تأتي هذه النظرية ضمن الجهود العلمية التي تسعى لفهم دلالات الواقع الذي تقدّمه وسائل الإعلام، وتقوم على أساس افتراض وجود علاقة قويّة بين الطريقة التي تُعرض بها القضايا والموضوعات بواسطة وسائل الإعلام الإخبارية خلال حملة سياسية وبين ترتيب أهمّية هذه القضايا لدى أولئك الذين يتعرّضون لأخبار هذه الوسائل، فالبَلَغ لا يقدّم جميع الموضوعات والقضايا التي تقع في المجتمع بالوتيرة نفسها والتركيز نفسه، إنّما يختار القائمون على هذه الوسائل البَلَغِية بعض الموضوعات فيعطونها الأهمية الكبرى من حيث البحث والدراسة والتركيز، فتصبح هذه المواضيع هي التي تثير اهتمام الناس تدريجيا، وهي التي يدركونها جيّدا ويفكّرون فيها ويقلقون بشأنها، ومن ثمّ تأخذ أهمية أكبر نسبيا مقارنة بالمواضيع الأخرى التي لا يهتمّ البَلَغ بها أو يطرحها على نحو ضئيل. وتهتمّ هذه النظرية على وجه الخصوص بالأخبار السياسية من بين محتويات وسائل الإعلام، كما تهتمّ أيضا بمجموع الاعتقادات التي تنتج عن الصور التي تقدّمها هذه الوسائل، وتعالج ثلاث قضايا أساسية وهي: الواقع كما تصوّره وسائل الإعلام، وتطوير المعاني الذاتية، وتأثير ذلك على السلوك.

وقد قدّم «ليبمان وميرز» Lippman, W., and Merz, C. دراسة لهما عام 1920م أثبتا فيها هذه التأثيرات، فقد قاما بتحليل مضمون 1000 موضوع نشرته النيويورك تايمز الأمريكية خلال فترة 36 شهرا للتعرّف على الكيفية التي عالجت بها الجرائد الرفيعة المستوى «ثورة البلشفيك»، وانتهت الدراسة إلى القول بأنّ جريدة نيويورك تايمز قدّمت صورة زائفة للثورة الشيوعية ممّا ولّد اعتقادا لدى الناس بأنّ هذه الثورة لا يمكن أن تنجح. كما حاولت دراسة ميدانية «لماكسويل ماكومبس ودونالد شاو» Mc Combos, M. E., and Shaw, D. L. في أواخر الستينيات لاختبار هذه النظرية معتمدة على تحليل المضمون للأخبار السياسية خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية لعام 1968م، وذلك للتعرّف على الكيفية التي قدّمت بها الجرائد والمجلاّت والرَّناة الأخبار السياسية عن المرشّحين والقضايا السياسية المختلفة عبر فترة زمنية طويلة، مع إجراء مسح لتقويم اعتقادات عيّنة المسح تجاه الأهمّية التي يولونها للقضايا والموضوعات التي قامت وسائل الإعلام بتقديمها، وقد تبيّن من خلال نتائج هذه الدراسة وجود مستوى عالٍ من التشابه بين كمّية الاهتمام المعطاة لقضية معيّنة من لدن وسائل الإعلام وبين مستوى أهمّية هذه القضية لدى الجمهور الذي تعرّض لأخبار هذه الوسائل، وليس معنى ذلك أنّ لوسائل الإعلام قدرة هائلة على حمل الناس لاعتناق وجهة نظر معيّنة، لكن تنجح في حمل الناس على اعتبار بعض القضايا أكثر أهمّية من قضايا أخرى، وبعبارة أخرى أنّ أولويات الاهتمام لدى وسائل الإعلام تصبح هي نفسها أولويات الاهتمام عند الجمهور، كما أنّ هناك تشابها بين العالم الخارجي وبين الصور الموجودة في رؤوس الناخبين الذين أجريت عليهم الدراسة، وقد عبّر «كوهين» عن هذا المفهوم بالقول «قد لا تكون وسائل الإعلام ناجحة في تعليم الناس كيف يفكّرون، لكنّها ناجحة بالتأكيد في تعليمهم بماذا يفكّرون».