معجم المصطلحات الكبير
تَقْسيم العَمَل
الاجتماع

تقسيم العمل، هو الفصل بين مَهمّات العمل والوظائف في عملية الإنتاج والذي يُحدث اعتمادا اقتصاديا واسعا متبادلا، واحد من أول الاستكشافات المنهجية عن تقسيم العمل نجده في كتاب آدم سميث (ثروة الأمم) الذي وصف فيه تقسيم العمل في معمل صناعة الإبر. جادل سميث في أنّ شخصا واحدا يعمل وحده يستطيع أن يصنع عشرين إبرة في اليوم، لكن بتقسيم المهمّة إلى أعمال بسيطة كثيرة، فإنّ الإنتاج الجماعي يقدر على صناعة 48000 إبرة في اليوم. فهذا مثل ممتاز للمنافع الضخمة التي تُكسب من تقسيم مُخطّط ومنظّم للعمل. نظر إميل دوركهايم في أن تقسيم العمل الصناعي في أوسع معنى له قاد إلى تغييرات عميقة في نوع التضامن الاجتماعي الذي يوثّق ترابط المجتمع. رأى أن الأشكال التقليدية للتضامن المعتمد على التشابه بين الناس تتحوّل إلى شكل حديث يتّصف بقوّة الفروقات والتعاون بينهم. فتقسيم العمل بالنسبة إلى دوركهايم لم يكن ظاهرة اقتصادية فحسب، ولكن كان تحوّلا للمجتمع بأكمله.

تستند المجتمعات الحديثة إلى نظام تقسيم عمل معقّد جدّا، حيث أصبح فيه العمل منقسما إلى عدد ضخم من الأشغال المتخصّصة. أصبح هذا إلى حدّ كبير معلما عاديا للحياة الأمر الذي جعلنا لا نكاد نلاحظ أهمّيته التاريخية العالمية بعد الآن. ففي المجتمعات التقليدية، تعلّم الناس الذين يعملون خارج الفلاحة، عموما حرفة، وكان يعني هذا تعلّما ومرانا طويلا على الصنعة أو الحرفة. كان العمّال الحرفيون يقومون عادة بتفاصيل الإنتاج كلّها من بدايتها إلى نهايتها. ألغى التصنيع تدريجا معظم الحرف التقليدية وذلك بإنتاج البضائع نفسها بسرعة أكبر وبكفاءة وثمن أرخص عند استعمال الآلات وتقسيم العمل الواسع. يتعلم العمّال الصانعون أساسا جزءا فقط من عملية الإنتاج التي تسمح لهم بأن يصبحوا ماهرين بسرعة كبيرة من دون أن يخضعوا لمدة تدريب طويلة. يطبّق هذا المبدأ أيضا على أشكال العمل الأخرى بمعظمها. ونتيجة لهذا يكون الاختصاص في عدة آلاف من الأشغال والأدوار والأعمال التي هي مختلفة بالكامل عن الثلاثين أو ما يقرب من ذلك من الحرف والأدوار الرئيسة المتاحة في المجتمعات التقليدية.

رأى إميل دوركهايم تقسيم العمل الواسع أمرا مهمّا جدّا، على الرغم من أنّه حمل مشكلات خطيرة مثل الصراع المحتمل بين المالكين والعمّال. كما كانت له أيضا فوائد عدّة طويلة المدى. ففي المجتمعات التقليدية، كان البعد الجماعي مهيمنا على الفرد وكان الشعور بالفردانية قليل الشأن. كان نوع التضامن الذي لحم المجتمع مع بعضه بعضا هو «تضامن آلي» آت من التشابهات بين الناس ومن مؤسّسات مستقرّة وغير متغيّرة نسبيا ومن أساليب حياة مشتركة ومن إذعان للسلطات. إن التضامن لم يكن شيئا كان يجب العمل على تحقيقه بوعي، لكنّه ظهر آليا من خلال أنماط الحياة المتواصلة.

