معجم المصطلحات الكبير
اِسْتِعْمار ثَقَافي
الثقافة والإناسة

مصطلح يستعمله عدد من المفكّرين الماركسيين وآخرون مثل مفكري النقد للدلالة به على تصدير ذِهْنياء المجتمع الأمريكي وذهنياء بعض المجتمعات الأخرى القليلة من الدول الغربية إلى بقية مجتمعات دول العالم، ويتشرّبها الناس عن طريق تصدير أقلدتها ونهاجلها الرناتية وثقافتها الشعبية ولغتها ومسرحها، وهي الذهنياء الرأسمالية ومنظومات قيمها. ويحدث هذا الأمر عن قصد عن طريق الإشهار والدعاية والأخبار التي توزّعها وكالات الأنباء الغربية، أو عن غير قصد، ذلك أنّ الكتّاب وصانعي الأقلدة ومنتجي النهاجل الرَّناتية الأمريكيين يصنعون بشكل طبيعي أعمالا تعكس قيمهم، وهي القيم التي تعلّموها أثناء تنشئتهم في أمريكا، مثل: أهمّية الاستهلاك، والتأكيد على الفردانية وعصامية الرجل والمرأة، فتصبح منتشرة في جميع أنحاء العالم، لا سيّما في العالم الثالث، لأنّ معظمها لا يستطيع تغطية نفقات صناعة الأقلدة والنهاجل الرناتية، ومن الأرخص استيراد هذه الموادّ من الدول المتطوّرة، ومع حصولها على هذه الأعمال تحصل أيضا على ذهنياء وقيم وثقافة العالم الأوّل فالثقافة الشعبية الأمريكية تنشر ذِهنياء الرأسمالية الغربية، التي تكون مخبأة في النصوص، وليست واضحة لأولئك الذين يستهلكونها. فالأقلدة الرناتية ومطاعم همبرغر ماكدونالد، ومقاهي ستاربكس لا تؤدّي فقط إلى نوع من التجانس الثقافي في جميع أنحاء العالم، بل تجعل من السهل استغلال تلك الشعوب وإيقاف مسيرة تلاحمها الطبقي وإعاقة وعيها عن الانتباه إلى ما يحدث بالفعل في مجتمعاتها.

يبيّن المستعرب اليهودي «برنارد لويس» الخصائص التي تتميّز بها الثقافة الأمريكية عن غيرها بقوله: «إنّ الثقافة الأمريكية تختلف عن غيرها من الثقافات السابقة في ناحيتين هامّتين. الأولى، أنّها مستقلّة عن السيطرة السياسية، ومنتشرة في أماكن أوسع من مناطق النفوذ الأمريكي السياسي، كما هو الحال، مثلا، بالنسبة لأفكار إيران الإسلامية، أو أفكار الصين الشيوعية. الثانية، أنّها ثقافة ذات شعبية واسعة، بينما الثقافات الأخرى محصورة في نطاق النخب الفكرية والسياسية. فالثقافة الأمريكية تغري كلّ شرائح المجتمع، ولا سيّما الشباب. كما تحمل في طيّاتها رسالة خاصّة للناس المحرومين أو الخارجين عن التراتبية الاجتماعية، لا سيّما النساء. لذلك ليس من المستغرب أن تشكّل تهديدا للمدافعين عن القيم التقليدية والعقائد الذِّهْنِيائية (الإيديولوجية)، من أصوليين وغيرهم». إنّ الذي يتحدّث عنه «برنارد لويس» هو الشعور بالتفوّق في القيم والمُثل، وهذا الذي جعل أمريكا تتصرّف بشكل وحشي، وأن ترتكب فضائع بحقّ الإنسانية، وبحقّ المسلمين، فألمانيا النازية كانت تتصرّف مدفوعة بالشعور نفسه. ويدلّ هذا التوصيف أيضا على أنّ أمريكا تنظر إلى نفسها على أنّها صاحبة رسالة أو بالأحرى مبعوثة العناية الإلهية لهداية العالم وقيادته، والذي نعرفه نحن من الأمريكيين أنّهم لا يقومون بتصدير الحرّية والديمقراطية والرفاه واحترام حقوق الإنسان إلى الشعوب الأخرى، مثلما يقومون بتصدير الأقلدة (الأفلام) وسراويل الجينز.

إنّ فرضية الغزو الثقافي تعرف بوصفها استعمار الكوكا كولا، وهي قضية خلافية، وقد ركّزت دراسة لهرتسوغ ماسنغ Herta Herzog-Massing تناولت طريقة تفسير مسلسل «دالاس» في ألمانيا محاوِلةً الإجابة عن السؤال التالي: هل يقرأ المشاهدون في مختلف البلدان الثقافة الشعبية بأشكال مختلفة؟ وتوصّلت الباحثة في دراستها هذه التي تناولت تفسير دولة من العالم الأوّل، ألمانيا، لنصّ من دولة أخرى من العالم الأوّل، الولايات المتّحدة، إلى أنّ الناس من ثقافات مختلفة يفسّرون النصوص بطرق مختلفة، وهذا قد يكون سببا وجهيا للتقليل من خطر الغزو الثقافي، ثمّ إنّ ثقافة الولايات المتّحدة ليس لها تلك السطوة في تقويض الثقافات الأخرى التي يزعم الأمريكيون أنّها هشّة، بل إنّ أمريكا نفسها في تراجع على كثير من الأصعدة، وتدميرها لكثير من دول العالم الثالث وهيمنتها العسكرية جعل الكثير من الشعوب ينظرون إلى ثقافتها على أنّها ثقافة الرجل البغيض، وقد قيل لأحد الوزراء الأمريكيين أثناء الحرب على العراق في رئاسة بوش الأرعن كما تسمّيه الصحافة العربية: «إنّ الناس لا يحبّونكم» فردّ بقوله: «لا يهمّنا إن كان الناس لا يحبّوننا، المهمّ أن يحترمونا».

تعليق

مصطلح «استعمار الكوكاكولا»، يشير إلى شكل من أشكال الاستعمار الثقافي من النوع الاقتصادي بالتحديد، وكذلك الأمريكي، ويستمدّ المصطلح من واغنليتنر Wagnleitner, 1994 الذي أكّد أنّ ثقافة المستهلك المصدَّرة من الولايات المتّحدة، ليست في الحقيقة ثقافة أمريكية كما يتمّ تجريبها هناك، ولكنّها انتقال الحلم الأمريكي إلى الأسواق.

مترادف

اِخْتِراق ثقافي

إمْبِرْيالِية ثقافِية

اِسْتِعْمار الكوكاكولا

غزْو ثقافي

لغة كلزية

cultural imperialism
لغة فرنسية

impérialisme culturel
مراجع

  • دليل مصطلحات الدراسات الثقافية والنقد الثقافي، إضاءة توثيقية للمفاهيم الثقافية المتداولة. تأليف الربيز: سمير الخليل، مراجعة وتعليق الربيز: سمير الشيخ. دار الكتب العلمية، 2016م. بيروت، لبنان.
  • وسائل الإعلام والمجتمع، وجهة نظر نقدية، تأليف: آرثر أسا بيرغر، ترجمة: صالح خليل أبو اصبع. عالم المعرف، عدد 386، مارس 2012.
  • تنبؤات برنارد لويس، مستقبل الشرق الأوسط. برنارد لويس. شركة رياض الريّس للكتب والنشر، الطبعة الأولى، 2000م. بيروت، لبنان.