معجم المصطلحات الكبير
محمّد سعيد شريفي
الخِطاطة

أحد أشهر الخطّاطين الجزائريين في العصر الحديث، وأحد الباحثين القلائل في العالمين العربي والإسلامي في شؤون الخطاطة الإسلامية والكتابة العربية، وهو أوّل جزائري أستاذ ربيز في شؤونها، وقد كانت له اليد الطولى في نشر الخطاطة الإسلامية في الجزائر، وتدريسها على أصولها الفنية في المعهد العالي للفنون الجميلة في الجزائر العاصمة. ازداد محمّد بن سعيد بن بالحاج بن عَدّون بن الحاج عمر بالقَرارة، في ولاية غرداية، ليلة الأحد 29 صفر من صيف عام 1345، أوّل يونيو من سنة 1935م، درس المرحلة الابتدائية حتّى الثانوية في مسقط رأسه بالقرارة، كان أوّل عهده بالخطاطة الإسلامية في السنة الثانية ابتدائي مع معلّم له في حيّه هو سعيد دَحْمان الذي امتاز بخط رائق في الكتابة العادية وعلى السبّورة، ومن ثَمّ بدأ في الكتابة تأثّرا به، فكان يقوم في أوّل أمره بترميك الخطوط وهو ترسّم حواشي الحروف بالسالة ثمّ ملؤها بالحبر، ولمّا علم وهو في السنة التاسعة من عمره أنّ الخطّاطين يستعملون قلم اليراع في الكتابة، أخذ يكتب ويتتبّع الخطوط المجوّدة في طول مدّة دراسته المتوسّطة والثانوية حتّى جاد خطّه كثيرا، فكان يخطّ اللافتات ورفائف الدكاكين ويحاول في القليل النادر أن يتكسّب به.

كان محمّد شريفي أعسر يكتب بشماله، فصادف أن جمعه في يوم مجلسٌ مع الشيخ ناصر مَمّوري فسمع منه كلاما عن بركة العمل باليمين وعلم منه أنّ التيمّن هو السُّنّة النبوية، وأنّ الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحبّ التيمّن في كلّ شيء، فظنّ أنّه يعنيه بهذا الكلام، فعلق ذلك في ذهنه ووقر في قلبه إلاّ أنّه واصل تعلّمه للخطّ على ما كان قد تعوّده، ولمّا أنهى الدراسة الثانوية وحاز على شهادة اللَّقانة أشار عليه بعض معارفه بالتوجّه إلى المشرق ليصقل موهبته في الخطاطة أكثر لا سيّما إلى مصر. في هذه الفترة عمل سائق شاحنة لمدّة سنة حتّى تسنّى له أن يذهب إلى المشرق، فدخل القاهرة وعمره 23 سنة، وتوجّه إلى مدرسة تحسين الخطوط التي كانت تضمّ في ذلك الوقت الخطاط الكبير سيّد إبراهيم، كانت فترة التسجيل لذلك العام قد انقضت، فما كان عليه إلاّ أن انتظر إلى العام القادم، فطلب من القائمين على شؤون المدرسة أن يسمحوا له بحضور دروس الخطاطة ومتابعتها تطوّعا منهم بصفة غير رسمية، قبلت الإدارة بذلك وسمحت له بحضور أي درس يرغب فيه من الدروس التي يلقيها الأساتذة المحاضرون، وخلال حضوره لبعض دروس الخطّاط محمّد رضوان المكلّف بمقرّر السنة الرابعة، لاحظ رضوان أنّ محمّد شريفي يكتب بالشِّمال، فتوجّه إليه وقال له: يا بني، إنّ الكتابة العربية تبتدئ من اليمين وتُكتب باليمين، فصادف هذا القول ما كان قد سمعه من قبل من الشيخ ناصر، ورأى أن تغيير طريقة الكتابة أمر لا مفرّ منه، فعزّ ذلك عليه في أوّل الأمر كثيرا، حتّى إنّه لمّا رجع إلى بيته في مساء ذلك اليوم بكى بكاء شديدا، وعلم مقدار المشقّة التي سيلاقيها حينما يبدأ في تعلّم الكتابة من جديد، وقد قال عن ذلك: كنت لا أحسن حتّى أن أُدخل القلم في المحبرة بيميني. ثمّ أدرك فيما بعد أنّ بعض الحروف العربية لا تتأتّى على نحو جيّد إلاّ إذا خُطّت باليمين، ولهذا كان يقول الفنّان الإيطالي الشهير ليوناردو دا فينشي: إنّ كتابة الحروف اللاتينية تُناسب العُسْران. كما أنّه استبشر خيرا وانشرح صدرا وطاب نفسا حينما علم أيضا أنّ كتابة المصحف الشريف لا تكون إلاّ باليمين، لقوله تبارك وتعالى: «وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطُّه بيمينك إذا لارتاب المبطلون» (العنكبوت، 48)، وهذا المشروع طَمَح إلى تحقيقه منذ بداية تعلّقه بالخطاطة الإسلامية، فأخذ في الجدّ والاجتهاد، فكان لا يترك القلم والطباشير يوما ولا ساعة، وأكثر من التمرين حتّى تعوّدت عضلات يده اليمنى على الكتابة، وعاد أحسن ممّا كان عليه من قبل.

