معجم المصطلحات الكبير
اِقْتِصاد لُغَوي
اللغة والأدب

يُراد بالاقتصاد اللغوي، الاقتصاد في الأدوات التشكيلية المستعملة في تمثيل معنى معيّن، بمعنى أن لا يبذل المتكلّم جهدا عضليا أو ذهنيا يزيد على مقدار الفوائد التي من أجلها تُصاغ المادّة الأصلية للّغة، ليتحقّق التوازن بين المجهود والمردود. يقول بول هيرمان paul, hermann 1909: «سواء اُستعملت الوسائل اللغوية باقتصاد أو بإفراط، فإنّ هذا يعتمد على الاحتياجات، ولا يمكن إنكار أنّ هذه الوسائل كثيرا ما تستعمل بإسراف، ولكن كلامنا، على العموم، يحمل ملامح اقتصاد معيّن». ويضيف أيضا من دون أن يغيب عن ذهنه الارتباط المتبادل بين الكلام والنظام اللغوي، وتكوين الأوّل للأخير: «في كلّ موقف يجب أن تصاغ أشكال التعبير من دون أن تحتوي على أكثر ممّا يحتاج إليه إمكان فهمها من لدن المستمع». أما يسبرسن jespersen, otto 1924، فيرجع التغيّر اللغوي إلى الاقتصاد في التعبير الذي هو في رأيه مظهر للميل العام نحو الاقتصاد في الجهد.

إنّ نظريات الاقتصاد اللغوي قد وُجّه إليها النقد، فقد اتّهم موسر Moser, Hugo 1971 هذه النظريات بأنّها تعتمد على مفهوم للإنسانية يقوم على أساس أنّ الإنسان الفنّان homo ludens والإنسان المفكّر homo cogitans يجب أن يقوما بدور إضافي في التحكّم في الإنسان الصانع homo faber، فالتطوّر اللغوي كما يرى لا يوجّهه، على وجه الحصر، تحسين فائدة اللغة الأداة، إلاّ أنّ موسر لم يستطع أن يفسّر فيما يتعلّق باللغة سبب تعارض متطلّبات الإنسان الفنّان والإنسان المفكّر مع متطلّبات الإنسان الصانع، أي لماذا لا يكون الاقتصاد أيضا موصّلا إلى التفكير والجماليات؟ لأنّ اللغة الطبيعية نتاج جمعي، ينتجه الكثيرون الذين يعملون أحيانا في اتّجاهات متعارضة. يميّز موسر بين ثلاثة أنواع من الاقتصاد اللغوي، وهي:

  • 1- الميل إلى استعمال الوسائل اللغوية باقتصاد، وبالتالي التقليل من الجهد الريزيائي والذهني اللازمين لإنتاج الكلام، وكذلك تطوير وضبط تلك الوسائل؛
  • 2- بذل الجهد لتحسين كفاءة الوسائل اللغوية؛
  • 3- الميل نحو إزالة اختلافات الأنماط الاجتماعية من أجل الاستجابة بشكل أفضل للاحتياجات الاتصالية.

يشير النوع الأوّل إلى الاقتصاد في النظام اللغوي، والثاني إلى الاقتصاد في نقل المعلومات، والثالث إلى التوسيع الاقتصادي لمجال اللغة الموحّدة. يرى الربيز عمّار ساسي، أنّ الاقتصاد هو أحد مواصفات لغة الاختصاص، المتمثّل في الانسجام الصوتي، والإبانة في المفردة، والاقتصاد في التركيب. الانسجام في الصوت، هو تواؤم مجموعة وحدات صوتية بائتلاف وتكامل وظيفي في تشكيل المفردة للمعنى، وهذه الظاهرة الصوتية في المفردة تنتج في لغة الاختصاص الإبانة على مستوى التخاطب، والخفّة على مستوى الجهاز حين النطق بالمفردة، وكلاهما يمثّلان سمة اقتصادية جليلة في اللسان انطلاقا من انسجام أصوات المفردة، لأنّ بذهاب الانسجام ذهاب الاقتصاد، ودائرة الانسجام المقصودة في هذا المقام لا تتوقّف حدودها عند تآلف الأصوات فقط وإن كان هذا أساسا لا خلاف فيه، إنّما تتجاوزه إلى صناعة أثر الإبانة وخفّة النطق وسهولة الوصول إلى السامع، ويقول: أحسب أنّ انسجام أصوات المفردة في هذا كانسجام عناصر الآلة حين تؤدّي وظيفتها متكاملة أجزاؤها بالتمام.