مع الرأسمالية والتصنيع والعمران الحضري، انهارت الحياة التقليدية ومعها لقي التضامن الآلي المصير نفسه. كان كثر من المعلقين يخافون من أن انهيار التضامن الاجتماعي وازدياد الشعور بالفردانية سيؤدّيان إلى صراع كبير وكذلك إلى انهيار اجتماعي وأخلاقي. مع ذلك، لم يوافق دوركهايم على ذلك. فجادل في أن شكلا جديدا لتضامن عضوي كان بصدد الظهور كنتيجة لتقسيم العمل الواسع. يقوّي اختصاص الأدوار التضامن الاجتماعي داخل الجماعات الكبرى، وبدل أن يعيش الناس منعزلين نسبيا وفي حياة تقليدية بسيطة معتمدة على نفسها، فإنهم سيكونون مرتبطين بعضهم ببعض من خلال اعتماد بعضهم على بعض. فنحن كلّنا نعتمد في حياتنا اليوم على عدد كبير من الناس الآخرين في العالم بأسره بالنسبة إلى المنتوجات والخدمات التي تتوقّف عليها حياتنا. وما عدا استثناءات قليلة. فالغالبية الساحقة من الناس في المجتمعات الحديثة لا تنتج الطعام الذي تتغذّى به ولا المنازل التي تعيش فيها ولا السلع المادّية التي تستهلكها. وفي الواقع، التضامن العضوي يميل إلى إنتاج روابط اتّكال متبادل أقوى بين الناس، وإضافة إلى ذلك يؤدّي هذا التضامن إلى توازن أفضل بين الفروقات الفردية والأهداف الجماعية.

أدى تقسيم العمل إلى اعتماد اقتصادي عالمي متبادل بين الأمم. بهذا المعنى، دوركهايم كان على حقّ في جدله في أن تقسيم العمل سيحمل الناس في العالم على تواصل وتعاون كبيرين. مع ذلك، جادل منتقدون كثيرون في أنّ هذا يستمر قبول وجاهته على حساب نزع المهارات عن العمّال وتدهور العمل. فمبادئ الإدارة العلمية المرتبطة ببروز المعمل المستند إلى الإنتاج الكبير أحدثت ما يسميه علماء اجتماع الصناعة «أنظمة ضعيفة الائتمان». تحدث هذه الأخيرة حيث توضع الأشغال والمهمّات من طرف الإدارة وتكون مهيّأة لتشغيل الآلة. يتعرض العمّال للمراقبة والرصد عن كثب ويسمح لهم بقليل من الاستقلالية في العمل. يرى المنتقدون الأنظمة الضعيفة الائتمان أنّها تعمل على تأّكّل التزام العمّال ومعنوياتهم التي ينتج منها استياء واغتراب ونسب عالية من الغياب كان على العمّال تحمّل مثل تلك الأنظمة لوقت طويل من القرن العشرين. بينما يستمر كثيرون في القيام بذلك اليوم، فإن غالبية هؤلاء هم اليوم من البلدان النامية، حيث تسود المعامل المرهقة المستغلّة جدّا. قد تكون لتقسيم العمل العالمي منافع كثيرة للمستهلكين في الغرب، لكنّه أيضا مصدر لكثير من البؤس والاستغلال.

منذ السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، كان هناك اهتمام متزايد بانهيار طراز قديم يعتمد على الإنتاج الضخم لسلع متجانسة في مصانع كبيرة وفي التحرّك نحو إنتاج يصنع الأشياء الموجّهة إلى أسواق ملائمة. وقع التنظير لهذا التحوّل على أنّه حركة تبتعد من نظام فورد وتتوجّه نحو مرونة ما بعد نظام فورد. أُدخلت الممارسات المرنة في تطوير المنتوج وصِنْعات (تقنيات) الإنتاج وأساليب الإدارة وبيئة العمل وانخراط العامل والتسويق. فالإنتاج ضمن مجموعات وفرق حلّ المشكلات والتكليف بمهمّات تسويق ملائم عدّة، هي فقط بعض الخطط التي تبنّتها شركات تحاول بناء نفسها من جديد لكسب فوائد الفرص التي يقدّمها الاقتصاد العالمي. سوف تكون هناك بالتأكيد عواقب كثيرة لآخر تدهور اقتصادي عالمي بالنسبة إلى أخذ القرارات في الشركات والحكومات ولتقسيم العمل العالمي.

