معجم المصطلحات الكبير
كِتابة حَضَرِية
الكِتابة

الحَضَر مملكة عربية قديمة قامت في الجزيرة الفراتية، وعاصمتها مدينة الحضر التي تقع جنوب مدينة الموصل في العراق، على بعد 110 إقاس (كلم) ظهرت في التاريخ في القرن الأوّل الميلادي، وسيطرت على ما جاورها، وصدّت غزوات الدولة الرومانية، وفي سنة 241 م سقطت على أيدي الساسانيين، ومازالت آثارها قائمة إلى اليوم في العراق. تُعتبر الكتابة الحضرية كتابة خاصّة بالحضر، شأنها شأن الكتابات في الممالك المجاورة لها كالتدمرية والنبطية، وهي ليست آرامية كما يُعتقد، فمحاولات المتخصّصين في الآرامية لقراءتها باءت كلّها بالفشل منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وما بعده، وإن كانت قد تأثّرت بالآرامية في وضعها لبعض الحروف، ولم تُفسّر رموز هذه الكتابة كاملة إلاّ في سنة 1951م على يدي فؤاد سفر (10-1987م) ومحمّد علي مصطفى (11-1997م) وتأكّد ذلك بعثورهما على حروفها كاملة منقوشة على الجدار الشرقي لمعبد بَعْلَشْمون بترتيب أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت، وبذلك تيسّر قراءة هذه الكتابة.

333.jpg

حروف الأبجدية الحضرية، وجدت منقوشة على الجدار الشرقي لمعبد بعلشمون، تعود على وجه التقريب إلى القرن الثاني الميلادي. نقلا عن فؤاد سفر، 1951م. 

يعود تاريخ الكتابة الحضرية إلى القرون الثلاثة بعد الميلاد، وقد كانت بداية الحضر مركزا دينيا وتجاريا وعسكريا هامّا في القرن الثاني قبل الميلاد، وبيّنت الكشوف أنّها لم تمرّ بأدوار تطورية كالكتابة النبطية إلاّ بشكل محدود، وربّما تمّ وضعها على دراسة الكتابة الآرامية الشائعة في ذلك الحين، وقد حاول واضعوها التوصّل إلى حروف خاصّة بهم فيها بعض الحروف الآرامية، والحروف الأخرى إمّا محوّرة عنها وإمّا جديدة مبتكرة. تشترك الكتابة الحضرية في خصائصها العامّة مع الكتابات المعاصرة لها والمتطوّرة من الآرامية مثل الكتابة النبطية والتدمرية والرهاوية والمندائية والسريانية فيما بعد وغيرها، لا سيّما في عدد الأحرف الاثني والعشرين مع اشتراك حرفي الدال والراء في شكل واحد، فأصبحت بذلك 21 شكلا، كما تخضع للترتيب الأبجدي العام الشائع لهذه الكتابات، وتُكتب كلّها من اليمين إلى اليسار معتمدة على الحروف الصحيحة دون الحروف الصائتة أو الليّنة إلاّ في القليل النادر، وكذلك التشابه الشديد في شكل بعض الحروف لأنّ مصدرها واحد. وأهمّ الخصائص التي تميّز الكتابة الحضرية عن غيرها هي:

1- تميّز الحروف الحضرية عن الحروف الآرامية، ولا تزيد حروفها المشابهة للحروف الآرامية عن ثلاثة حروف وهي، الطاء والتاء والزاء، وسبعة منها تقرب في الشبه بالحروف الآرامية إلاّ أنّها لا تطابقها مطابقة تامّة وهي، الألف والجيم والدال واللام والميم والصاد والقاف، أمّا ما تبقى من حروفها البالغ أحد عشر حرفا فإنّها تختلف عن مثيلاتها في الآرامية اختلافا تامّا على اعتبار أنّ حرف الراء هو تكرار لحرف الدال، ويُلاحظ فيها عنصر الابتكار والتفرّد.

2- جعْل الساي عنصرا كتابيا ترتفع أجزاء بعض الحروف فوقه، وتهبط عراقات بعضها أسفله.

