معجم المصطلحات الكبير
نظرِية التجْفير والترْفيج
الإعلام والاتصال

تنتمي هذه النظرية إلى تيّار الدراسات الثقافية التي ركّزت على السياقات الاجتماعية، ويتمّ فيها التعرّض للبلغ ورسائله، وقد ظهر هذا التيّار في بريطانيا في إطار ما يُسمّى بمدرسة برمنغهام، ومن كبار روّادها «ستيوارت هول» Stuart Hall وخلص روّاد هذه المدرسة إلى أنّ دور وسائل الإعلام ثابت في عملية توجيه الجمهور، لكن لا يمكن إغفال وجود عناصر مقاومة لديه، علاوة على وجود أنواع متعدّدة من الجماهير وليس جمهورا واحدا بصيغة المفرد. ويُلخّص «هول» موقفه في الموضوع بالقول: «لا يمكننا أبدا اختزال الآثار الذهنيائية للبَلَغ (وسائل الإعلام) من خلال تحليل خطابه من دون مراجعة التاريخ الاجتماعي للمستقبلين». نظرية التجفير والترفيج (أي الترميز وتفكيك الترميز)، نظرية من نظريات المنهج النقدي التي تسعى إلى الكشف عن المدى الذي وصلت إليه عمليات الاتصال في صنع الاختلافات في القوّة وانعكاساتها، وقد طوّرها أوّل مرّة «ستيوارت هول» في سنة 1973م باسم «التجفير والترفيج في الخِطاب الرَّناتي» وقد جاءت محاولته هذه لتفسير الطريقة التي تُنتج بها الرسائل الإعلامية، وتنشر، وتُفسّر. وتقوم هذه النظرية على أربعة افتراضات أساسية:

أولا: يستعمل «هول» مصطلح الدراسات الثقافية بدلا من دراسات البَلَغ، فهو يعتقد أنّ البَلَغ في أبسط أشكاله ما هو إلاّ مِيفاق أي آلية لتطوير الذهنياء الثقافية وبثّها، فالذهنياء إطار ذهني يُستعمل لفهم العالم، فهي تتضمّن اللغة، والمفاهيم، والتصنيفات، والصور الذهنية التي يستعملها الإنسان لإدراك قيمة خبراته نمطيا، وتعمل على مستوى أدنى من الوعي، لأنّ الإنسان يعيش في ثقافة معيّنة ويميل إلى عدم ملاحظة الذهنياء الثقافية، فهي بالنسبة إليه كالماء للسمكة، حيث تعتبر حقائق تؤخذ كبديهيات. ويعتقد الباحث أنّ البَلَغ يميل إلى إنتاج الرسائل التي تدعّم الذهنياء المهيمنة المتمثّلة في رؤية العالم التي تُدعِّم الوضع القائم. فعلى سبيل المثال، تُركّز معظم الأقلدة (الأفلام) الأمريكية على المواقف التي تظهر فيها البطولة الفردية، فلسان حالهم يقول إنّ هؤلاء الناس يصنعون أشياء عظيمة، ولا يصنعونها إلاّ بمفردهم، وهذا مبعثه الذهنياء الأمريكية التي تركّز على قوّة الفرد، فالفرد بذاته عند الأمريكيين يمكن أن يحدث فرقا في العالم. يعتقد الباحث أنّ رسائل وسائل الإعلام الجماهيري عبارة عن إنتاج ثقافي لأنّها توفّر وسائل صنع الذهنياء واستنساخها أو تغييرها، كما يُطلق أيضا على العملية التي تدعّم الذهنياء الثقافية التعبير الاجتماعي. ثانيا: معنى الرسالة ليس ثابتا أو يحدّده المُرْسِل بالكامل، ففي عملية التجفير أي الترميز أو صنع الرسالة، يُطوّر المرسِل نمطيا الرسالة من علامات أو رموز الذهنياء الثقافية المهيمنة، إلاّ أنّ ترفيجها أي تفسيرها أو تفكيكها لا يتمّ دائما كما يريد المُرْسِل، ويُفهم هذا الافتراض الثاني جيّدا في الأغنية الشهيرة التي تقول «عنصري بالصدفة» فعلى الرغم من أنّها تُمثّل حوارا أمينا حول السلالة، فقد اعتبرها كثيرون أنّها هي في ذاتها أغنية عنصرية. ثالثا: كلّ الرسائل يتمّ تجفيرها باستعمال الذهنياء، فليس هناك شيء اسمه اتصالات «خالية من القيمة» فعلى الرغم من أنّنا لا ندرك في الحال نظام المعنى المطمور في داخل الرسالة الاتصالية سواء كانت عروض أو أغاني أو أقلدة رَناتية، فإنّ كلّ لغة (بمعنى كلّ رمز) يتطابق مع الذهنياء المهيمنة، لأنّه ليس من المحتمل أن نرى وجودا محسوسا للذهنياء التي ندعّمها ونتبنّاها، فغالبا ما لا ندرك القوّة المبنية داخل الرسالة. رابعا: تؤسَّس نظرية التجفير والترفيج على الاعتقاد بوجود جمهور نشط، فواضع النظرية يرى أنّ أعضاء الجمهور يستطيعون تحدّي الذهنياء المطمورة في الرسالة التي يتسلّمونها على الرغم من صعوبة ذلك، فهم يعتمدون على سياقهم الاجتماعي الخاص بهم، ويستطيعون أن يغيّروها من خلال فعل جماعي.