قادت التحولات الأخيرة في التشغيل إلى نمو مهن الخدمات في البلدان المتقدّمة. مع ذلك، ربّما تكون المرحلة المقبلة مرحلة عمل من خارج – الانتقال المنظّم أكثر فأكثر إلى مَهمّات العمل إلى الخارج. وفعلا، يرى بليندر أنّ هذا العمل الخارجي يمكن أن تكون له عواقب ثورية بالنسبة إلى الاقتصادات المتقدّمة المعتمدة على الخدمات. يمكن بسهولة أن ننقل إلى الخارج كثيرا من مهمّات الإدارة والخدمات. ونظرا إلى أنّ هذه الأعمال تنحو لأن تكون مستقرّة وذات أجور جيّدة نسبيا، فإنّ صدمة خسارة مثل ذلك التشغيل ربّما تشعر بها بأكثر حدّة الطبقة المتوسطة وجماعات أصحاب المهن العالية الحرفانية. فعلى سبيل المثل، يمكن إلقاء المقرّرات الجامعية بواسطة الإشباكة (الأنترنت) من أّي مكان في العالم وكذلك الأمور المصرفية ومعظم أدوار خدمات الزبائن. ومن ثمّ، فالسؤال هو: ما هي أنواع العمل التي ستبقى في اقتصادات ما بعد التصنيع؟ يقترح بليندر أنّ تلك الأعمال التي تتطلّب الاتصال بالناس مثل أعمال الرعاية والنقل ينبغي أن تكون آمنة. لكن ما هو غير واضح بعد هو إلى أي مدى سيكون هذا العمل من الخارج جذريا؟ باستعمال مدينة لندن مثالا، بيّنت جاين ويلز وآخرون كيف أنّ المدن الحديثة أصبحت معتمدة على عمل المهاجرين الآتين من أنحاء العالم لملء الكثير من الأعمال المستخفّ بها مثل العمل في حانة والتنظيف والرعاية وتقديم الطعام. على الرغم من أنّ المدن الكبيرة قد جذبت دائما المهاجرين الباحثين عن العمل، فإنّ هذه الدراسة تعتبر أنّ شيئا تغيّر في أثناء العشرين سنة الماضية. فنموذج السوق الحرّة الليبرالية الجديدة للتنمية الاقتصادية، شجّع على جعل التعاقد الفرعي وتخفيض الأجور وشروط العمل، أمرا عاديا، الأمر الذي أدّى إلى أن تصبح لندن تعتمد تقريبا بالكامل على العمّال الأجانب المولودين في الخارج الذين يقومون بالأعمال الضرورية التي تُبقي المدينة في حركة. يثير هذا قضايا سياسية ذات علاقة بالفقر والتماسك الاجتماعي ويرسم الكتاب هذه الأمور وبعض الحلول الممكنة. (مفاهيم أساسية في علم الاجتماع. أنتوني غيدنز، فيليب صاتن).

تعليق

تقسيم العمل هو فصله إلى مكوّناته وتقسيم المهام إلى وحدات أساسية بشكل متزايد، وتقسيمها بين أفراد أو مجموعات أو آلات مختلفة بغرض زيادة الكفاءة الإنتاجية. يعد تجميع المهام اليوم أحد المبادئ التوجيهية لدراسات بيئة العمل لتخطيط وتصميم محطّات العمل.

لغة كلزية

division of labor
لغة فرنسية

division du travail
مراجع

  • مفاهيم أساسية في علم الاجتماع. أنتوني غيدنز، فيليب صاتن. ترجمة: محمود الذوّادي. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2018م. الظعاين، قطر.