معجم المصطلحات الكبير
تُرَاخِية
الفكر

التُّراخية هي نَهْجَل (برنامج) نشأ في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، وامتدّ طيلة القرن التاسع عشر، كان هدفه بسيطا، إلاّ أنّه طموح، وهو: إضفاء الشرعية العلمية على التاريخ، فقد أراد التُّراخيون أن يتمتّع التاريخ بالمكانة نفسها التي للعلوم الطبيعية، إلاّ أنّ له أهدافه وأساليبه ومعاييره المعرفية الخاصّة به، وهي تختلف عن تلك التي للعلوم الطبيعية، وغير قابلة للاختزال، كما أنّها متميّزة عن تلك الموجودة في الغِيبياء (الميتافيزيقا). حاربت التراخية من أجل استقلالها الذاتي ضدّ كلّ فروع المعرفة الأخرى، وضدّ التدخّلات الخارجية للسلطة السياسية والدينية، فقد خاضت معركتين، واحدة قبل الأربعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي ضد الغيبياء، والأنظمة المثالية الكبرى لفيخته، وشيلينغ، وهيغل، التي جعلت التاريخ مجرّد خادم للفلسفة، ومعركة أخرى ضدّ الوضعية.

تقوم التراخية على مبدأ استقلالية العالم التاريخي، وذلك بالتطابق مع استقلالية المعرفة التاريخية نفسها، ووَفْقا لهذا المبدأ، يجب تفسير كلّ ما يحدث في التاريخ حسب الظروف التاريخية المحدَّدة، يستبعد هذا المبدأ فكرتين بديلتين: الغيبياء، أي شرح الأحداث من خلال أهداف خارج التاريخ، مثل: العناية الإلهية. ثمّ الطبيعية: أي شرح الأحداث التاريخية كجزء من الطبيعة ووفقا لأساليب العلوم الطبيعية، فكما تفسر الطبيعية الأحداث من منظور طبيعي ووفقا للأساليب الطبيعية، تفسّر كذلك التراخية كلّ حدث بالرجوع لأساليب التاريخ، فكلاهما يرفضان الرجوع إلى التعالي أو الفائقية، أي: محاولة تفسير شيء ما في الطبيعة أو التاريخ بشيء خارج نطاق الطبيعة أو التاريخ. لا يعتقد التراخيون أنّ الطبيعة والتاريخ متشابهان، فعلى الرغم من أنّ أحداث التاريخ تحدث في الطبيعة إلاّ أنّه لا يمكن اختزالها في الطبيعة، فهم يؤكّدون على رفض تفسير الأحداث التاريخية بمصطلحات الطبيعة، أي وفق قوانين السبب والنتيجة التي تسيطر على العالم المادّي. كما أنّهم أصرّوا على أنّه لا يمكن الفصل بين الجوانب العقلية والمادّية للإنسان، ومن ثَمّ فهي متلازمة، مع ذلك فقد كانوا ثنائيي المنهجية، حين رأوا أنّ هناك جوانب من الفعل البشري لا يمكن اختزالها في صيغ التفسير الطبيعية، وهذا على الرغم من أنّ أساليب التاريخ لم تستطع أن تكشف عن عالم مستقل من الموادّ يتعذّر الوصول إليها في العلوم الطبيعية.

هناك مبدأ آخر تُراخي أساسي، يبدو تافها، وهو أنّ كلّ شيء في العالم الإنساني (الدولة، المجتمع، الأخلاق، الأدب، العلوم) هو جزء من التاريخ، إلاّ أنّ التراخيين أضفوا عليه معنى أعمق، فقد كان ذلك يعني، أوّلا: أنّ جميع القيم والنظم الإنسانية تتغيّر، بحيث لا يوجد شيء أبدي في العالم الإنساني، فجميع القيم والنظم نتاج الزمان والمكان، وأنّها أيضا ستختفي في التاريخ. وكان ذلك يعني، ثانيا: أنّه يجب فهم كلّ شيء في العالم الإنساني في سياقه الاجتماعي التاريخي المحدَّد، فجميع الظواهر الاجتماعية لا وجود لها من دون سياقها المحدّد، بحيث إنّ هوّيتها تتغيّر في سياق مغاير. يعلّمنا التراخيون أنّنا كلّما أصبحنا أكثر واقعية، تعرّفنا أكثر إلى موضوعنا، ووجدنا أنّ هوّيته تعتمد على سياقه. إنّ استقلالية العالم التاريخي- الاجتماعي، والتراخية التامّة لعالم الإنسان: هما المبدآن الأساسيان للتراخية، وهذا ما أكّده صراحة أو ضمنا جميع التراخيين الرئيسين، بمن فيهم هيغ، وماركس، والمثاليون الألمان.

في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي أصبحت التراخية مصطلحا، يساء استعماله، فقد أصبح مساويا للنِّسبانية relativism، أي المذهب الذي يقول: إنّه ليس للقيم الأخلاقية والسياسية صلاحية كلّية، ولكنّها صالحة فقط لعصر معيّن وثقافة معيّنة نشأت فيها. اكتسب المصطلح هذه الدلالات بصورة أساسية بين معارضي التراخية، لا سيّما هوسرل والكنطيون. في العقود الأولى من القرن العشرين بدأ الباحثون في ألمانيا يكتبون عن «أزمة التراخية»، لقد وضعوا هذا المصطلح لشرح الانهيار المحيّر للتراخية كحركة فكرية، فقد كانت واحدة من أقوى الحركات الفكرية في ألمانيا في القرن التاسع عشر الميلادي، إلاّ أنّه مع نهاية هذا القرن، بدا أنّها قد استنفدت ما عندها، وبعد الحرب الأممية الثانية كان الأمر بمثابة كتابة الكلمة الأخيرة على ضريحها.

تعليق

التُّراخية هي التاريخانية، والتاريخانية كلمة ثقيلة أحسن منها تأصيلا التُّراخية قياسا على التُراثية.

مترادف

تاريخانية

لغة كلزية

historicism
historism
لغة فرنسية

historicisme
مراجع