معجم المصطلحات الكبير
عالَم غَرْبي
العلوم السياسية

العالم الغربي أو الغَرْب اختصارا في المفهوم السياسي، هو البلدان التي استوطنها الأوروبيون، والسكّان فيها يشكّلون أكثرية واضحة من شعب يعود إلى سلالة أوروبية، والثقافات والأفكار مشتقّة إلى حدّ كبير من أوروبا، وهي اليوم: أوروبا الشرقية والغربية، ثمّ أمريكا الشمالية بما فيها الولايات المتّحدة وكندا، وأستراليا، ونيوزلندا، وهذه بلدان يسكنها أحفاد المستعمرين الأوروبيين الأوائل، والتي ما زالت الثقافة الأوروبية سائدة فيها. والحضارة الغربية هي مجموع النِّتاج الثقافي والفكري والتطور الصِّنْعيائي الحاصل في هذه البلدان بداية من القرن التاسع عشر الميلادي إلى اليوم. يرى ريتشارد كوك وكريس سميث، أنّ الحضارة الغربية تمتلك خمس ميزات مقنعة لا تقاوَم:

  • (1) تقوم الهُوّية الغربية على أساس مشترك من التاريخ والإراضة، وعلى مجموعة من الهوّيات القومية التي تمتلك العديد من التشابهات؛
  • 2- تسير مع تدفّق الحوادث التاريخية والاقتصادية. في القرن العشرين وفي الزمن الحاضر، توحيد أوروبا، الأهمّية المهيمنة للتجارة داخل الكتلة الغربية، تشابك المنظّمات والأحلاف الغربية السياسية، والاقتصادية والعسكرية؛
  • 3- أنّ هناك عقلية مشتركة بين الغربيين جميعا، ولا يشترك فيها غير الغربيين؛
  • 4- سعة الهوّية الغربية وقوّتها، على نحو جعلها تحتفي بالاختلافات العرقية، والمحلّية، والقومية، وبمختلف الهوّيات دون القومية والعابرة للقومية من الهوّيات الأوروبية والأمريكية، والهوّية الأوروبية -عالمية عرقية- لا تقلّل من العرقية الهسبانية، أو اليهودية، أو الإرلندية، أو الأنغلوسكسونية، أو من أي هوّية أخرى شمال أمريكية أو أوروبية؛
  • 5- تمتلك الهوّية الغربية محتوى أخلاقيا واجتماعيا مادّيا أساسيا، يؤكّد حقيقة مجتمع مشترك له جذور إراضية، مع تراث ثقافي ثري مرتكز على المثل العليا للقيمة الإنسانية، والمسؤولية والإمكانية. إنّ الهوّية الغربية تسمح لكلّ واحد مهما كان انتماؤه أن يشعر أنّه جزء من مجتمع مستغرِق للجميع في داخله، ومتسامح ويحتضن التنوّع والفردية، وهي لذلك تمنح معنى لحياة الفرد من الجنسين.

بالنسبة إلى هنتنغتون يتحدّد الغرب بعدد من الصفات استمدّها من مسيحيته، تعدّديته، فردانيته، حكم القانون، فهي الأمور التي مكّنت الغرب من اختراع الحداثة والتوسّع في أرجاء العالم، ومن أن يصبح محلّ حسد المجتمعات الأخرى. أمّا فيليب نيمو Philippe Nemo الفرنسي، فيتحدّث عمّا يسمّيه قسمات الحضارة الغربية، التي هي قسمات ثقافية، يحدّدها في دولة القانون، الديمقراطية، الحرّيات الفكرية، العقلانية النقدية، العلم، الاقتصاد الحرّ القائم على حرمة الملكية الخاصّة، هذه القيم والمؤسّسات، تمخّضت عبر مسار تاريخها الطويل، وهي ثمرة بناء ثقافي معقّد شاركت في تكوينه أحداث ضخمة أساسية:

  • 1- اختراع الإغريق للمدنية والديمقراطية وللحرّية وللعلم ولمدرسة العقل؛
  • 2- اختراع روما للقانون وللملكية الخاصّة وللشخص الإنساني؛
  • 3- الثورة الأخلاقية والأخروية، التي أسّست التاريخ، بقلبها مفهوم الزمن من التصوّر الدوري إلى التصوّر الخطّي؛
  • 4- الثورة البابوية في مطلع الألف الثانية للميلاد التي ردّت الاعتبار إلى العقل اليوناني والقانون الروماني، ورسمت سَنافة جديدة لتحسين مصير العالم؛
  • 5- الثورة الديمقراطية الليبيرالية.

فحسب هذين الكاتبين، يتحدّد الغرب بوصفه تجربة تاريخية فريدة تحمل قيما خاصّة تجلّت في مفاهيم ثقافية وقانونية وحضارية، كان لها الأثر الأكبر في التطوّر الذي عاشته أوروبا والولايات المتّحدة.