الخطّاطون العُسْران موجودون في تاريخ الخطاطة الإسلامية، والكثير من الخطّاطين الأتراك قديما كانوا يخطّون بالشِّمال، وكلّ من حمل لقب يساري في المحضرة الخطاطية التركية كان أعسر، مثل: محمد أسْعد يساري، ومنهم من حاز اليوم على جوائز المرتبة الأولى في العديد من المسابقات، مثل: فَرْهاد قُورْلو اليساري، إلاّ أنّ ما دفع محمّد شريفي إلى تغيير طريقة كتابته واقتحام هذا الأمر، نبع ممّا كان يراه من وجوب التمسّك بأهداب الشريعة، والتزام السنّة الشريفة فيما جلّ فيها أو قلّ.

كان يطمح محمّد شريفي أن يدخل أيضا إلى مدرسة الفنون الجميلة، فحيازته على شهادة اللَّقانة تمنحه فرصة الدخول إلى المدارس العليا والتخصّص في الدراسة الفنّية الدَّيْوَنية (الأكاديمية)، لأنّ مدرسة تحسين الخطوط كانت مسائية في أربعة أيام خلال الأسبوع، كما أنّها لا تمنح الشهادات العليا، فأضطّر من أجل تحقيق هذه الرغبة إلى أخذ بعض الدروس الخصوصية في الرسم، ليتسنّى له الدخول إلى مسابقة الالتحاق بكلّية الفنون الجميلة في مصر، وبعد نجاحه في هذه المسابقة التحق بقسم الحفر أو النقش، وأخذ خلال هذه المدّة دروسه عن مُحمّد علي المكّاوي تلميذ الشيخ علي بدوي وعبد العزيز الرفاعي، الذي درّسه في مدرسة تحسين الخطوط وفي كلّية الفنون الجميلة، فكانت له معه صحبة طويلة وعلاقة حميمة، وقد استفاد منه محمّد شريفي كثيرا. يُحسِن المغاربة في الكثير الأعمّ من الخطوط المشرقية الثلث والنسخ، وقلّما يبرعون في الديواني والرقعة والفارسي، وهذا ما كان عليه شأن محمّد شريفي، فقد لاحظ أستاذه إبراهيم صالح فجوة كبيرة بين كتابته للثلث وكتابته للرقعة، فأشار عليه أن يرفع من مستواه في خطّ الرقعة ليتلاءم مع نبوغه في الثلث، واقترح عليه أن يمشق على خطوط محمّد عزّت، فاستعار بعض أمشاقه من أحد زملائه الأتراك، وبدأ يخطّ عليها حتّى بلغ الجودة والاتقان إلى درجة أن نال الجائزة الأولى في خطّي الثلث والرقعة في المسابقة التي كانت تقام في كلّ عام بمناسبة عيد العلم، وهو تقليد درج عليه المصريون في ذلك الوقت، يُقام في جامعة القاهرة ويحضره رئيس الجمهورية، ويصدر عنه كتاب يضمّ أسماء الأوائل المتفوّقين في جميع المجالات الدراسية والعلمية، بدءا بتلاميذ الأقسام الابتدائية وانتهاء بطلاب الرَّبازة في الأقسام الجامعية العليا.

