معجم المصطلحات الكبير
عَلْصَنة
الفكر

ظاهرة اجتماعية تمثّل حالة من الأحداث وقعت في المجتمعات الغربية الصناعية على وجه الخصوص، وفي بداية القرن الواحد والعشرين الميلادي، حيث أدّت إلى ارتباط العلم بالصِّنْعِياء technology واندماجهما على نحو أصبح من الصعوبة الكبيرة التفرقة بينهما، فكثيرا ما نفكّر في العلم عندما ننظر إلى الأشياء الصنعيائية في حياتنا، وبالمثل، عندما نفكّر في العلم، ففي الكثير الغالب نفكّر فيما يقدّمه من تسهيلات صنعيائية أصبحت حياة الإنسان في العصر الحديث لا تقوم إلاّ بها، مع تزايد هيمنة الاعتبارات الصِّنْعيائية والقينيائية وإيجاد الحلول لها على المشاكل الفكرية اليومية، وقد سُمّي هذا الدمج والالتحام بين العلم والصنعياء «بالعَلْصَنة» technoscience وهي كلمة منحوتة من وعلم وصِنْعياء.

العلم هو نشاط إنساني يسعى إلى وصف الظواهر والأحداث وفهمها ومحاولة ضبطها، والسيطرة عليها، والصنعياء وليدة العلم ومظهر من تطبيقاته، والترجمة الحسّية لمفاهيمه ومبادئه ونظرياته، تنشأ خلال محاولة الإنسان للتكيّف مع مَحاطه الطبيعي، والعلم والصنعياء وثيقي الصلة ببعضهما، وعلى علاقة تفاعلية، فهما يتواجدان اليوم في حال من التكافل، ويعيشان معا لمنفعتهما المتبادلة، وقد ولّد اندماجهما تطبيقات بالغة التأثير على المجتمع، لأنّ كلّا منهما يضيف قوّة إلى الآخر. ومن الحالات الكثيرة التي قامت فيها البحوث العلمية الأساسية بتزويد التجديد الصنعيائي وتغذيته، تخليق بيركنز Perkins لأوّل صبغة آنيلين عام 1856م، وبدايات صناعة مركّبات المواد الصباغية، مرورا بصناعة المُرمِّقات (أشباه الموصّلات) و«الترانزيستورات»، والحواسيب، ثمّ الهندسة الوراثية، و«الأنزيمات» غير القابلة للتحليل، وصناعات الصنعياء الحِياوية الصاعدة، والتناطي telecommunication، والمَحاشات الجديدة new materials، والحَوْتلة robotics، وليس انتهاءً بما يُنتج اليوم ممّا هو طريف فكريا، وما هو نافع اجتماعيا، وقابل للتطبيق تجاريا، ويقترن هذا التداول للأفكار والممارسات بحركة متزايدة للأفراد، وتحوّلات المواقف التقليدية للصناعة، ومواقع التعلّم فيما يتعلّق بأدوار كلّ منها مستقبلا في هذا العمل.

ظهرت دراسات العلم والصنعياء، باعتبارها تخصّصا متنوّعا، ينظر إلى المعرفة العلمية ومنتجات الصنعياء المنبثقة عنها كمنشآت مشيّدة ومعتمدة على زمن بنائها ومكانها، فالمعرفة التي تخرج من المعامل البحثية والمراصد وغير ذلك، والصِّنْعات المنبثقة عنها ما هي إلاّ بنايات مؤقّتة، تعتمد على متغيّرات كثيرة حولها، ولا تحمل في طيّاتها الحقائق المطلقة. وبناء على هذه الرؤية، فإنّ المعرفة لا تُكتشف، ولا يعثر عليها، ولكنّها تشيّد من خلال أعمال العلماء والتبناء والتفاعل بينهما، مستعملين في ذلك ما يحيط بهم من موارد، فما العلم والصنعياء إلاّ أنشطة اجتماعية تعكس الأحوال الاجتماعية المحيطة بانتاجهما، كما تعكس الأحوال الاجتماعية لأولئك الذين ينتجونهما. وهذه الرؤية تتعارض مع الرؤية القديمة التي تقول إنّ المعرفة العلمية ترقد في مكان ما، في انتظار بعض الموهوبين لاكتشافها ورفع النقاب عنها، فالكثير من المشتغلين بإنتاج المعرفة والحقائق المتعلّقة بالعلم المادّي ينظرون إلى العلم باعتباره نشاطا محايدا، يسير قُدما في تطوّره من خلال تطبيق وسيلة معيارية معروفة، ولا يفكّر هؤلاء بمدى اعتماد المعرفة التي ينتجونها على العوامل أو الأحوال الاجتماعية، ويعتقدون أنّها محدّدة فقط بالاحتمالات العلمية، وتوافر الموادّ والصنعياءات والتمويل اللازم. لذلك يختلف مفهوم العلم ومكنونه عند هؤلاء العاملين في المؤسّسات العلمية عن المقترحات التي يقدّمها أساتذة «الدَّعْص» (دراسات العلم والصنعياء) STS.

