معجم المصطلحات الكبير
تسْفير
الزِفارة

تغليف الكتب بقطع من الجلد أو ما شابهه لصيانة أوراقها من التلف، والعناية بمظهرها الخارجي ليتلاءم مع قيمتها ومحتوياتها. تظهر آثار هذه الصناعة الفنّية على الخصوص فيما وصل إلينا من مصاحف كريمة ورُبْعات شريفة. تعتمد هذه الصناعة على توظيف بعض المواد المفردة مثل، الجلد والحرير والترْز والخشب والخيوط والغراء، بالإضافة إلى حرفية الصانع في الحبك والقصّ والرشم وغير ذلك، وقد تعلّم المسلمون أساليب التسفير أو التسفير بالجِلْد عن القبط في أعقاب فتح مصر، الذين حذقوا هذه الصناعة في العصر المسيحي، وفي بداية أمر التسفير المبكّر، كانت أوراق المخطوطة تُجمع بين لوحين من الخشب بينهما كعب، وأضيف إلى ذلك كلّه قفل أو إبزيم واحد أو أكثر ليمكن قفل المجلّد قفلا محكما، لذلك كانت هذه الكتب ثقيلة الوزن جدا، وكانت الأغلفة الأولى في القرنين الثالث والرابع تُصنع من خشب السِّدر المُغطّى بالجلد والمُزيّن بالرسوم الهندسية العادية ومن دون تذهيب غالبا، أمّا المصاحف الكبيرة الحجم الخاصّة بالمساجد الجامعة فكانت تُسفّر بالخشب المُزخرف عن طريق تطعيمه بالعاج والعظم والصدف أو تثبيته على طبقة من الغراء الشديد، واُستعمل البردي القديم الذي استنفد أغراضه واُستغني عنه، فيُلصق بعضه ببعض، بحيث يُصبح ثخينا، أشبه ما يكون بالترْز، ثمّ يُكسى هذا البردي بالجلد أو الحرير أو الكتّان، وبعد انتشار الورق أقبل الناس على تسفير المصاحف والكتب بالورق والجلد مع استعمال الزخارف المُكوّنة من الرسوم والخطوط المتشابكة في تزيين هذه الجلود، كما اُستعمل الديباج والحرير في تبطين جلود هذه الكتب. وقد تقدّم المسلون في بعض الأقطار في هذا الفنّ، وعرفوا طريقة الدقّ أو الضغط، كما استعملوا التخريم والدهان والتلبيس بالقماش، وكانوا أحيانا يقطعون الجلد بالرسم الذي يُريدونه ثمّ يُلصقونه على السطح الملوّن، وفي بعض الأحيان اِستعمل المجلدون طريقة قُوامها طبقتان من الجلد تُلصق إحداهما على الأخرى.

وقد بلغت صناعة التسفير في المغرب والأندلس درجة عالية من الجودة والإتقان منذ القرن السادس، وكلّ المؤلّفات التي وصلت إلينا عن صناعة الكتاب العربي المخطوط كُتبت كلّها في بلاد المغرب والأندلس، وأقدم نصّ متكامل بين أيدينا هو الفصل الثاني عشر من كتاب «عُمدة الكُتّاب» الذي أُلِّف للأمير الصنهاجي تميم بن المعزّ بن باديس، يعرض فيه آلات المُسفِّر ومناقشه، ويشرح فيه طريقة الحبك وكيفية اختيار الجلود الملائمة وإعدادها، وبشرها وشدّها وطريقة تثبيتها، وأشمل كتاب تناول هذا الموضوع هو كتاب «التيسير في صناعة التسفير» للشيخ بكر بن إبراهيم الإشبيلي، المتوفّى سنة 629، وكتاب «صناعة تسفير الكتب وحلّ الذهب» للفقيه أبي العبّاس السفياني، واشتهرت قرطبة بصناعة الجلود عامّة، وكان للجلد القرطبي شهرة واسعة في العصور الإسلامية الوسطى، لا سيما في عالم التسفير، إذ صُنعت منه جلود للكتب تعدّ آية في دقّة الصناعة وجمال الفنّ، وبلغت هذه الصناعة قمّة ازدهارها في إيران، لا سيّما مدينة هراة إبّان القرن التاسع، إذ خرج الفنّانون والمُسفِّرون عن الأساليب الهندسية القديمة، وأبدعوا في تأليف الزخارف من الرسوم النباتية والمناظر الطبيعية البريّة ذات الحيوانات والطيور الحقيقية والخرافية، وقد استطاعوا الوصول إلى إتقان هذه الزخارف بعد أن تخلّوا عن طريقة الضغط بقطعة من العظم أو الخشب، أو الدقّ بآلة معدنية بسيطة، تُنتج الرسوم الهندسية ورسوم الفروع النباتية، واستعملوا القوالب النباتية التي كانوا يضغطون الجلد فيها بقوّة فتظهر فيها النتوءات الشديدة البروز على شكل عناصر زخرفية حيوانية، بل والصور الآدمية، من أجل ذلك استعان المسفّرون بالمصوِّرين في تصميم بعض رسوم الجلود، على الأخصّ رسم الأشكال الآدمية والزخارف النباتية التي يبدو فيها تأثير أساليب الشرق الأقصى الفنيّة، ويُعتبر القرن التاسع العصر الذهبي لصناعة تسفير الكتب في مصر والشام من حيث المهارة الفنّية، وأصبح لمدينة القاهرة في عصر المماليك مركز الصدارة في إنتاج الكتب والمصاحف، وزخرفتها وتسفيرها، لا سيّما بعد أن اجتذبت الكثير من الفنّانين والمسفّرين من أنحاء العالم الإسلامي، لا سيّما من إيران.

