معجم المصطلحات الكبير
مُصْحف الحاضِنة
الزِفارة

مصحف كبير الحجم من المصاحف القديمة كُتب على الرَّقّ، كتبه وذهّبه وسفّره علي بن أحمد الورّاق القيرواني، بطلب من فاطمة عمّة المعز بن باديس الصنهاجي وحاضنته والذي بويع بالخلافة سنة 406، وكنيتها «أم مَلال» فقد كانت محسنة كبيرة، قامت بتربية المعزّ وهو ما يزال صغير السنّ حتّى أصبح رابع أمراء بني زيري في الدولة الصنهاجية التي خلفت الدولة العُبيدية على إفريقيا بعد انتقالها إلى مصر سنة 362. وقد أشرفت على هذا المصحف ومراجعة خطّه الكاتبة «دُرّة» وهي ورّاقِية اُشتهرت بحسن الكِتْبة في بلاط المعزّ آنذاك، ثمّ حبسته فاطمة على جامع عقبة بن نافع رضي الله تعالى عنه بالقيروان في شهر رمضان من سنة 410، في صندوق خشبي كبير حفظا له من التلف والضياع، إلاّ أنّ هذا المصحف لم يسلم من العبث والتخريب وذلك حين زحف بنو هلال على إفريقيا بأمر من العبيديين على صنهاجة سنة 440، فكان هذا المصحف من جملة ما أصاب العمران والحضارة من تخريب وتردّي، فتلاشت أوراقه ولم يبق منها إلا زُهاء 1300 ورقة، تمّ إيداعها في المكتبة الوطنية بتونس العاصمة، وبعد استقلال تونس سنة 1956م نُقل هذا المصحف إلى «رَقّادة» قرب القيروان لإحاطته بالرعاية والترميم في مخبر أعدّ خصّيصا لإنقاذ الكثير من المخطوطات القيّمة والكتب النادرة، التي نال منها الإهمال والتمزّق والتلف وضياع بعض أوراقها.

يتميّز هذا المصحف بكتابته من أوّله إلى آخره بخطّ كوفي جديد مبتكر لم يُعرف له نظير من قبل ولا من بعد، مُلصّص الحروف ومتناسق السطور، يخلو من الإعجام ومشكول على طريقة الخليل بن أحمد الفراهيدي بحركات. ويرى الربيز: إبراهيم شبّوح أنّ هذا الخطّ هو المعروف في النصوص القديمة باسم «الكوفي الريحاني» والذي جاء ذكره عند أبي حيّان التوحيدي من بين أنواع الخطّ الكوفي المعروفة في زمانه. والظاهر أن حروف هذا الخطّ كانت ترسم بعض أجزائها رسما وذلك لتفاوت بُصْرها فهي غليظة في اتجاه ورقيقة في اتجاه آخر، مثلما هو معروف من شأن أشكال الخطّ الفارسي، أمّا المحاجر فترسم على شكل المعيّن أوّلا ثمّ تُملأ بالحبر بعد ذلك فلا يترك من عيونها إلاّ جزءا يسيرا جدّا من البياض. تكون الألف راجعة إلى الخلف على نمط الخطوط الكوفية المصحفية القديمة، وتُرْسم اللام ألف على شكل خطّين منحنيين ومتقاطعين يرتكزان على مثلث. تُرسم سنّات السين وأختها وكذلك السنّات المتتابعة متدرّجة في القصر، فالسنة الأولى تكون أرفع من الثانية والثانية أرفع من التي تليها ومثل ذلك في الأصابع أيضا كأصابع كلمة الله حيث تُكتب الألف أرفع من اللام الأولى واللام الثانية أقل ارتفاعا منهما.

تعليق

اللَّصَص في الكتابة هو أن تتراصص الحروف وتتلاصق أجزاؤها فلا يفصل بينها إلى خطّ رقيق من البياض.

مراجع

  • حروف عربية، مجلّة فصلية تعنى بشؤون الخط العربي. العدد السادس والعشرون، السنة الثامنة. ذو القعدة 1431/ أكتوبر- تشرين الأول 2010م. ندوة الثقافة والعلوم، دبي.

أَرَقة من مصحف الحاضنة، كُتب على الرقّ سنة 410. مصدر الصورة: metmuseum

الآية الأخيرة من سورة الفاتحة في مصحف الحاضنة مع الفِصالة وهي الزخرفة تفصل بين السور، وقد كتبت بالكوفي القيرواني المورّق.