يقول مارك إريكسون: «كان العلم قديما يتّسم بتوحّد مؤسّسته، وكان يُنظر إلى العلم باعتباره مشروعا مترابطا ومتوحّدا، تجتمع فيه كلّ المعرفة العلمية، وتعدّ جزءا منه، كما يشترك كلّ العلماء في جوهر قيمه وأهدافه... العلماء جزء لا يتجزّا من المجتمع مثلنا جميعا، يحملون فراغا في القلب، فليس للعلم جوهر ولا قلب، وبدلا منه يوجد «عدم» ساطع مُحاط بالقوّة والمقدرة، ولكنّه فراغ على كلّ حال. وعلمنا اليوم مجزّأ وتجري عملية بنائه باستمرار، من خلال تفاعله مع المجتمع والثقافة، وليس علمنا شكلا نقيا من المعرفة والممارسة، بل مجموعة من المشاريع المشوّشة التي تُولِّد الارتباك، ومجموعة من الأنشطة والتمثيلات التي تصنع حقيقتنا «العَلْصنية» لم يعد هناك مركز للعلم، حيث امتدّ العلم وتجاوز حدوده الأصلية، ودخل واستعمر مناطق ومجالات، ليست لها أي مراكز هي الأخرى».

تعليق

الظاهر أنّ هناك علاقة بين العلصنة والمذهب الفلسفي المسمّى بالنِّسْبانية relativism الذي يعتنقه دعاة ما بعد الحداثة، وهو مذهب فلسفي لا يعترف أصحابه بوجود حقيقة موضوعية مستقلّة عن سياقها الاجتماعي التاريخي، وقد تبنّى المذهب النِّسْباني الكثير من الباحثين والفلاسفة في الغرب، مثل: فايرابند الذي دعا إلى عِلْمياء (إبستمولوجيا) تقوم على الفوضى، واستنكر وجود أي منهج علمي، ولم يميّز بين العلم والدين والإسطارة، واعتقد أنّه لا يوجد للعلم أساس منطقي، وأنّ كلّ شيء يمكن أن يكون صحيحا.

«الدَّعْص» خَذْم لعبارة دراسات العلم والصنعياء (STS) وقد ظهر هذا المفهوم بشكل مستقلّ في الستينيات الميلادية من القرن الماضي، حيث يعتبر كتاب «خلق حقيقة علمية ونموّها» للودفيك فليك Ludwik Fleck الذي صدر سنة 1935م، اللبنة الأولى في بناء صرح هذا النوع من الدراسات، وقد ساهم تأثير عمل كارل مانهايم Karl Mannheim وكذلك «التركيبية الاجتماعية» وهي تيّار في علم الاجتماع ثمّ «علم اجتماع العلوم» أيضا في إنشاء نهاجل (برامج) الدعص الذي يقع عند التقاء العديد من مجالات الدراسة في مختلف التخصّصات (التاريخ، والفلسفة، والعلوم الاجتماعية).

مصطلح قريب

لغة كلزية

technoscience
لغة فرنسية

technoscience
مراجع

  • العلم والثقافة والمجتمع، فهم العلم في القرن الحادي والعشرين. مارك إريكسون، ترجمة: محمود خيال. المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى، 2014م. القاهرة، مصر.