كانت معظم الجلود المُستعملة للكتب والمصاحف تُتّخذ من جلود الخراف والماعز، أو من جلود العجول الصغيرة، ومنذ القرن الخامس بدأت تُتّخذ هذه الجلود الخاصّة بالمصاحف والربعات شكلا موحّدا، هو الشكل الطولي المعروف، ويتّصل به لسان خماسي الأضلاع تصل مساحته إلى ثلث حجم الكتاب بواسطة ما يُطلق عليه «قنطرة اللسان» وهو تطور من شكل اللسان في الكتب المبكّرة، ويتكوّن الغلاف من الجلدة الخارجية، والبطانة الداخلية، وبينهما دفوف من الورق المضغوط، أمّا الكتاب فيتكوّن من ملازم «كرّاسات» مخزومة معا بطريقة تجعل الخيوط تبدو كالسلسة أو الجديلة في خلفية الملازم مع تقفية كعب الكتاب، أي تدويره حتّى لا ينصرم إلى الأمام فيما بعد، وتتّصل الملازم بالغلاف بواسطة الدفوف التي يُثبّت عليها كعب من قماش، ويُشبكان معا بالكرّاسات من الخلف ويلتصقان بالغلاف الخارجي والبطانة الداخلية، وتُترك صفحات بيضاء في أوّل الكتاب ونهايته لتثبيت أطراف البطانة بها من الجهتين، ثمّ يُشبك الجميع في كعب قماش من رأس وذيل الكتاب منسوجا في طرفيه بخيوط ملوّنة، أمّا الغلاف الخارجي فكان من الجلد البنّي بدرجاته اللونية، ومن قطعة واحدة مع الكعب واللسان، أمّا البطانة فمن الجلد المبشور أو الخفيف، وقد يكون من قماش الحرير الأزرق أو الأخضر بدرجاته، واُستعمل الغراء في عملية لزق الجلود في المصاحف الكبيرة، بينما اُستعمل النشا المُتّخذ من البُّر والكثيراء في لصق جلود الكتب الصغيرة.

اُستعملت طرق كثيرة في التذهيب، منها الضغط بالذهب المصهور، أو الضغط بصفائح الذهب تحت القوالب الساخنة المنقوشة، وكذلك وضع تلك الصفائح على الزخارف المضغوطة وإعادة الضغط عليها، أمّا بطانة المخطوطة فكان يتّم زخرفتها قبل قصّها بقدر الكتاب، واُستعمل في زخرفتها قوالب خاصّة ذات بروز بعد تسخينها، ويبدو أنّها كانت قوالب كبيرة الحجم تتّسع لضغط زخارف من وحدات وعناصر زخرفية كبيرة، بعكس الغلاف الخارجي الذي كان تقسيمه إلى متن وأركان وإطار ولسان يحتاج كلّ منها إلى نوع خاصّ من القوالب لاستعمال وحدات زخرفية متكرّرة ومتتابعة، وكانت نفس الوحدات الزخرفية تتكرّر في المتن والإطار واللسان، ولكن في أحيان أخرى اختلفت زخرفة اللسان عن زخارف العناصر الأخرى، وبعد انتقال السلطة إلى العثمانيين في أعقاب سقوط المماليك سنة 923، وما صحِب ذلك من نقل الحِرْفِيِين من مصر والشام إلى تركيا، ازدهرت هناك صناعة التسفير، وأُدخلت عليها فنون جديدة لا سيّما ما يتعلّق بتسفير المصاحف والمخطوطات التركية.

تعليق

مصطلح التسفير ألصق بالكتاب من التجليد، فهو يعني كسوة الكتاب بغلاف، وقد اختص المغاربة بهذا المصطلح، أمّا التجليد فيعني كسوة الكتاب وغير الكتاب بالجلد.

مترادف

تجْليد

[مصطلح مرغوب عنه في معنى التسفير، لأنّه يعني تغليف أي شيء بالجلد، حتّى وإن رُكّب على صيغة تجليد الكتاب فلا دلالة له سوى التغليف بالجلد ولا يعني مطلق التغليف].

مصطلح قريب

لغة كلزية

bookbinding
لغة فرنسية

reliure
مراجع

  • الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات، الربيز: أيمن فؤاد سيّد. الطبعة الأولى، 1418. الدار المصرية اللبنانية.
  • معجم الكتابة، خضير شعبان. الطبعة الأولى، 1419. دار اللسان العربي، الجزائر.

مصحف مغلّف بالجلد يعود إلى بداية القرن الثامن، كُتب لأبي يعقوب يوسف الحاكم الرباطي. مصدر الصورة: wdl.org.