يقول الربيز، رضوان زيادة: مجمل قيم الحداثة التاريخية التي استطاع الغرب بلورتها نشأت على أنقاض صراع استعماري توسّعي يحمل نمطا من الهيمنة الثقافية، فالمركز -إذا اقتبسنا من النظرية الماركسية تحليلها الأوّلي- لم ينشأ ويتطوّر إلاّ على حساب الأطراف التي اُفقرت ليس بالمعنى المادّي فحسب، وإنّما في منظومة قيم ثقافية. يقول سيّد قطب: «إنّ حركة الإصلاح الديني التي قام بها مارتن لوثر وكالفن في أوروبا، وحركة الإحياء التي تقتات منها أوروبا حتّى اليوم، وحركة تحطيم النظام الإقطاعي في أوروبا، والانطلاق من حكم الأشراف، وحركة المساواة وإعلان حقوق الإنسان التي تجلّت في (الماجنكارتا) في انكلترا، والثورة الفرنسية في فرنسا، وحركة المذهب التجريبي التي قام عليها مجد أوروبا العلمي وانبعثت منها الفتوحات العلمية الهائلة في العصر الحديث، وأمثالها من الحركات الكبرى التي يحسبها الناس أصولا في التطوّر التاريخي... كلّها قد اُستمِدّت من ذلك المدّ الإسلامي الكبير وتأثّرت به تأثّرا أساسيا عميقا».

ذكر أنتوني فلو. في كتابه (ليس) هناك إله، مفهوم الإله عند أرسطو، كما بيّنه «دفيد كونوي» (2000م) David Conway بقوله: «إنّ أرسطو حدّد الصفات التالية للكائن الذي يفسِّر وجود العالم بمعناه الواسع: الثبات، غير مادّي، على كلّ شيء قدير، بكلّ شيء عليم، يتّصف بالوحدانية، غير قابل للتجزئة، يتّصف بالخير المطلق، وجوب الوجود، هناك تشابه عجيب بين هذه الصفات وبين تلك الصفات التي ذُكرت للإله في التقليد اليهودي-المسيحي». إنّ هذه الصفات ليست موجودة في اليهودية التي تنسب إلى الله التعب والأكل والشرب والجهل، وأنّه ينزل إلى الأرض ويزور الناس في بيوتهم، وليست صفاته في المسيحية التي تجعله كائنا مركبا، وأنّه يمكن أن يكون إلها كامل القدرة والعلم وفي الوقت نفسه بشرا عاجزا جاهلا، بل هي صفاته في سورة الإخلاص، إنّ كلّ ما نسب إلى الحضارة اليونانية من فكر وفلسفة هو في واقع الأمر من إنتاج فلاسفة الإسلام وعلمائه، فالحضارة اليونانية البدائية الموغلة في الوثنية والجهل والظلام لا يمكن أبدا أن يصدر عنها مثل هذا التنزيه، فما وصلنا من تراث اليونان القديم عن مفهوم الألوهية سوى مجموعة من الأساطير والخرافات التي تحكي عن قصص الحب والمجون بين عائلة مؤلّهة على جبل الألمب.

قام الربيز: سيد دسوقي حسن بمهمّة استكشافية لمعرفة عوالم الغيب في الحضارة الغربية من خلال أفكار «جيمي ريفكن»، والغيب هو الماورائية في النظام الفكري وليس بمعنى الغيب الإلهي المقابل في المصطلح الديني للواقع المشهود، وهو يقدّم لنا عالم الأفكار فيما ورائية نسيج الدماغ الأوروبي المعاصر، طبقا لأفكار ستّة لخصّها شوميتشر. وهي: أفكار التطور، والتنافس، والصراع، والجنس، والنسبية، والوضعية. فالتطوّر يدل على أنّ الحياة ما هي إلاّ تدرّج من أشكال دنيا إلى أخرى عليا بطريقة تلقائية وذاتية، بما فيها الأشكال المعنوية الأخرى كاللغة والدين والقيم. التنافس هو مفهوم البقاء للأقوى. الصراع متمحور في المفهوم الاجتماعي والاقتصادي لصراع الطبقات بمنطق تاريخي مادّي جدلي. فكرة الجنس كما أطلقها فرويد التي تفسّر كافّة المظاهر العليا في الحياة القيمية كنتيجة لترسبّات العقل الباطن ورغبات مكبوتة في سنّ الطفولة والمراهقة لإتيان المحارم. النسبية إنكار المطلق. الوضعية هي الفكرة التي تحتلّ الاختبارات الحسّية دورها المعرفي في العلوم الطبيعية.