وعلى الرغم من أنّ «هول» لم يُجرِ بحثا على فئات الجمهور، لكنّه عمل على نموذج نظري للسياق الذي يتمّ فيه صنع الرسالة الإعلامية، وكيفية استقبالها وتفسيرها، والعلاقة بين المنتجين والنصّ الإعلامي والجمهور. ومن ثمّ جاءت هذه التركيبة بين العلاقات متمثّلة في نظرية الترميز والتكيّف، والتي توضّح أنّ الرسائل جزء من عملية التواصل يتمّ التعبير عنها في شكل نصوص إعلامية من لدن المنتجين، ثمّ يتمّ استقبالها وتفسيرها من لدن المستهلكين، ويحدث ذلك في إطار تركيبة اجتماعية معقّدة لا تنفصل عن محتوى الرسائل. وبذلك تمتلك المؤسّسات الإعلامية القدرة على وضع الخطط وتحديد ما يجب تقديمه والتعبير عنه في المحتوى الإعلامي، ويستقبل الجمهور الرموز والرسائل الضمنية التي يقدّمها البلغ محاولين تفسيرها وفقا للسياق الاجتماعي والثقافي الذي يتيح لهم ذلك. وبالتالي يتشارك المنتجون والجمهور دائرة الرسائل التي يتمّ تفسيرها، كما يقومون بتكوين وجهات نظر اجتماعية وثقافية، وإن كان هناك ضغوط على المصادر الإعلامية، بسبب تنوّع فئات المتلقّين.