في أربع سنوات من الدراسة العامّة في كلّية الفنون الجميلة بمصر تخرّج محمّد سعيد شريفي سنة 1963م، وقد نال أيضا شهادة دبلوم في الخطاطة، وأجازه الخطّاط المصري الكبير سيّد إبراهيم، بعد أن قدّم له عملا فنّيا كتبه بعدّة خطوط، نصّه: «وقال ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمتَ وعلي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين» (النمل، 19)، كما تعلّم أيضا اللغة الإيطالية في هذه الكلّية مع إتقانه للغة الفرنسية، وسافر إلى إيطاليا واطّلع على فنونها وزار متاحفها ورأى تماثيلها ورسومها، وقدّم دراسة عن الفنّ الإيطالي نال بها مجموع 90% من الكلّية. ثمّ عاد إلى الجزائر بعد تخرّجه، واشتغل بتدريس الخطاطة الإسلامية في المدرسة الوطنية للفنون الجميلة، واشتغل أيضا خطّاطا في المعهد التربوي لإعداد الكتب المدرسية. وخلال إعداده لأطروحته في الحَذَاقية، زار تركيا وبقي فيها مدّة ثلاثة أشهر لجمع المراجع وزيارة المتاحف وأخذ الصور، فأتصّل بالخطّاط الكبير حامد الآمدي وأخذ منه إجازة في الخطّ، كما زار الرباط وتونس والأسكوريال في مدريد، والمكتبة الوطنية في باريس، في سنة 1967م قدّم أطروحته بعلوان خطوط المصاحف عند المشارقة والمغاربة، وكان يقول: إنّ هذه الدراسة قد أفادتني كثيرا في كتابة المصحف الشريف بعد ذلك. وفي سنة 1969م رجع مرّة أخرى إلى مصر لدراسة التخصّص في الزخرفة لمدّة عامّين وإجراء الامتحان النهائي، فشارك في مسابقة عيد العلم فكان ترتيبه الأوّل في الثلث والزخرفة.

يُعتبر محمّد شريفي أوّل من كتب المصحف الشريف برواية ورش عن نافع بخطّ النسخ، لأنّ هذه القراءة المنتشرة في بلاد المغرب لم تكتب إلاّ بالخطّ المغربي. لذلك كان إخراج مثل هذا المصحف يتطلّب جهودا كبيرة ومعرفة واسعة، كان الأستاذ الربيز محمّد شريفي هو الأقدر على فعل ذلك، وقد كتب المصحف الشريف 5 مرّات، وكتب العملة الجزائرية بصنفيها الماز والعُشار، كما كتب شهادات التخرّج الجامعية، له أيضا مجموعة من كرّاسات في دروس تعليم الخطّ: خطّ النسخ، وخطّ الرقعة، وخطّ الثلث، والخطّ الفارسي، ثمّ إنّه لم يُعرف عنه أنّه منح إجازة في الخطاطة لأي أحد في الجزائر ولا في خارجها، وحينما سئل عن ذلك، قال: إنّه لا يليق أن أعرض إجازتي على أحد، ولا يصحّ ذلك، كما أنّه لم يُقدَّم إلي أي عمل من أحد لأجيزه. ثمّ أصبح بعد ذلك عضوا في لجنة التحكيم لمدّة ست دورات في مسابقة الخطاطة الإسلامية في استنبول والتي يقيمها مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في كلّ ثلاث سنوات، وهو أحد مؤسّسات منظّمة المؤتمر الإسلامي، كما كان عضوا في مسابقة اختيار خطّاط مصحف قطر، وهو مصحف أنجز على نفقة دولة قطر وطبع عدّة طبعات، كانت الأخيرة من عمل الخطّاط السوري عبيدة محمد صالح البنكي، وهي المرّة الثانية له في كتابة هذا المصحف. يمكن تلخيص مراحل تقدّم الأستاذ الربيز محمّد سعيد شريفي في الخطاطة الإسلامية وتعلّمها، وفي الدراسات العلمية المتعلّقة بها فيما يلي:

