويمها إلاّ في ضوء ماهية القيم المرتبطة بها، والحاجات التي تقوم بإشباعها، وعلاقتها العامّة بالالتزامات الأخرى والتوقّعات والقواعد المختلفة»، فالحكم على كلّ عنصر للسلوك يتمّ في خلال علاقته بالمكان والبناء الفريد للثقافة، وبصفة عامّة فالنسبية الثقافية هي عدم الحكم على عادات ثقافية معيّنة حكما صادقا على أنّها أقلّ أو أعلى من عادات في ثقافة أخرى. ندين نحن اليوم بالتصوّر الإناسي لمفهوم النسبية الثقافية لفرانز بُواس (1858- 1942م)، وإنّ لم يكن هو أوّل من فكّر في نسبية الثقافة، فمن أجل الإفلات من المركزية العرقية في دراسة ثقافة معيّنة، كان يوصي بمقاربتها ودراستها دراسة مطوّلة ونسقية من دون أفكار مسبقة، ليفضي ذلك تدريجيا إلى اعتبار هذا الكيان كيانا مستقلا، ومن دون تسليط للمقولات الخاصّة بالباحث من أجل تأويلها، أو مقارنتها بثقافات أخرى قبل الأوان، لأنّه كان يعي تعقيد النسق الثقافي، ويعتبر أن لا سبيل إلى الإلمام بكلّ هذا التعقيد إلاّ بتفحّص هذا النسق في ذاته تفحّصا منهجيا.

علاوة على كونها مبدأ منهجيا، كانت كلّ ثقافة بالنسبة إلى بُواس واحدة خاصّة ومتفرّدة. قبله لم تكن أبدا الثقافات الخاصّة والتي كانت موضوعا لمعالجة الباحثين، لها هذه الاستقلالية، ذلك أنّ كلّ ثقافة تمثّل له كلّية متفرّدة، وكان كلّ بحثه منصبّا على ما يصنع وحدتها، وعلى وصلها بالكلّ الذي ترتبط به، لأنّه لا يتيسّر تفسير عادة معيّنة ما لم يتمّ إحالتها إلى سياقها الثقافي، ويتعلّق الأمر أيضا بفهم الكيفية التي تكوّن التوليف الأصلي الذي تمثّله ثقافة وما يصنع تجانسها. تمتلك كلّ ثقافة أسلوبا معيّنا يفصح عن نفسه من خلال اللسان والمعتقدات والعادات، والفنّ أيضا، إلخ، حيث يؤثّر هذا الأسلوب أو هذه الروح الخاصّة بكلّ ثقافة على تصرّف الأفراد. وقد أكّد بُواس في أواخر حياته على مظهر آخر من مظاهر النسبية الثقافية، وهو مبدأ كرامة كلّ ثقافة، حيث دعا إلى الاحترام والتسامح إزاء الثقافات المختلفة، فطالما كانت كلّ ثقافة تعبّر بطريقة متفرّدة ليكون الإنسان إنسانا، فقد حقّ لها التقدير والحماية كلّما كانت موضع تهديد.