معجم المصطلحات الكبير
صورة مُزرِّفة
الإعلام والاتصال

إنّ الصورة لا تكذب، إلاّ أنّها قد تُضلِّل عندما تُستعمل استعمالا دعائيا، وذلك حين تُختزّ من سياقها العام في الحدث وتُعزل، وتوضع في إطار مكاني مُحدّد، يقول المؤرّخ الفنّي والناقد «جون سزاركاوسكي» 1966م: «إن الاقتباس المجتزأ من السياق هو جوهر حرفة المصوّر». مجرّد اختيار صورة وليست أخرى هو دليل على تحيّز متعمَّد من المُصوّر وقت الالتقاط، والمحرّر عند المُفاضلة بين عدّة صور تمّ التقاطها، كما أنّ الصّارات الرَّناتية التي تُصوّر من جانب واحد تُعطي المشاهد إحساسا بأنّه يواجه معها الخصم في الطرف الآخر، وهكذا فإنّ مجرّد التصوير من جانب واحد يُعطي تحيّزا للتلحيص، تماما مثلما تقوم به وسائل الإعلام الأمريكية حينما تُلحِّص الأحداث من الأراضي المحتلّة، فلا تصوّر إلاّ من جهة الإسرائيليين فيصبح الجمهور والصّارات والإسرائيليون في مواجهة الفلسطينيين، أو ما قامت به وسائل الإعلام الأمريكية في تلحيصها لأحداث الغزو الأمريكي على العراق، حيث صاحب الإعلاميون الأمريكيون الجيش الأمريكي الغازي والتزموا جانبه ولا يبثّون أي خبر عن تقدّمه إلاّ من جهته، فكانوا أحد فيالقه التي حاربت الجيش العراقي، وقد أعطوا بذلك شعورا عميقا لأولئك الذين يتابعونهم بأنّهم يحاربون العدو معهم، وأنّ العدو الذي يجب أن يهزم يوجد في الجهة الأخرى. وكان عدد من الصحافيين التابعين لبعض الرَّنَوات الغربية قد لحّص أخبار الحرب على العراق عبر تنقله بالمدرعات الأمريكية، فيما نصّبت بعض الرنوات صاراتها على مقدمة الدبابات التي كانت تتحرك باتجاه بغداد والمدن العراقية الكبرى. وانتقد «كلايف مايري»، مراسل هيئة الإذاعة البريطانية في العراق، أثناء الحرب، فرض لبس الزي العسكري على الصحافيين المرافقين للقوات الأمريكية مشيرا إلى «أن الصحافيين كانوا يعيشون مع الجنود ويأكلون معهم، حيث نشأت بعض الصداقات فيما بينهم»، في إشارة منه إلى أن هذا الوضع أدّى إلى تراجع حيودة المراسلين الصحافيين. وقد قال الإعلامي الأمريكي المعروف «بيتر آرنت» Peter Arnett في معرض تعليقه على التلحيص الغربي للحرب على العراق: «إن الحكومة الأمريكية مارست ضغوطا واسعة على وسائل الإعلام، وحاولت التأثير عليها، حيث فرضت على الصحافيين المشاركة في الصفوف الأمامية للمعركة، وخضعوا لتدريب على استعمال الأسلحة، بحيث تصبح قدرتهم أقل على نقل الحقيقة بحيودة».

