معجم المصطلحات الكبير
اِسْتِهْلاكِية
الاجتماع

الاستهلاكية، هي طريقة حياة سائدة في المجتمعات الغنية نسبيا الأمر الذي يشجّع على استمرار شراء السلع الاستهلاكية الذي يعتبر مفيدا لكلّ من الاقتصاد وتحقيق الرغبات الشخصية. من وجهة نظر جدلية، يمكن أن تُعزى الاستهلاكية إلى الثورة الصناعية في مطلع القرن التاسع عشر عندما ارتفعت كثيرا الكمية المجرّدة للسلع المادّية ومكّنت الأثمان الرخيصة جماعات اجتماعية عدّة أكثر من الانهماك في استهلاكها. تمثلّت أولى الجماعات التي ظهرت كمستهلكين عصريين في الطبقات العليا وطبقة النبلاء (الأرستقراطية) اللتين أنشأتا أكبر سوق لسلع الترف الجديدة. وفي غضون القرنين التاسع عشر والعشرين انتشر الاستهلاك الواضح بين جماعات اجتماعية عدّة أكثر من ذي قبل، وبحلول منتصف القرن العشرين، أصبحت الاستهلاكية كطريقة حياة سمة للاقتصادات المتقدّمة. إنّ الحضور السهل لنظام التسليف والإقراض في بداية القرن العشرين كان تطورا مهمّا بالنسبة إلى الحث على زيادة الاستهلاك. ومع نهاية القرن العشرين، أصبحت الحياة في ظل كمّيات كبيرة من الديون أمرا عاديا، وأنّ المنافسة في ميدان كسب المكانة الاجتماعية كانت ترتكز أكثر فأكثر على أنماط الاستهلاك. منذ ستينيات القرن الماضي، جادل علماء الاجتماع في أنّ المجتمعات الرأسمالية أصبحت تعتمد على الاستهلاكية التي تشجّع على أساليب حياة مادّية عالية وعلى الرغبة في شراء السلع واستهلاكها. يقال إنّ هذه التغييرات قادت إلى ظاهرة «المجتمع الاستهلاكي». يجادل ناشطو البيئة في أنّ التحوّل نحو مجتمعات شديدة الاستهلاك أدّى إلى ضرر بيئي كارثي، وإسراف وتبذير غير ضروريين وسلوكات لا يمكن دعمها.

ترتكز المجتمعات الصناعية الرأسمالية على نسق الإنتاج الضخم، وبالتالي فإن هذا يعني أيضا استهلاكا ضخما، فالسلع والخدمات يجب أن تُشترى وتستهلك، على الرغم من أن الإنتاج والاستهلاك قد يحدثان في أماكن إراضية (جغرافية) مختلفة جدّا. ستنتج السلع حيث تكون أرخص، لكن تستهلك حيث يقع الحصول على أفضل ثمن، وعلى الأرجح أنّ الاثنين سيكونان في أماكن مختلفة. ففي القرن العشرين تحوّل التوجّه المركزي للمجتمعات الصناعية الرأسمالية من أنموذج الإنتاج إلى أنموذج الاستهلاك والأمر مألوف الآن أن ينظر علم الاجتماع إلى المجتمعات الغنية نسبيا على أنّها «مجتمعات استهلاكية» أو «رأسمالية استهلاكية» إنّ العمل هو بصدد أن يصبح أقلّ أهمّية بالنسبة إلى تشكيل الهويّة. وبدلا من ذلك، فالاستهلاك يزوّد الناس بفرصة لبناء هويّة شخصية بواسطة شراء العناصر المتنوّعة وبإعطاء النفس على الأقل تصوّرا بأنّها صارت تتمتّع كثيرا بحرّية الاختيار وبالشخصية الفردية. فالتركيز المركزي على الاستهلاك وعلى ذِهْنياء (أيديولوجيا) الاستهلاكية يشجّع على تحوّل سريع في المنتوجات يستند إلى تحوّلات مسايرة للجَديلة (الموضة) في القيمة التبادلية للبضائع، الأمر الذي يؤدّي إلى تبذير أكثر. فتماهي المستهلك مع المنتوجات والسمات التجارية، يجعل الاستهلاك أمرا مركزيا في مجريات الحوادث العادية للحياة اليومية. ثانيا، فالشركات المساهمة الكبيرة مهتمّة أكثر بالدخول على خطّ الإنتاج للمستهلكين وتلبية طلباتهم الأكثر مرونة واختلافا بدلا من وضع حاجات الإنتاج أوّلا والعناية بالمستهلكين بعد ذلك. وتمثّل هذا التحّول نموذجيا في توقف طرائق الإنتاج المتجانسة لشركة فورد، وفي حركة نحو طرائق ما بعد فوردية أكثر مرونة خدمة للسوق الملائمة. يصبح المستهلك وليس العامل هو الفاعل الرئيس. ثالثا، نظرا إلى أن المجتمعات الاستهلاكية تساعد في إنشاء هوّيات شخصية، فإنّ هذا يعمل على إزالة النزاعات الاجتماعية الناتجة من مركزية الإنتاج، بحيث تشارك مجموعات اجتماعية أكثر في العملية التنافسية على المكانة من خلال تبادلات رمزية. إذا، فالتحول نحو الاستهلاكية والمجتمع الاستهلاكي يمثلان علامة على تغييرات مهمّة في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية

الاستهلاكية هي أيضا طريقة تفكير أو عقلية أو حتّى ذهنياء تعمل لإنتاج الرغبة للاستهلاك باستمرار. يجادل علماء اجتماع الاستهلاك في أن متعة الاستهلاك لا تكمن في استعمال السلع ولكن في توقّع شراء الأشياء. فالناس يمضون وقتا في النظر في المجلات وفي التفرّج على السلع المعروضة في نوافذ الدكاكين وفي المواقع التِّقانية (الإلكترونية) العالمية، باحثين عن منتوجات وراغبين فيها قبل القيام بالشراء. يجادل كامبل في أنّ هذا يعود إلى أن الجزء الأكثر متعة وإدمانا للاستهلاك الحديث يتمثّل في الشوق والتوق والسعي والرغبة في المنتوجات لا في استعمالها. فهذه «أخلاقيات رومنطيقية» للاستهلاك تقوم على الرغبة والتوق التي تشجّع عليها صناعة الدعاية والإعلانات التي تفسّر لماذا أنّ الناس لا يكونون حقيقة راضين أبدا.

على الرغم من أنّ مفهوم الاستهلاكية أضاف بُعدا جديدا إلى فهمنا للرأسمالية، فليس من الواضح أنّه هو لسبب التوسّع الرأسمالي. ففكرة أن الاستهلاك هو دافع للإنتاج تجعل الوزن الأكبر يعود إلى طلبات المستهلكين. لكن يجد أشخاص أنّ هذا أمر غير محتمل جدّا، مشيرين إلى التسويق الواسع كثيرا وإلى موازنات نشر الرَّمازات (العلامات التجارية) الكبيرة جدّا للشركات الهادفة إلى خلق رغبات وطلبات تجعل الناس مستهلكين ناشطين. فالموضوع قيد الاهتمام هنا هو من يسيطر فعلا على السلطة\القوة في هذا النظام: المنتج أو المستهلك؟ هل الشركات الرأسمالية الكبيرة العابرة للحدود القومية تتوقّف فعلا على رحمة طلب المستهلك؟ هناك انتقادات أخرى للاستهلاكية نفسها التي ينظر إليها كمدمّر للعلاقات الاجتماعية والبيئة الطبيعية. «تنجح» الاستهلاكية بتحويل الرغبات إلى «حاجات»، مشجّعة بعد ذلك الناس على أنّهم يستطيعون وينبغي عليهم تحقيقها. بهذه الطريقة، هناك ضمنيا تيّار متواصل من أنماط الملابس وغيرها من المنتوجات والخدمات المتاحة لنا للاستهلاك. وقع النظر إلى هذا الجمع بين الحاجات والرغبات على أنّه خطير ويقود إلى اعتقاد باطل يتمثّل في أنّه يمكن شراء السعادة وأن استهلاك المنتوجات أمر طبيعي. وعوضا عن ذلك، ينبغي أن نفصل الرغبات عن الحاجات وننقص من الأولى حتّى نستطيع ضمان تلبية الحاجات الحقيقية للناس في جميع أنحاء العالم، والمشكلة هي أنّ المحاولات كلّها لتعريف «الحاجات» تتّصف بالتخبّط. فالحاجات تحدّدها الثقافات ولا توجد معايير ثابتة متّفق عليها للقيام بالتمييز بينها.