3- الامتداد الأفقي لبعض الحروف الواقعة على الساي مثل الألف والباء والجيم والهاء واللام والشين، وهي ظاهرة نادرة الحدوث في الكتابات المعاصرة لها التي تميل إلى التجمّع على الساي بشكل يميل إلى التربيع، وقد أدى ذلك إلى تعكّث الحروف.

4- الشبه الكبير القائم بين الحروف من غير حرفي الدال والراء، مثل الواو والياء والزاء، وكذلك الشبه بين الألف والهاء والحاء، وتشابه السين والميم والقاف، ومثلها الباء والجيم والعين، وكذلك الكاف المستقيمة العراقة مع الدال والراء، وقد صعّب هذا التشابه قراءة نصوص اللغة الحضرية.

5- تعانق الحروف، وهذه ميزة تكاد تنفرد بها الكتابة الحضرية، لا سيّما في حرفي اللام والطاء.

6- التعكّث نتيجة عفوية الكاتب وقلّة تجويده، إلاّ أنّه في بعض الأحيان يكون طبيعيا لتتابع الحروف ذات الامتدادات الأفقية، ويمكن أن يكون التعكّث في حرفين إلى خمسة أحرف وقد وُجدت هذه الخصيصة في بعض أطوار الكتابات المتأخّرة للنبطية والسريانية.

7- تُكتب حروف هذه الكتابة بشكل واحد في الابتداء والتوسّط والتأخّر في حالتي التعكّث والفصل، مع وجود بعض الفروق التي تعود إلى تفاوت مستويات الكتبة أو اختلاف مقدرتهم الفنّية في التجويد أو إلى طبيعة وعاء الكتابة من حجر أو جصّ أو غيرهما.

8- غلبة اللين على الكتابة الحضرية، سواء في تحاسينها أو في كتاباتها الرديئة، وظلّ التربيع بعيدا عنها، على العكس من الكتابات المعاصرة لها كالتدمرية التي تأثّرت بالكتابة اليونانية والرومانية في صفة اليبس.

9- استعمال حرف الألف حرفا صحيحا وهو الهمزة في العربية، وكذلك حرفي الواو والياء كحركات ثقيلة وخفيفة في مثل الكلمات: الها، اردكلا، جلفا، دميون، ابو، برنبو، دكير، بريك، عبدي.

10- حضور الروادف المبكّر في هذه الكتابة، مثل حرف الحاء الذي يُقرأ أحيانا حرف خاء.

تُعتبر الكتابة الحضرية آخر الكتابات التي عُرفت في الجزيرة العربية، وأحدثها من حيث الكشف عن أسرارها وحلّ ما اُستغلق من رموزها، وبالتدقيق في خصائصها ذهب بعضهم (ذنون، 1984م، 2010م) إلى القول بأنّها أصل الكتابة العربية، وأنّ الجزم ما هو إلى الكتابة العربية الأولى التي قُطعت من الحضرية، وأنّها وُضعت على قياسها ولم تتطوّر منها، وأنّ واضعيها كانوا على دراية تامّة بهذه الكتابة، لذلك جاءت حروف العربية مشابهة للحضرية في بعضها ومختلفة عنها في البعض الآخر، وأنّ الروايات العربية التي تناقلها العرب مشافهة تصدق كثيرا على هذا الرأي.

 

مراجع

  • الخطّ العربي والمطلب اللغوي، يوسف ذنون. اللغة العربية والوعي القومي، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظّمها مركز دراسات الوحدة العربية، بالاشتراك مع المجمع العلمي العراقي، ومعهد البحوث والدراسات العربية، نيسان/ابريل 1984م. مركز دراسات الوحدة العربية.
  • الكتابة الحضرية وأثرها في نشوء الكتابة العربية قبل الإسلام، يوسف ذنون. وثائق المهرجان الثقافي للخط العربي من 26 ماي إلى 02 جوان 2010، وزارة الثقافة، الجمهورية الجزائرية.
  • الحضر مدينة الشمس، فؤاد سيف ومحمد علي مصطفى، الآثار العامّة، 1974م. بغداد.

حروف حضرية وعربية ونبطية تظهر العلاقة بين الكتابات الثلاثة، نقلا عن يوسف ذنّون، 1984م.