إنّ ما تقوم به الصورة المُزرِّفة هو تقديم معلومة كاذبة على أنّها صادقة، أو تقديم معلومة صادقة على أنّها كاذبة، أو توظيف الصورة في سياق آخر بعيد عن سياق حدثها الأصلي. فإذا كانت الصورة قادرة على فضح الحدث فإنّها قد تُستعمل أيضا لإخفاء الحقيقة، وما دام أهمّ شيء في الصورة هو عرضها وإيصالها، فإنّها تدخل عند الغربيين لتجربتهم الطويلة في لعبة التنميط والقولبة في أبعادها الإعلامية والسياسية والثقافية، وما يصدّ هذا التضليل الصادر من وابل الصور المتدفّق من وسائل الإعلام هو المنظومة الفكرية التي تجعل الخبر مقبولا أو منبوذا، كما أنّ الصورة المزرّفة نفسها تسعى إلى تعزيز هذه المنظومة الفكرية أو تفسيخها، ويسرد «إدغار موران» شواهد عدّة: فالألمان الذين أرادوا إخفاء معسكرات الاعتقال النازية أخفوها، وفي عام 1945م، استقبل الشعب الألماني صور معسكرات الاعتقال الألمانية ورواياتها على أنّها أكاذيب دعائية، والشيوعيون الذين أرادوا إخفاء معسكرات الغولاغ أخفوها، والفرنسيون الذين أرادوا أن يخفوا التعذيب في الجزائر أخفوه. وتكمن قوّة الصورة أنّها نصّ بصري مفتوح على اللغات جميعا، وأنّها ثريّة بحزمة من الدلالات والإيحاءات والتعبيرات لدرجة تسمح بقراءات متعدّدة تخرجها من مجرّد منظر جمالي إلى جعلها وعاء لرسالة مندسّة تعبر منها من الوعي إلى ما وراء الوعي ومن البصر إلى البصيرة. وهذا المخزون الدلالي هو الذي يجعل الصورة أداة اِتّصالية عالية التأثير العاطفي والمعرفي، وتحيلها إلى وسيط حواري ممتدّ في المشهد الثقافي والمعرفي اليومي.

يدخل تحت مُسمّى الصورة المُزرِّفة أيضا الصورة المُزوَّرة أو المُصطنَعة ما دامت تؤدّي جيّدا الغرض منها في الدعاية والتضليل حينما تُنشر، و«الصورة المزوَّرة» هي المعدّلة والمشذّبة بحذف بعض الأجزاء منها أو إضافة قطع أخرى إليها، أمّا «الصورة المصطنعة» فهي التي صُوِّرت في مشهد تمثيلي، أو أضيف إلى المشهد بعض العناصر قبل التصوير. نشرت جرائد صربية سنة 1987م صورة التقطها صحافي من بلغراد في بريكالي بكوسوفو، وهو إقليم مأهول بأغلبية ألبانية مسلمة، وتمّ توجيح الصورة بعبارة «الأم البريكالية»، تُظهر الصورة امرأة صربية تعمل في حقل ومحاطة بأطفالها، وكانت تعلّق بندقية على منكبها، وبيّنت الجرائد أنّ هذه الأمّ الصربية تحتاج إلى السلاح لحماية نفسها وحماية أطفالها من الإرهابيين الألبان الذين يعذّبون الصرب ويقتلونهم ويغتصبون زوجاتهم وبناتهم، ولقد أثارت الصورة حملة إعلامية واسعة روّعت صربيا بأسرها، كما أنّ مئات الصور المماثلة والمقالات الصحافية وساعات من النهاجل الرناتية بأنباء حول اضطهاد المسلمين للصرب أسفرت عن كراهية عميقة لألبان كوسوفو. وبعد بضع سنوات اتّضح أنّ الصورة غير صحيحة فقد كانت اصطناعا ذكيا قام به صحافي هو نفسه الذي وفّر البندقية المعلّقة على كتف المرأة، وكان كلّ شيء قد انتهى حينذاك، فالصورة المزرِّفة قد أدّت الغرض المطلوب منها.

مترادف

صورة مُضلِّلة

[قد تعني الصورة المضلّلة الصورة الخادِعة أي التي توهم الناظر إليها بغير حقيقتها نتيجة اختلاف الظلال أو تداخل بعض أجزائها كالشجرة التي تُعطي أغصانُها وأوراقها صورة فيل، فالصورة المزرِّفة هي التي تُستعمل في التزريف ويمكن الحديث هنا عن التزريف بالصورة désinformation par l'image]

مصطلح قريب

لغة كلزية

misleading picture
لغة فرنسية

image mensongère
image trompeuse
مراجع

  • مصطلحات في الإعلام والاتصال. خضير شعبان، دار اللسان العربي. الطبعة الأولى، 1422، الجزائر.
  • دور المنظّمات الدولية الإعلامية في حماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة. بحث مقدّم لنيل شهادة الرَّبازة في الحقوق، تخصّص قانون عام. إعداد الطالبة: كريمة مزوز، تحت إشراف الأستاذة الربيزة: فريدة بلفراق. جامعة العربي بن مهيدي، أم البواقي، 2017م. الجزائر.
  • www.alyaum.com/articles/120342

كُهْمَة تُبين التحيّز في الإعلام الغربي لإسرائيل، للكِهامي البرازيلي «كارلوس لاتوف» نشرها موقع: rommanmag