عندما تكون الشعوب الجناثية هي الأقلّيات في أراض تسيطر عليها جنائث (جماعات جناثية) أخرى منافسة، قد يتمّ طردها من الأراضي، أو إبادتها دوريا، وهو احتمال نادر. تستطيع المجموعات التي تمثّل الأكثرية أن تحقّق أراضي أكثر اتّحادا وتقاربا وتوسّعا بغية إقامة الدولة–الأمّة عن طريق إبعاد الأقلّيات الجَناثية. هذا ما فعله كثير من الصرب الجناثيين من خلال سياسة التطهير الجناثي بعد انقسام يوغسلافيا، فبالفعل كانت عبارة التطهير الجناثي ethnic cleansing واردة في نصّ حلّ يوغسلافيا، فهي ترجمة حرفية «اتنيكو سيسنجي» etnicko ciscenje في اللغة الصربية الكرواتية–الكرواتية الصربية. من الصعب تحديد أصل هذه العبارة، ولكن تناقش تقارير البَلَغ (وسائل الإعلام) قيام «أراضٍ مطهّرة جناثيا» في كوسوفو بعد عام 1981م. في ذلك الوقت، كان المفهوم مرتبطا بالأمور الإدارية البعيدة عن العنف والمتعلّقة على نحو خاصّ بتصرّف الألبانيين في كوسوفو تجاه الأقلّيات الصربية.
اكتسب التعبير معناه الحالي خلال الحرب البوسنة والهرسك (1992– 1995م). بما أنّ الضبّاط العسكريين في الجيش الشعبي اليوغسلافي السابق كان لهم دور متميّز في هذه الأحداث كلّها، يمكن القول إنّ أصل هذا المفهوم يرجع إلى المفردات العسكرية. إنّ عبارة «تطهير الأراضي» توجّه عادة إلى الأعداء، وتستعمل في معظم الأحيان في المرحلة الأخيرة من القتال بغية السيطرة كلّيا على الأراضي المغزوّة. يجب عدم حصر تحليل معنى التطهير الجناثي في حالة يوغسلافيا السابقة خاصّة. قد تسيطر هذه السياسة على أي أرض تضمّ مزيجا من الشعوب وتكون عواقبها وخيمة، لا سيّما في محاولة لإعادة رسم الحدود أو لإعادة تحديد الحقوق على هذه الأراضي. هناك عمليات جديدة من النزاعات الواسعة النطاق التي تعتمد التحرّكات العنيفة ضدّ المدنيين الأعداء أكثر ممّا تعتمد الحرب في معناها التقليدي؛ أي بين القوّات المسلّحة. اليوم كثير من الدول تطبّق هذه السياسات وهذا المنطق (رواندا في عام 1994م).
تجدر الإشارة إلى أنّ سياسة التطهير الجناثي تخرق أساسا شرعة حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. عندما تكون الوسائل والطرق المعتمدة في التطهير الجناثي مشابهة لأعمال الإبادة، وعندما تندمج عناصر عدّة لتعقد النية على تدمير الجماعة، عندها نتحدّث عن الإبادة الجماعية. ما من تحديد قانوني دقيق للتطهير الجناثي، كما هي الحال بالنسبة إلى الإبادة الجماعية، على الرغم من أنّ العبارة اُستعملت بكثرة في الجمعية العمومية، وفي قرارات مجلس الأمن، وفي مستندات المقرّرين الخاصّين، وفي كتيّبات المنظّمات غير الحكومية. يفترض البعض أنّ التطهير الجناثي هو تورية للإشارة إلى الإبادة الجماعية، غير أنّ الفرق بينهما ذو أهمّية، فالتطهير الجناثي يسعى إلى تطهير أو تنظيف الأراضي من جماعة عرقية بواسطة الإرهاب أو الاغتصاب أو القتل لحثّ السكّان على الرحيل. أمّا الإبادة فتهدف إلى تدمير الجماعة من خلال إقفال الحدود كي لا يتمكّن أحد من الهرب، وينبغي ألاّ ننظر إلى هذه المسألة كما لو أنّ التطهير الجناثي ليس جريمة دولية وحشية فحسب؛ بل تجب العقوبة فيه بوصفها جريمةً بحقّ الإنسانية. (المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. مارتن غريفيش، تيري أوكالاهان).