إنّ أفكار التنافس والنسبية عناصر لا وجود لها في عالم الغيب في الحضارة الغربية، فالتنافس صيغة أُخرى للصراع، ولقد لقيت نظرية التطوّر هذه الحفاوة الكبيرة من الغربيين فقط لأنّها أدخلت مفهوم الصراع في علاقة الكائنات الحيّة بعضها ببعض وفي المجال الحِياوي، كما أن تحليل كارل ماركس المتخصّص في الاقتصاد السياسي مبني على فكرة أنّ تاريخ المجتمعات كلّها حتّى الآن هو تاريخ صراع الطبقات وهذا الذي لخصّه البيان الشيوعي سنة 1848م، وقد أدخل سبنسر (1820-1903م) فكرة «بقاء الأصلح» في علم الاجتماع، كما اُستعملت الفكرة نفسها للدفاع عن نظرية نيتشه (1844-1900م) الخاصّة «بالسوبرمان» أو الإنسان المتفوّق، وقد اُعتبرت هذه الكلمة المترادف لكلمة «الأصلح» في النظرية الداروينية، والنسبية ما هي إلاّ انعكاس للاأدرية التي تميّز في العادة المجتمعات العَدَمية.

العناصر الحقيقية التي تمثّل العقيدة الغربية أو ما ورائيات الفكر الغربي هي: الجنس، ثمّ الصراع في السياسة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والدولية، ثمّ الوضعية في المجالات العلمية. فالصراع يتمظهر في المجتمعات الغربية على أشكال مختلفة منها النقابات العمّالية التي وُضعت أساسا لصراع أرباب العمل، كما وُضعت المعارضة السياسية لصراع السلطة، حتّى الديمقراطية التي نلصق بها معاني الحرية والشورى والعدل والمساواة ما هي في واقع الأمر إلاّ صيغة أوروبية جاءت لتضبط الصراع في المجال السياسي الذي بُني على سلطة ومعارضة مع الإبقاء على مقوّمات هذا الصراع والحفاظ عليه في حدود ما قبل الانفجار، فهي قناة لتسريب الضغط الناتج عنه، يقول نيقولاس أوستلر (2011م): «كثيرا ما يبرز -بطريقة خيالية نوعا ما- زعْمٌ بأن أعظم مساهمة لليونان في الحضارة اللاحقة هو الديمقراطية، أعلى آلية مخترعة لتحقيق الحرّية، وهي فضيلة يزعم اليونانيون دائما أنّهم يهتمّون بها، وهذا زعم زائف بالتأكيد... فإنّ المدن اليونانية لم تكن أي واحدة منها ديمقراطية أبدا، كما أنّ الدول الكبرى التي كانت اليونانية لغتها الرسمية والتي تأسّست في جميع أنحاء مصر وكثير من أنحاء آسيا بعد غزوات الإسكندر كانت كلّها ملكية بلا استثناء».

كذلك النظرة الغربية للكون والحياة فهي مبنية على فكرة الصراع حيث يُصبح اكتشاف الفضاء غزو الفضاء space conquest واختيار هذه الكلمة بالذات يُنبئ عن تحكّم مفهوم الصراع فيما ورائية الأفكار التي تُنتجها خلايا المخّ الغربي. هذه المنهجية الصراعية هي التي أدّت إلى تدمير أوروبا لنفسها في حربين أمميتين كبيرتين، هلكت فيهما أبلاف البشر، كما جعلت أيضا المجتمعات الغربية لا تستطيع أن تعيش من دون عدو مُهدِّد، فقد كان هذا العدو في مرحلة الحربين الأمميتين النازية، ثمّ أصبح في مرحلة ما بعد الحرب الأممية الثانية حتى سنة 1990م الشيوعية، وهو اليوم الإسلام، وقد أشار هنتغتون إلى هذا الأمر في بعض كتبه حيث قال: «ومع انتهاء الحرب الباردة، بقي الأمريكيون ولأول مرة في التاريخ من دون آخر واضح يعرفون أنفسهم من خلاله». أمّا من الناحية السياسية فيمكن القول إنّ الدول الغربية بتأثير المركزية الملكية كانت تسير باتجاه التوحيد المتزايد، حيث كانت مهارة القادة الغربيين تكمن في حكم أناس يزداد تشابههم يوما بعد يوم، في حين كانت مهارة قادة العاهلية العثمانية تكمن في جعل الشعوب المختلفة الأعراق واللغات تتعايش معا.

لغة كلزية

Western world
the West
لغة فرنسية

Monde occidental
Occident
مراجع

  • انتحار الغرب. ريتشارد كوك وكريس سميث. نقله إلى العربية: محمد محمود التوبة. العبيكان، المملكة العربية السعودية، وكلمة، الإمارات العربية المتّحدة، 1430، 2009م.
  • صراع القيم بين الإسلام والغرب. رضوان زيادة وكيفن جيه أوتول. دار الفكر، 2015م. دمشق، سوريا.
  • مقدمات في البعث الحضاري. سيد دسوقي حسن. دار القلم، 1987م. الكويت.
  • الذين ركبوا في السفينة، مقدّمة في الاستفان. خضير شعبان. ديوان اللغة العربية، 1437. باتنة، الجزائر.
  • إمبراطوريات الكلمة، تاريخ للّغات في العالم. نيقولاس أوستلر، ترجمة الربيز: محمّد توفيق البجيرمي. دار الكتاب العربي، 2011م. بيروت، لبنان.