كان مفهوما الاستهلاكية والمجتمع الاستهلاكي المرافق له ولا يزالان مُثمريْن جدّا عند علماء الاجتماع. فأصبح من الممكن الحصول على فهم متوازن أفضل للرأسمالية وذلك بربط عمليات الإنتاج بأنماط الاستهلاك. فعلى سبيل المثال، إنّ الطريقة التي أدّت إلى نجاح العنصرين معا هي نظرية «طاحونة الإنتاج والاستهلاك». فهذه النظرية تجمع بين التصنيع والاقتصاد الرأسمالي والاستهلاك الشعبي الكبير من أجل فهم كيف حوّلت الحداثة العالقة بين المجتمع البشري والبيئة الطبيعية. تبيّن صورة الطاحونة أّنّه متى انطلق نظام الإنتاج الضخم والاستهلاك، يصبح الانصراف عنه من جديد أمرا مستحيلا.

لم تصبح الاستهلاكية مجرّد أسلوب حياة، ولكن أيضا معلمة لكل مسار الحياة بما فيها الفترة الطويلة لآخر الحياة التي أصبحت شيئا مألوفا في العالم المتقدم. يلاحظ جونز وزملاؤه أنّ هذه هي الحال، خصوصا لأن لدى الكثيرين من كبار السنّ اليوم في بريطانيا وفي أماكن أخرى إيرادات أعلى من الأجيال السابقة وأنّ البعض يختارون التقاعد الكامل أو الجزئي في سّن مبكرة. إنّ الجيل الحالي لكبار السنّ هو الذي ساعد أيضا على إحداث ثقافة استهلاك ما بعد الحرب في عام 1945م. فهم من بين «المواطنين المستهلكين» الأوائل، الأمر الذي يجعلهم يواصلون بنشاط الاستهلاك كثيرا في سنّ متقدّمة بدلا من الاستقرار في «الاستهلاك السلبي» للخدمات. تفحص هذه الدراسة الميدانية التجريبية بالتفصيل طرائق متنوّعة يكون فيها كبار السنّ متأثّرين بالاستهلاكية ودافعين لها إلى الأمام في الوقت نفسه.

يمثّل «الاستهلاك الأخضر» اتجاها متزايدا، على الرغم من أنّ هذا المفهوم واسع للغاية يشمل كلّ شيء، الأمر الذي يجعل من الصعب تحديده. ففي مسح استبيان لـ 1600 من أرباب البيوت وربّاتها في ديفون في بريطانيا، فحص غيلغ وزملاؤه ما يحفّز المستهلكين الخضر على محاولة تبنّي أساليب حياة أكثر طولا في المدى. تعرّف البحث إلى أربع جماعات رئيسة. كان البيئيون الملتزمون الأكثر احتمالا للانهماك في الاستهلاك المستدام: شراء منتوجات محلية وعضوية أو منتوجات تجارية من المعارض والفضلات المركبة. تنهمك جماعة الخطّ الرئيس البيئية في سلوكات مشابهة باستثناء فضلات مزيج الروث وأوراق الشجر، بينما لا يتبنّى البيئيون العَرَضِيون إلّا نادرا أو على الإطلاق السلوكات نفسها. لم يكن غير البيئيين مستعدّين للقيام بأي من السلوكات المذكورة. كان هناك رابط بين الاستهلاك المستدام والقيم المنادية بحماية البيئة، الأمر الذي يشير إلى أنّ الحكومات قد تناضل لتشجيع حركة تغيير من الاستهلاك الأخضر إلى أسلوب حياة مستدام. (مفاهيم أساسية في علم الاجتماع. أنتوني غيدنز، فيليب صاتن).

لغة كلزية

consumerism
لغة فرنسية

consommatisme

[لا يُستعمل مصطلح consommatisme بكثرة في فرنسا، المصطلح الأكثر استعمالا هو consommaction، أمّا في كندا فنجد مصطلح consommateurisme هو الغالب]

consommaction
consommateurisme
مراجع

  • مفاهيم أساسية في علم الاجتماع. أنتوني غيدنز، فيليب صاتن. ترجمة: محمود الذوّادي. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2018م. الظعاين، قطر.