  • - في ليلة الجمعة 17 من ذي القعدة سنة 1371، الموافق ليوم 8 أغسطس 1951م استظهر القرآن الكريم؛
  • - في يونيو من سنة 1956م تخرج في معهد الحياة الثانوي بالقرارة، في ولاية غرداية؛
  • - في سنة 1962م، نال شهادة دبلوم في الخطاطة الإسلامية من مدرسة تحسين الخطوط العربية بعد 4 سنوات من الدراسة، في القاهرة؛
  • - في سنة 1383، الموافق لسنة 1962م، نال الإجازة الأولى في الخطاطة الإسلامية من الخطّاط القدير سيد إبراهيم، في القاهرة؛
  • - في سنة 1963م تحصّل على بكالوريوس من كلية الفنون الجميلة، قسم الحفر بعد 5 سنوات من الدراسة في القاهرة، كان موضوع مشروع التخرج: مساجد القاهرة؛
  • - في رمضان من سنة 1389، الموافق لشهر ديسمبر من عام 1969م تحصّل على إجازة ثانية في الخطاطة الإسلامية من آخر عمالقة الخطّ الأتراك العثمانيين الأستاذ حامد الآمدي في استنبول؛
  • - في سنة 1970م تحصّل على شهادة تخصّصية في زخرفة الخط والتذهيب من مدرسة تحسين الخطوط العربية بعد دراسة لمدّة سنتين في القاهرة؛
  • - في سنة 1971م، نال شهادة دبلوم في الفن الحديث، من جامعة الجزائر؛
  • - في سنة 1989م تحصّل على شهادة الرَّبازة (الدور الثالث) من جامعة الجزائر في تاريخ الفن الإسلامي، بموضوع خطوط المصاحف عند المشارقة والمغاربة، من القرن الرابع إلى العاشر الهجري. وقد صدر هذا البحث على شكل كتاب من المؤسّسة الوطنية للكتاب، في الجزائر؛
  • - في 24 جوان 1997م نال شهادة رَبازة الدّولة من جامعة الجزائر، ببحث عُلوانه: اللوحات الخطية في الفن الإسلامي المركّبة بخط الثلث الجلي. وقد طبع هذا البحث على شكل كتاب، سنة 1419/ 1998م في بيروت، من دار ابن كثير ودار القادري؛
  • - مُنح شهادة التقدير من رئيس جمهورية الجزائر في الذكرى الخامسة والعشرين لاستقلال الجزائر، سنة 1987م؛
  • - مُنح جائزة التقدير في مهرجان بغداد العالمي للخط العربي والزخرفة الإسلامية، في رمضان من عام 1408 الموافق لأبريل من سنة 1988م. في بغداد، العراق؛
  • - مُنح جائزة التقدير في مهرجان بغداد العالمي الثاني للخط العربي والزخرفة الإسلامية، في ذي القعدة من عام 1413 الموافق لأبريل من سنة 1993م، في بغداد، العراق؛
  • - نال جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب سنة 2015م في تخصّص الخطاطة الإسلامية، وهي جائزة سنوية تمنح بالتناوب دوريا كلّ سنتين، حيث تخصّص عاما للعُمانيين وحدهم، وعاما آخر للعمانيين وغيرهم ممّن لهم مساهمة كبيرة في مجال دراسات اللغة العربية وأدب الطفل والخِطاطة الإسلامية.

وقد أشرف الأستاذ الربيز محمّد شريفي على الكثير من المعارض الفنّية والأسابيع الثقافية باسم الجزائر في: بغداد والكويت سنة 1972م، وتونس سنة 1975م، وطرابلس سنة 1981م وأبو ظبي سنة 1985م. وشارك في المعرض الرابع للفنّانين التشكيليين العرب في الكويت سنة 1975م، وفي معرض «بينالي» الإسكندرية الحادي عشر سنة 1976م. كما أنّ له عدّة بحوث في الخِطاطة الإسلامية:

  • - لمحة عن الفنون التشكيلية العربية وسبل تطويرها، ألقاها في مؤتمر الثاني للفنّانين التشكيليين العرب في الجزائر سنة 1975م؛
  • - الخطّ العربي في الحضارة الإسلامية، المؤتمر التاسع للآثار العربية، الذي أقيم في صنعاء سنة 1980م؛
  • - خطوط المصاحف الشريفة، ملتقى الفكر الإسلامي، في الجزائر لسنة 1981م؛
  • الخطّ العربي أصالته وفنّه، في الندوة العالمية حول المبادئ والأشكال والمضامين المشتركة للفنون الإسلامية، التي أقيمت في استنبول سنة 1983م؛
  • - الخطّ العربي، تطوّره وحاضره، الملتقى الدولي الأول للفن الإسلامي، قسنطينة سنة 1990م؛
  • - قضايا الخطّ العربي المعاصر، تاريخه وواقعه، ندوة الثقافة بوصفها تراثا فنيا، عُمَان، في ماي من سنة 1991م.

مراجع

  • جلّ المادّة التاريخية لهذا المقال مستفرغة من مقابلة أجريت مع الأستاذ الربيز: محمّد شريفي، في حصّة رناتية علوانها: أنتم أيضا، التي كانت تبثّها الرناة الجزائرية، وينشّطها الصحافي: أحمد بن صبّان، ويخرجها: عبد الكريم كبدي.
  • el-massa.com/dz/index.php/component/k2/item/16278

محمّد سعيد شريفي، مصدر الصورة: ديوان اللغة العربية.

آيات من سورة النساء، من مصحف كتبه محمد سعيد شريفي.

كراءة مصحف كتبه محمد سعيد شريفي، وطبع في الجزائر، تحمل التاريخ 1398.