يستعرض «هول» عددا من الأشكال لتصوّر مقاييس إدراك الجمهور في مواجهة تأثير الرسائل الإعلامية، وما يمثلوه من مفاهيم وهي: التوافق والمعارضة والجدل. تتمثّل القراءة المتوافقة في الأفكار والمفاهيم التي يتمّ تقديمها ودعوة الجمهور لقراءتها بالشكل المفضّل لدى المصدر. بمعنى أن قراءة الرسالة تتمّ عن طريق الانخراط في القراءة المفضّلة لدى المُنتِج، وفي هذه الحال يستعمل متلقي الرسالة الرمز المهني بمعنى الذهنياء المهيمنة لتفسير محتوى الرسالة، بمعنى أنّ المتلقي يفهم القيم والمعتقدات المطمورة في الرسالة ويقبلها، لأنّه ينتمي للذهنياء المهيمنة نفسها والتي صيغت وفقها الرسالة، وهذا النوع من القراءة يُعتبر سهلا وطبيعيا. أمّا القراءة المعارضة للرسائل فتتمثّل في فهم الفرد للرسائل على النحو الذي يريده المنتجون لكن يرفض التسليم بها، يحدث هذا على سبيل المثال في تلقي خطابات الأحزاب السياسية من لدن أفراد جمهور لا ينتمي إليها. بينما يتمثّل الشكل الأخير في الجدل أو المفاوضة حيث قد يفسّر البعض هذه الرسائل كل على النحو المفضّل له، وربّما يرفض أحدهم التسليم بمحتواها، وبذلك يميل إلى المعارضة، وذلك يخضع للسياق وطبيعة النصّ الإعلامي من حيث تعدّد المعاني.

إنّ المحوّر الأساسي الذي تدور حوله هذه نظرية هو عملية الترفيج أي تفكيك الرمز، لأّن الرسائل الاتصالية لا يكون لها معنى إلاّ حينما تفكّك، ويفترض صاحب النظرية أنّ معظم نظريات الاتصال الناساني تتجاهل عملية الترفيج، لأنّ الترفيج يميل إلى أن يحدث عند أدنى مستويات الوعي، لذلك يكون الفهم الكامل للترفيج صعب، فمعظم الناس تميل إلى الخلط بين المعنى ذي الدلالة الواضحة، والمعنى التلميحي، فالمعنى الحرفي هو ذلك الذي نجده في تعريفات المعاجم، أمّا المعنى التلميحي فيشير إلى كلّ المعاني المقترنة باللفظ. يعتقد معظم الناس أنّهم يمكن أن يفسّروا كلمة «إرهابي» مثلا تفسيرا موضوعيا تماما، لكنّ ذلك مستحيل عمليا، لأنّه لا يمكن فصل المعنى المفهوم عن المشاعر حول المفهوم، مثل الخبرات السابقة المقترنة به، والأحكام القيمية حوله، ومن ثم، فالمعنى التلميحي هو الذي يكوّن الذِّهْنِياء (الأيدولوجية).

تعليق

التجفير encoding من الجُفْرة وهي المعروفة في اللغات الغربية باسم code أمّا الترفيج decoding فمصطلح مصطنع بالقلب لكلمة التجفير، فالقاعدة الاصطلاحية تنصّ على أنّ العكس في المبنى يُقابله العكس في المعنى، لذلك يُصبح الترفيج هو تفكيك الجُفْرة، ويُستعمل اليوم في العربية مصطلح الترميز، ويعاكسه تفكيك الترميز، فالترميز كلمة عامّة تُقابل كلمة symbolisation أمّا تفكيك الترميز فعلاوة على كونه مصطلحا عامّا إلاّ أنّه مركّب أيضا، وهذا يقلّل من وظيفته الاصطلاحية، مع العلم أنّ مصطلح التجفير والترفيج لهما استعمالات أخرى مهمّة جدّا في علوم الحاسوب والتناطي والإنشاص، ولا يصلح فيها الترميز وتفكيك الترميز.

مترادف

نظرِية الترْميز وتفْكيك الترْميز

لغة كلزية

encoding/decoding theory
مراجع

  • سؤال المهنية والأيديولوجيا، الحالة المغربية أنموذجا. محمد البقالي. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
  • تطبيق نظرية الاتصال في الحياة المهنية: ماريان ديانتن- إليان د. زيلى، ترجمة: عبد الحكم الخزامي. دار الفجر للنشر والتوزيع.
  • الدراسات الإعلامية: الإعلام وأثره على الجمهور. Paul Long and Tim Wall. المجموعة العربية للتدريب والنشر، 2017م. القاهرة، مصر.