الرَّماصِية في معناها الشامل هي العملية الكاملة التي تقيم عبرها الدول علاقاتها الخارجية. إنّها وسيلة الحلفاء للتعاون، ووسيلة الخصوم لحلّ النزاعات من دون اللجوء إلى القوّة. فالدول تتواصل وتساوم وتؤثّر إحداها في الأخرى وتحلّ خلافاتها بواسطة الرماصية. ومن المهمّ أنّ نعرف أنّ المواجهات الخطيرة بين القُوى العظمى منذ عام 1815م والتي انتهت بالقوة، لا تبلغ إلّا 10% من إجمالي المواجهات، ويجري عمل العلاقات الدولية العادي من خلال أداة الرَّماصِية السلمية.
في معناها الضيّق، الرماصية هي تطبيق السياسة الخارجية، وهي مختلفة عن عملية صنع السياسة. قد يؤثّر الرُّمَصاء في الساسة، لكن مهمتهم الأساسية هي التفاوض مع ممثلي الدول الأخرى. فالسفراء والوزراء والمبعوثون متحدّثون رسميون باسم بلادهم في الخارج، وهم الأدوات التي تحافظ بها الدول على الاتصال المباشر والدائم فيما بينها. وعلى الرغم من أنّ الرسائل سريعة الوصول من دولة إلى أخرى في أيامنا هذه، تستطيع اللقاءات الشخصية وجها لوجه أن تضيف خصوصية وصدقا إلى التبادل الرماصي. فالرماصية الرسمية هي نظام دائم من التواصل الرسمي بين الدول، ومن ذلك تبادل السفراء وبقاء السفارات في العواصم الأجنبية وإرسال الرسائل بواسطة مبعوثين مؤهّلين رسميا والمشاركة في المؤتمرات والمفاوضات المباشرة الأخرى.
وتنبع أهمّية الرماصية من واقع أنّ معظم السياسات الخارجية تحُدَّد عموما من دون وضع تدابير لتطبيقها. وعلى الرميص البارع أن يجعل هذه السياسات متأقلمة مع الوضع القائم. كذلك، هنالك مناسبات عدة تبرّر فيها حيثيات وضع معيّن اتّخاذ تدابير معارضة للسياسة العامّة المتبعة، ولهذا تعتمد الدولة غالبا على حكمة مسؤوليها الرمصاء في هذا المجال. وقلة هي الحكومات التي تتّبع سياسة متماسكة تماما يحركّها صوت واحد، لذا يقع على عاتق الرُّمَصاء أن يوفّقوا بين الأصوات المتنافسة وأن يجعلوا سياسة دولتهم الخارجية متماسكة وواضحة ومفهومة.
للرماصية وجهان؛ فهي الوسيلة التي تدافع بها الدولة عن نفسها وتشكو همومها إلى العالم، وهي أيضا إحدى الوسائل الأساسية للتوفيق بين مختلف المصالح القومية المتنافسة. بمعنى آخر تهدف الرماصية إلى تلبية أهداف الدولة المعنية مع الحفاظ على النظام العالمي. إنها الأداة التي تستعملها الدول للوصول إلى أهدافها من دون إثارة عداء الدول الأخرى. وعلى الرمصاء دائما أن يحافظوا على الحاجة إلى حماية مصالح دولتهم ويتجنّبوا النزاع مع الدول الأخرى.
للرماصية ثلاث وظائف رئيسة: جمع المعلومات، تقديم صورة إيجابية، تطبيق السياسة. تجمع السفارة المعلومات حول تفكير القيادة السياسية المحلّية وحالة الاقتصاد المحلّي وطبيعة المعارضة السياسية. وهذه الأمور كلّها مهمّة لأنها تساعد على التنبؤ بالمشكلات الداخلية واستباق التغيّرات في السياسة الخارجية. و«يَعدّ الرُّمصاء بمنزلة عيون حكومتهم وآذانها»، إذ إن رسائلهم وتقاريرهم جزء من الموادّ الأولية التي تبنى عليها السياسة الخارجية. كما تهدف الرماصية إلى توفير صورة مستحبّة عن الدولة. واليوم، تتيح الاتصالات الحديثة تكوين أفكار واتخاذ مواقف حول العالم، وتتمتّع الدول بأنظمة علاقات عامّة واسعة تهدف إلى جعل أعمالها وسياساتها محطّ تأييد دولي. وتزوّد السفارات الأجنبية وسائل الإعلام المحلية بتفسيرات رسمية وتحاول تجنّب الدعاية السلبية أو التخلّص منها. وأخيرا يدير الرمصاء برامج الدولة في الخارج؛ إذ يفاوضون في مسألة الحقوق العسكرية ويسهّلون الاستثمار الأجنبي والتجارة ويشرفون على توزيع المساعدات الاقتصادية ويوفّرون المعلومات والمساعدة الصِّنْعِية.
يقول بعض العلماء إنّه مع مرور الزمن، قلّت أهمّية السفراء الرسميين على نحو ملحوظ. فحين كان السفر والتواصل بدائيين، كان السفراء يتمتّعون بالسلطة والأهلية لتطبيق السياسة الخارجية. وقد يقيمون في الخارج لسنوات عدّة من دون أن يتلقوا تعليمات جديدة أو يعودوا إلى ديارهم. أمّا اليوم، فيتلقّى المبعوثون إلى الخارج عددا كبيرا من الرسائل والتعليمات يوميا ويتواصل رؤساء الدول أحدهم مع الآخر مباشرة عبر الهاتف. وغالبا ما يتفاوض واضعو السياسات الرفيعو المستوى مباشرة بعضهم مع بعض (رماصية القمّة)، أو يرسلون مبعوثين خاصّين (دبلوماسية المكوك). لقد جعل هنري كيسنجر، وزير الخارجية في عهد الرئيسين نيكسون وفورد، رماصية المكوك فنّا راقيا في السبعينيات ونتيجة لذلك، أصبح السفير أقلّ أهمّية في عالم «السياسات العليا»، لا سيما في مجال الأمن العسكري، مقابلةً بما كان عليه في الماضي.
من جهة أخرى، إنّ نمو التبعية المتبادلة بين الدول وتحوّل نظام الدولة القديم المرتكز على أوروبا إلى مجتمع دولي شامل، ساهم بظهور أسلوب من الرماصية متعدّد الأطراف أكثر فأكثر. الإدارة المتعدّدة الأطراف مهمّة في مسائل عدّة متعلّقة بالاتفاقيات التعاونية بين الحكومات. وهذه هي الحال في مجالات عدّة كانتشار الأسلحة النووية ومراقبة الأسلحة والتنظيمات التجارية والقضاء على الإرهاب. وتدعو الأمم المتّحدة ومنظمات حكومية بينية أخرى إلى مؤتمرات دورية لمعاجلة مشكلات الغذاء والنمو السكانّي والبيئة، إضافة إلى مشكلات أخرى ذات طابع عالمي. وبما أنّ معظم البلدان الأقلّ تطوّرا تقوم بالجزء الأكبر من اتصالاتها الرماصية في الأمم المتّحدة، فإن مشكلات رَماصية حديثة كثيرة تتمّ معاجلتها في هذا المنتدى المتعدّد الأطراف. (المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. مارتن غريفيش، تيري أوكالاهان).