هي أقدم الكتابات التي عُرفت في شبه الجزيرة العربية، وقد استعملها السبئيون والمعينيون والقتبانيون والحميريون، وأقدم أمثلتها المعروفة لا تتعدّى القرن السادس قبل الميلاد. ولهذه الكتابة بعض العلاقة من جهة بالخطّ الحبشي ومن جهة أخرى بالخطوط المتداولة في أواسط الجزيرة العربية وشمالها قبل الإسلام أي اللحيانية والصفاوية والنقوش المسمّاة بالثمودية، ولم يُقتصر استعمال المسند على منطقة الجنوب العربي فحسب بل اُستعمل أيضا في أقدم النقوش المكتشفة في الساحل الشرقي للجزيرة العربية من الحسا إلى عُمان لكتابة لغات محلّية شتّى، وكذلك في نقوش قرية الفاو قرب السليل على الطريق التجاري الذي يربط نجران بالحسا، وربما في نجران أيضا لكتابة العربية، وقد سمّاها علماء المسلمين بخط المُسند وهي كلمة منقولة من اللغات الصيهدية ومعناها «سند مكتوب» وقد تولّى كتابة نقوشها كتّاب مهرة أبدعوا في رسومها، كما نجد إلى جانبها بعض التجادير نقشتها أيْدٍ غير متمرّسة لم توفّق في محاكات النمط البديع للخط النِّجاشي.
النقوش الصيهدية كتابة نِجاشِية أي تُستعمل في الكتابة على الحجر والفلز وهي منفصلة الحروف عدا التي كُتبت على الخشب بقلم اليراع فمُتَعَكِّثة، والفرق بين النمطين المتعكّث والمنفصل كالفرق بين خط النسخ الدارج الذي يكتبه الناس والنسخ الذي كتبه الحاج أحمد كامل. تضمّ هذه الكتابة البَجَدِية 29 صامتا ولا تضمّ صوائت إلاّ ما استثنينا جواز استعمال الواو والياء استعمال الصوامت تارة وتارة أخرى استعمال الصوائت، كحروف المدّ في العربية، كما لا توجد علامة للفتحة المُشبعة ذلك أنّ حرف الألف يُستعمل استعمال الصوامت فحسب، فهو يُقابل همزة القطع في العربية، وقد أشار الهمداني إلى ذلك، فقال: «كانوا يطرحون الألف إذا كانت بوسط الحرف مثل ألف همدان، وألف رئام فيكتبون رئم وهمدن، وكذلك تبع كتّاب كتب المصاحف في رسم الحروف في مثل الرحمن وألف إنسان». كما تُطرح أيضا الألف في آخر الكلمة مثل كلمة «يهودا». وقد عُرف ترتيب الجزء الأوّل للأبجدية الصيهدية من التسلسل الحرفي الذي وُجد على النقوش، أمّا الترتيب الصحيح للجزء الثاني من أبجديتها فما زال يكتنفه بعض الغموض.
تُكتب الصَّيْهَدِية من اليمين إلى اليسار، غير أنّ عددا من نقوش المرحلة المبكّرة حَرَثِية أي يكون اتجاه الكتابة من اليمين إلى اليسار في الأسطر الوترية، ومن اليسار إلى اليمين في الأسطر الشفعية وتنعكس الحروف كي توافق اتجاه الخط، وقد أُفرزت في هذه الكتابة كل كلمتين بخطّ قائم مستقيم، على أنّ الصامت لا يُكتب مستقلا إن كان وحده ويمثّل كلمة، بل يُكتب مع الكلمة التي تليه.
تمتاز نقوش المرحلة المبكرة بالتناسق الدقيق بين الحروف والبساطة والتقليد في آن واحد ممّا أضفى على الكتابة تأثيرا فنيّا جميلا، ثمّ ظهر اتّجاه في المرحلة الوسطى وإن كان له بعض البوادر في المرحلة المبكرّة في إدخال عنصر الزخرفة في هذا الخطّ، حيث أخذت نهايات الحروف أشكالا ذُنابية وبدأت الزوايا الحادّة تحلّ محلّ الزوايا القائمة، وشرعت الأسطر المستقيمة تميل نحو الاستلقاء، أمّا في المرحلة الأخيرة فإنّ الخطّ أصبح ذا مظهر زخرفي بشكل جليّ، إذ تطوّرت الظواهر السابقة حتّى بلغت درجة الشطط.
نظرا للتطورات التي حدثت في هذا الخط، لاسيّما بعد مرحلته المبكّرة فإنّ بعض أشكال الحروف تغيّرت مما نتج عن ذلك أحيانا قراءات خاطئة لنقوشه، مثل:
- لا يكاد يظهر فرق بين شكلي اللام والجيم، فكثيرا ما يتشابهان في القراءة.
- تطوّر شكل الفاء من المعيّن في المرحلة المبكّرة إلى استطالة طرفاه من الأعلى والأسفل في المرحلة التالية، حتى أصبحا خطّين عموديين ممّا جعل التمييز بين حرفي الفاء والقاف عسيرا.
- الشبه الشكلي بين الظاء والكاف في المرحلة المبكّرة
- نشوء خطّ ثان في حرف الباء في نصوص المرحلة الأخيرة.
- ظهور ساق عمودية لحرف الغين في المرحلة الأخيرة، وشكل يشبه إشارة التقاطع.
أمّا الأعداد فقد كُتبت في المرحلة المبكّرة بتكرار خطوط عمودية وضمّ بعضها إلى بعض، مثل المبدأ الذي قامت عليه الأعداد في الرومانية فيما كان منها مفردا، ويُستعمل الحرف الأّول من كلمة خمسة لكتابة العدد الدال عليها، والحرف الأوّل من كلمة عشرة لكتابة عشرة، وحرف الميم لكتابة مئة، وحرف الألف لكتابة العدد ألف، وحرف الميم مبتور من أسفل يدلّ على خمسين، وتُفصل أسماء الأعداد عن مفردات النص باستخدام خطين عموديين يصل بينهما خطّ متعرّج، ثمّ اختفت هذه الطريقة بعد ذلك وصارت الأعداد تُسجّل كتابة لا رقما.