معجم المصطلحات الكبير
مجال مرْكزي
الفكر

فكرة أو مجموعة من الأفكار الأساسية تنبع منها أو تدور حولها كلّ الأفكار الأخرى، على سبيل المثال، فإنّ الأخلاقي حسب «وائل حلاّق» هو مجال الإسلام المركزي. الشريعة في مفهومها العام هي عبارة عن قيم أخلاقية، حتّى في مفهومها الضيّق وهو الجانب التعبدي كالصلاة مثلا، فقد جاءت لتدعيم القيم الأخلاقية، «إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر» إذن الشريعة هي المجال المركزي للأخلاقي في الإسلام، أمّا المجالات الهامشية أو الفرعية فيمكن أن تكون مختلف العلوم التي ارتبطت بالشريعة، فإصلاح الكتابة جاء لخدمة النصّ القرآني الذي هو وِعاء الشريعة، ثمّ قواعد العربية من نحو وصرف وغيرهما، كان مبعثها الأساسي ضبط الألسن في قراءة القرآن، وتطوّر علم الحساب ارتبط بدواعي ضبط مقادير الفرائض كالميراث والزكاة، واتّسع علم الفلك للحاجة الشديدة إليه في معرفة أوقات الصلاة والصوم والحجّ، إذن مدار كلّ هذه العلوم والمعارف كان على الشريعة التي هي المجال المركزي في الإسلام، والتي تريد أن تصل بالإنسان إلى تحقيق قوله تعالى: «فاستقم كما أُمرتَ ومن تاب معك ولا تطغوا إنّه بما تعملون بصير»، هود 112. ويرتبط مصطلح «المجال المركزي» «بكارل شميت» Carl schmitt 1985-1888، وهو يقترب في معناه من مصطلح النموذج كما يستعمله «توماس كوهن» Thomas Kuhn.

(يُمثّل مفهوم «المجال المركزي» الخاصّ «بكارل شميت» (Schmitt, The Age of Neutralization) نقطة انطلاق نحو تعريف النموذج. فعندما يصبح مجالٌ ما مركزيا فإنّ مشكلات المجالات الأخرى تُحَلّ في إطار المجال المركزي، وتُعدّ هذه المشكلات ثانوية، إذ يأتي حلّها بصورة تلقائية ما إن تُحلّ مشكلات المجال المركزي. ولتوضيح هذا المفهوم يعرض «شميت» نموذج «التقدّم الصِّنْعي» الأوروبي خلال القرن التاسع عشر الميلادي، وهو مجال للتقدّم كان نموذجيا. فقد أثّرت هذه الطفرة الهائلة في التقدّم الصِّنْعي على كلّ الأوضاع الأخلاقية والسياسية والاجتماعية، ومَنَحها ذلك التأثيرُ الهائل مرتبةَ «ديانة التقدّم الصِّنْعي» التي بشّرت بأنّ جميع المشكلات الأخرى سوف يحلّها التقدّم الصِّنْعِيائي وأضحى «التقدّم الصِّنْعي» ديانة المعجزات الصنعية والإنجازات البشرية والسيطرة على الطبيعة. فبينما كان المجال المركزي في عصر الدين التقليدي هو التنشئة الأخلاقية والتعليم الأخلاقي والتطلّعات الدنيوية الأخلاقية فإنّ «التقدّم الاقتصادي والصنعي» هو ما يعتبر إنجازا حقيقيا في «العصر الصنعي». وبالمثل، ففي «عصرٍ اقتصادي» لا يحتاج المرء إلاّ إلى حلّ مشكلة الإنتاج وتوزيع البضائع بصورة كافية حتّى تصير المسائل الأخلاقية والاجتماعية كافّة غير ذات أهمّية. هكذا، فإنّ المفاهيم كلّها، بما فيها «الله والحرّية والتقدّم»، إضافة إلى «المفاهيم الإناسية الخاصّة بالطبيعة البشرية والمجال العام والعقلانية والعقلنة، وأخيرا مفهوم الطبيعة والثقافة نفسه»، تستمدّ مضمونها التاريخي العِياني من وضع المجالات المركزية ولا يمكن فهمها إلاّ من خلالها.