أمّا الإبانة، فهي قدرة اللغة على استيعاب أكبر مساحة معاني الموجودات في الوجود بأكبر مساحة ألفاظ في النطق، حيث يحدّد لكلّ معنى دقيق لفظ أدقّ يبين عن معناه ويماز بينه وبين غيره من الألفاظ الأخرى، والإبانة في لغة الاختصاص تطلب أن يكون لكلّ لفظ معنى محدّد خاص به، كما ترفض تعدّد المعاني في المفردة الواحدة، لأنّ ذلك ينتج تداخلا واضطرابا يُذهب الإبانة، كما ترفض تعدّد الألفاظ للمعنى الواحد لأنّ ذلك ينسف مبدأ الاقتصاد الذي يعرّفه اللغويون «ببذل أقل مجهود لتحصيل أكبر مردود»، ويوقع اللغة في مرض التضخّم الذي ما زال إلى حدّ اللحظة يُقرأ خطأ على أنّه سمة ثراء وغنى في اللغة. كما ترفض أيضا حضور معنيين متضادّين في اللفظ الواحد، لأنّ ذلك يورث غموضا واضطرابا ومخالفة لسنّة اللغة. يقول الربيز عمار ساسي: «إذا كان النقّاد اللغويون عرّفوا الاقتصاد اللغوي بالتوازن بين المجهود النطقي ومردوده، فإنّه بشيء من الإبانة أقول: إنّ الاقتصاد اللغوي هو التزام المتكلّم بمعايير (قواعد) اللسان صوتا ومفردة وتركيبا في مخاطبة السامع».

تعليق

الاقتصاد اللغوي هو غير الاختزال والاختصار والإيجاز اللذان يقابلان التطويل والإطناب، وهذا خطأ شائع. الإيجاز هو: إيراد الخبر بأقلّ صيغة ومعنى؛ الاختصار هو: إيراد الخبر بأقلّ صيغة ومعنى، مع إلغاء الآخر؛ الاختزال هو: إيراد أكثر الأخبار بأقلّ ألفاظ أو حشد أكثر معلومات في أقلّ مفردات؛ الاقتصاد هو: توازن بين المجهود والمردود، نطقا وخطّا. أو هو الرغبة في تحقيق الاتصال في أفضل الشروط، مع الرغبة في التقليل من كلفته، ويعدّ أحد المَوافيق (الآليات) المعترف بها عمومًا، والهدف منه توفير المزيد من الوقت والطاقة من خلال نقل المزيد من المعلومات بجهد أقل. مثال ذلك: في مجتمعين يتكلّمان لغة واحدة، لكنّ أحدهما لا يقول إلاّ صخرة والآخر لا يقول إلاّ حجرة، فإذا ذهب أحد أفراد مجتمع الصخرة إلى مجتمع الحجرة، فسيسمّي الصخرة بالحجرة، كما يسمّيها كلّ أفراد المجتمع الحجري، لماذا؟ لأنّه يرغب في زيادة كفاءة كلامه، وفي الوقت نفسه لا يريد أن يزيد في الجهد ليفسّر للناس أنّ الصخرة هي الحجرة. إذن الاقتصاد هو الذي يدعو المتكلّم إلى استعمال لفظة دون لفظة أخرى، أو تركيب دون آخر، والقياس على هذا في كلّ الكلام، فالشخص المتكلّم يريد أن يُفهم كلامه على أحسن وجه وبأقلّ جهد أيضا. ولهذا السبب يُقال في اللغة الفرنسية:

télé بدل télévision، وprof بدل professeur، وdico بدل dictionnaire، وauto بدل automobile، وcatho بدل catholique، وpull بدل pullover، وpromo بدل promotion، وimper بدل imperméable، إلخ.

لغة كلزية

linguistic economy
لغة فرنسية

économie linguistique
مراجع

  • اللغة والاقتصاد. فلوريان كولماس، ترجمة: أحمد عوض، مراجعة: عبد السلام رضوان، 2000م. ستلة عالم العرفة 263، الكويت.
  • صناعة المصطلح في اللسان العربي، نحو مشروع تعريب المصطلح العلمي من ترجمته إلى صناعته. أستاذ الربيز: عمّار ساسي. الطبعة الأولى، 2012. عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، الأردن.