يُقدّم عصر التنوير، مثالا آخر للنموذج، ولا شكّ في أنّ هذا المشروع اشتمل على حركات فكرية وسياسية توضّعت على طيف واسع من الاختلاف الفكري. ويكفي هنا أن نشير إلى الاختلافات الفلسفية ورؤى العالم المتناقضة تماما لدى «هوبز» Hobbes «وفولتير» voltaire «وروسو» Rousseau «وهيوم» Hume «وسبينوزا» Spinoza «وكانت» «وهيغل» Hegel «وماركس» Marx على الأقل. وعلى هذا، فإنّه يبدو مستحيلا وضع هؤلاء وكثيرين غيرهم في مجموعة مميّزة واحدة، فما بالك بالأنظمة والحركات الفكرية التي أنتجوها. وعلى ذلك، يمكن القول إنّ التنوير في مجمله وعلى الرغم من معتنقي أفكار «كيركغارد» Kierkegaard «وهردر» Herder وأمثالهما، يمثّل نموذجا يُبْرِز مجموعة مشتركة من الافتراضات والمقتضيات التي تُضفي عليه وحدة معيّنة على الرغم ممّا يحفل به من تنوّع داخلي، فإنّ المشروع المركزي للتنوير «كان استبدال الأخلاق المحلّية والعرفية والتقليدية وكلّ أشكال الإيمان المتعالي بأخلاق نقدية وعقلانية، قُدّمت كأساس لحضارة كونية»، وهذه الأخلاق الجديدة العلمانية والإنسانية المُلزمة لكلّ البشر... تضع معايير كونية لتقويم المؤسّسات الإنسانية، تحت إمرة العقل البشري الذي انفصل أخيرا عن المبادئ الأخلاقية التقليدية، فإنّ المشروع يهدف إلى خلق حضارة كونية. «هذا هو المشروع الذي بعث الحياة الماركسية والليبيرالية بكلّ ما فيهما من تنوّعات، وهو يُشكّل أساسا لكلّ من الليبيرالية الجديدة واتّجاه المحافظين الجدد... كما يشترك فيه مفكرو عصر التنوير كافّة، على الرغم من تشاؤمهم بخصوص احتمالات نجاحه التاريخية، أو نظرتهم إليه على أنّه شيء بغيض». وقد شكّل هذا المشروع الرئيس المجال المركزي الذي تُحلّ من خلاله المشكلات الرئيسة والمركزية كافّة، وهو الذي وجّه طرائقنا الحياتية وما يزال، سواء أكان ذلك إلى الأفضل أم إلى الأسوأ. بيد أنّ المجالات المركزية، كنماذج، تنطوي على ما هو أكثر ممّا يستعرضه «شميت»، فتسمية المجالات غير المركزية «بالهامشية»، حسب تعبير «شميت» اللغوي، تحتّم علينا الاعتراف بوجود علاقة جدلية بين المجالات المركزية والهامشية. كذلك فإنّ الحلول المقدّمة للمجالات الهامشية لا تقتصر على أنّها «تأتي تلقائيا ما إن تُحَلّ مشكلات المجال المركزي»). وائل ب. حلاّق، 2014.

تعليق

يقول وائل حلاق في كتابه قصور الاستشراق، ص 40، «إنّ ثمّة مثالا يعبّر بجلاء عن هذه النقطة، إذ يثير وصف الحداثة بالمادّية أو الرأسمالية الاعتراض المألوف بوجود وفرة من الاستثناءات، تمثّلها الحركات الاجتماعية والسياسية غير الرأسمالية أو المفكرون المعادون للرأسمالية. لا تُنكر نظرية النماذج هذه الاستثناءات، بل تعترف بها تماما، مُؤكّدةً أن وجود الاستثناءات هو تحديدا ما يبرهن على هيمنة مجالات مركزية، بصرف النظر عن كون تلك الاستثناءات جزءا أصيلا من آليات القوّة داخل هذه المجالات. لا يمكن دحض آراء يطرحها هذا الكتاب عن البوذية والإسلام والهندوسية وتباين أساليبها نموذجيا مع الحداثة عبر التذكير بوجود أصوات مشابهة أو مماثلة داخل الحداثة، أي الأصوات التي تمثّل الاستثناء، فلا يمكن مثلا لصحّة فرضية –كون الرأسمالية نموذجا مركزيا للحداثة– أن تتأثّر سلبا بأي فلسفة لمفكّر مناهض للرأسمالية، أو حركة اجتماعية أو سياسية تعاديها، مهما كانت قوّة تلك الفلسفة أو الحركة».

مترادف

نِطاق مرْكزي

[مصطلح مرغوب عنه، فكلمة domaine في اللغات الغربية تُترجم عادة في العربية إلى مجال]

لغة كلزية

central domain
لغة فرنسية

domaine central
مراجع

  • الدولة المستحيلة، الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي. وائل ب. حلاّق، ترجمة عمرو عثمان. الطبعة الأولى 2014م. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.